يترنح النظام الحاكم في سوريا تحت ضربات أقدام المتظاهرين، الواضح أنه يسيرُ بإتجاهٍ واحد: النهاية الحتمية التي لا خلاص له منها، مهما كابر و ناور و (حاور).
من يعرف طبيعة هذا النظام القمعية، و هو قد أصبح اليوم كتاباً بالياً مفتوحاً، يعرف أن أولوية الأولويات بالنسبة له هي حفاظه على نفسه، و باقي الأمور هي مجرد تفاصيل لا تخرج عن هذه الأولوية مهما بدت مختلفة عنها.
ثمة خطر وجودي وحيد يواجهه النظام ألا و هو المظاهرات التي تخرج كل يوم في الشوارع، و التي يزداد عديدها بمرور الأيام، و التي ليس لها سوى هدف وحيد ألا هو إسقاطه. أما العقوبات الدولية و المقاطعات و المؤتمرات الخارجية و الداخلية و مسيرات الشتات فهي رغم أهميتها، و عدا عن كونها تستمد وجودها من المظاهرات الموجودة على الأرض، إلا أنها لا تبعد عن كونها مناوشات حدودية، أو ما كان يسميه صراع حدود، لا تؤثر في النظام في العمق، و إن كان لها تأثير فهو يحتاج إلى وقتٍ طويل ليتبلور، و قبل أن تبلغ غايتها يستطيع النظام معالجتها بالأسلوب المعروف عنه في الإنكار و الإلتفاف و الخداع و التضحية ببعض أصوله، ليصل في النهاية إلى ترميم ماء وجهه المُراق.
لماذا غض النظام الطرف عن المؤتمر التشاوري الذي إنعقد في دمشق و لم يمانع في عقده، لا بل كان له بشكلٍ من الأشكال تواجدٌ ما فيه؟ و لماذا يكون حضوره في الحراك السلمي الذي يجري في الشارع السوري حضوراً دموياً أداته كل أنواع الأسلحة التي يخوض بها حرباً قذرة من طرف واحد أدت إلى خسائر بشرية و مادية لا تحصى؟ الإجابة لا تخفى على أحد، ففي الحالتين ثمة رسالة إلى الخارج يحاول بها تعزيز روايته، فمن جهة يريد أن يقول أن الأصلاحات قد أخذت مداها، و ها هي المعارضة تلتقي بكل حرية و تتشاور دون ضغوط و تخرج بتوصيات دون إملاءات، و من جهةٍ أخرى ها هو النظام ذاته الذي تفهم حراك المعارضة هذا، يتوجه إلى محاربة العصابات المسلحة التي تعيث فساداً في الأرض، ليمرر عبر رسالة المؤتمر روايته هذه عن المسلحين و يعززها.
و هنا لا بد من التفريق بين مؤتمر سمير أميس و بين المشاركين فيه، و كذلك بين المشاركين أنفسهم، فإدانة المؤتمر بالظروف و الزمان و المكان الذي إنعقد فيه لا تعني إدانة المشاركين، أو على الأقل بعضهم، الذين لهم تاريخ طويل في مقاومة النظام القمعي، ترويه يوميات سجنهم، لكن هذا التاريخ المشرف لا يبرر لهم مسك العصا من المنتصف، فليس من المعقول أن يكون الفضل في اللقاء العتيد ـ رغم المآخذ عليه ـ للثورة السورية التي دفعت دماءً عزيزة أصبحت بسببها المطالبة بإسقاط النظام مجرد تحصيل حاصل، في حين يقوم هؤلاء بإستثمار الأجواء التي خلقتها الثورة ليس للوقوف معها، و دعمها لتحقيق هدفها، و كذلك المطالبة بإنصافهم بسبب الظلم الذي وقع عليهم، بل لتوجيه طعنة نجلاء إليها و ذلك بعدم الإلتزام بهدفها في الدعوة لإسقاط النظام، بل في الحديث عن الحوار معه، و دعوته لإجراء إصلاحات، و وضع الإشتراطات لذلك التي لا تبلغ مهما إرتفعت، السقف الذي تعمل تحته الثورة.
كل المؤشرات تدل على أن النظام يعتبر أن اللقاء التشاوري هو الإختراق الأول له بعد الـ (مائة يوم من العزلة) التي وجد نفسها فيها، فهو يعتبر سمير أميس بمثابة حصان طروادة الذي سيجول به القارات، ليخرج من بداخله و يفتح له أبواب القلاع الموصدة، من خلال الحديث عن المعارضة التي تجتمع برضا أو رغم أنف النظام، كما أنه من جهة أخرى يعتبر المسألة برمتها (بروفة) للحوار الذي دعى إليه، و الذي لن يخرج عن السقف الذي دعا إليه اللقاء.
إذاً حبلُ نجاةٍ بدلاً من الآخر الذي يلتف منذ بعض الوقت حول عنق النظام، يظن هذا أنه تلقاه من حيث يدري أو لا يدري. لكن من جهةٍ أخرى فالدخول في لعبة النظام لمن لا يدري باهظُ التكاليف، ففي الوقت الذي يسقي