مواضيع اليوم

اللهم قد بلغت إلى متى سنظل نعيش بــ "الكريدي"

إدريس ولد القابلة

2012-12-20 22:27:25

0

 

 

اللهم قد بلغت

                                 إلى متى سنظل نعيش بــ "الكريدي"

 

"لّي خلى غداه لعشاه ربي غناه"

مثل شعبي

 

منذ مدة طويلة وبلادنا تعيش اعتمادا على القروض الخارجية وتوسل المال حتى تتمكن الحكومات ربط آخر الشهور حسب التعبير الفرنسي. وقد ظلت بلادنا تسدد القروض ولازالت منذ حصلت على الاستقلال، "واش المغاربة والمغرب الذي قيل أنه "أحسن بلد في العالم" عايش غير بالكريدي؟"

في واقع الأمر، إن مشاكل المديونية الخارجية للمغرب لم تَأت من قبيل الصدفة، وليست وضعية عابرة، كما أنها ليست معضلة  جديدة. في القرن 19  أغرق القيّمون على الأمور البلد في قروض عجزوا عن ردها، ففتحوا الأبواب على مصراعيها للاستعمار الغاشم التي تصرف في المغرب وأرضه وخيراته وسكانه كما حلا له  - علما أنه في ظل توسع الرأسمالية الأوروبية، كانت المديونية عاملا مساعدا في تسريع التدخل الأجنبي لكن حكامنا وقتذاك سقطوا في الفخ و"اخرجو علينا وعلى مستقبل البلاد"، والتحولات التي نتجت عن هذا المسار ستعيد تشكيل الاقتصاد والمجتمع المغربيين طيلة القرن 20، وعلى امتداد هذا الفترة "تقوابو" المغاربة وما زالوا يؤدون ثمن ذلك "تقوليب" إلى يومنا هذا.
ويبدو أننا نعيش اليوم إعادة إنتاج نفس المسار والمنحى، أزمة مالية خانقة تعصف بدرجات متفاوتة بعدة بلدان في المنطقة المتوسطية من بينها المغرب- رغم أن القيّمين على أمورنا ظلوا يُقرون بكل ثقة في النفس أن "أحسن بلد في العالم" عن منأى من هذه الأزمة ولن تمسه تداعياتها، وها هو اليوم يتسوّل القروض الخارجية لكي يعيش، وقبل هذا قيل أنه غير معني بالربيع العربي، وكذلك الأمر بالنسبة للإرهاب. إن هذه العقلية، التي لازالت تتحكم في دواليب صناعة القرار تريد أن تجعل المغرب نغمة نشاز في سمفونية العالم، كأنه خارج دائرة التاريخ، لا يسري عليه كما يسري على باقي الدول، لكن لم يسبق للقيّمين على أمورنا أن تساءلوا: هل هذا إيجابي أم سلبي، خصوصا وأن مثل هذه الأطروحات لا تعمل إلا على المشكل، لذا فكل مشاكلنا منذ الاستقلال أجلت حلحلتها إلى حد الآن، وهي اليوم معضلات مستعصية الحل في بداية القرن 21 .  

فهل القائمون على أمورنا لا يعلمون أن العالم الثالث ظل دائما متنفسا للأزمات الرأسمالية، وفي الأزمة الحالية يلعب دور الخزان الذي ينفذ إليه فائض السيولة طيلة السبعينات، مما يسمح بخلق سوق للبضائع المتكلسة في الأسواق الرأسمالية. وفي ظل هذه الشروط التي ارتفع فيها منحنى الديون الدولية بشكل كبير: البنوك صارت تُسلف دون حساب والعالم الثالث يَستلف دون حساب، والفاتورة تُثقل ومستقبل الأجيال القادمة ترهن، أراد من أراد وكره من كره.
فعلا، هناك عوامل خارجية مرتبطة بسياق الأزمة الاقتصادية العالمية، خاصة في أوروبا، وما تلقي به من ظلال على الاقتصاد المغربي، مثل الحروب المفروضة على المغرب وشح الظروف الطبيعية والمناخية. لكن هناك ما هو أهم من ذلك. إنها العوامل الداخلية التي تتعلق بالعجز على إصلاح النظام الاقتصادي والاجتماعي وشكل تدبير الموارد.

كما أنه منذ مدة انتقد الكثير من المحللين والخبراء الإرتفاع الكبير للقروض الإستهلاكية وقروض العقار والقروض الصعبة، فضلاً عن ثقافة القروض التي غزت المجتمع المغربي، وكادوا يجمعون على نفي أي علاقة لهذه القروض بالاقتصاد الفعلي، مشددين على أن النظام الربوي والرعوي يعيش بالقروض ويعمل على توسيع مساحة انتشاره. كما أكد الكثير منهم أن ثقافة القروض بالمغرب عبارة عن مرض في المجتمع، وأن العديد من الأسر تعيش على وقع المشاكل بسبب هذه الظاهرة. إن ظاهرة الديون لها تداعيات اجتماعية خطيرة، مثل ارتفاع الجريمة والسرقة، بالإضافة إلى الأسر التي لا تستطيع تسديد ديونها والتي تلجأ إلى الأفراد الذاتيين من أجل الاستدانة من جديد، مما يجعلها تدخل دائرة مفرغة.

فحسب الإحصائيات الرسمية إن مجموع الديون الخارجية المترتبة على الخزانة العامة ارتفعت 1.6 في المائة وصلت إلى 192 مليار درهم. كما سبق وأن أفاد تقرير لمديرية الخزانة والتمويل الخارجي بأن نصف ديون المغرب الخارجية مستحقة لمؤسسات مالية دولية، لا سيما البنك الدولي و البنك الأوروبي للاستثمار و البنك الإفريقي للتنمية ومصارف عربية وإسلامية. وتقدر الديون من دولة إلى دولة بنحو 39 في المائة من المجموع، بينما لا تتجاوز الديون المستحقة لحساب المصارف التجارية الخاصة (أعضاء نادي لندن) نسبة 11 في المائة.
واقترض المغرب بعملة اليورو بنسبة 71.6 في المائة من الديون، ثم بالدولار (8 في المائة) والين الياباني (7 في المائة). وتشكل الفوائد الثابتة 78 في المائة من الديون، ما يجعل أسعارها لا تتأثر بالتحولات المالية الدولية وأخطار الصرف والتصنيف الائتماني. وأوضح التقرير أن كلفة خدمات الديون الخارجية تجاوزت ملياري (2) دولار ( أكثر من 16 مليار درهم) في العام الحالي، وسترتفع الى نحو 2.32 مليار درهم العام المقبل. ومن المفارقات الغريبة أن الإعلان عن هذه المعطيات حول الديون الخارجية تزامت مع استعداد المغرب للعودة إلى السوق المالية الدولية لجمع قروض سيادية بقيمة مليار دولار (ما يناهز 9 مليار درهم)، لتمويل جزء من عجز الموازنة المقدر بـ6.1 في المائة، وضخّ أموال إضافية في المصارف التجارية التي تواجه شحاً في السيولة بسبب تراجع التحويلات والسياحة والاستثمارات الأجنبية، وهذا فعلا ما تأكد.

تساءل الكثيرون بخصوص نجاعة هذا التوجه المعتمد على القروض الخارجية، باعتباره يكرس التبعية للخارج، ومحاولة سد العجز عبر الاقتراض من الخارج، بدل البحث عن طرق تمويلية، أو إعادة النظر في طريقة اشتغال بعض المؤسسات التي تضيع على المغرب الملايير من الدراهم أو بقاء مؤسسات تشتغل وفق النمط القديم على الرغم من أن المجلس الأعلى للحسابات كشف عن اختلالات مالية وإدارية وتدبيرية، لا تعيق التنمية الاقتصادية فحسب، بل تسهم في استنزاف الموارد المالية، دون أن تطالها يد العدالة.
لقد خلف الاعتماد الكبير على الاستدانة من الخارج انتقادات كبيرة من لدن العديد من الجهات، وذلك بسبب ارتهان المغرب للخارج، والمخاطر التي يكتنفها هذا التوجه. علما أن الدولة مازالت تستحوذ على الادخار الداخلي على حساب المقاولات، وأن المالية العامة للدولة تشكو من مشكل عويص، نظرا لتراجع المداخيل الضريبية، نتيجة اتفاقيات المغرب مع بعض الدول التي تتيح التخفيض من الرسوم الجمركية أو التخفيض من الضريبة على الدخل.
وبخصوص البدائل المطروحة، يعتبر العديد من الخبراء الاقتصاديين والماليين  أن عقلنة مصاريف الدولة  أحد البدائل المطروحة فضلا على أن المشكل المطروح ليس في الدين في حد ذاته، ولكن في إمكانية الدولة التحكم في استرجاعه والشروط المرتبطة به، علما أنه يمكن للديون أن تسهم في مشاريع ستعطي مردودية كبيرة.

وتطرح المديونية العديد من الأسئلة خصوصا أن نصفها موجه إلى المؤسسات العمومية. وأمام ارتفاع مديونية المغرب والعجز في الميزانية، يرى اقتصاديون أن المغرب بات يعيش على وقع الكثير من التحديات المالية والاقتصادية.

قد قيل أن المغرب طرح بنجاح سندات دولية بقيمة مليار أورو ( أكثر من 11 مليار درهم) بالسوق المالية الدولية، على مدى 10 سنوات وبمعدل فائدة يبلغ 5,4  في المائة.

إن هذا التوجه يحمل في طياته بعض الأخطار و التحديات، لأن السوق الذي توجه إليه المغرب سوق حر ربوي، ويمكن لأعداء الوطن الحصول بسهولة على هذه السندات، و بالتالي يبتزوا البلاد. كما أن عجز المغرب في تأدية الديون ستطرح مشكل، مثل اليونان الذي عرفت أزمة بسبب عدم تحكمها في الديون الخارجية.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات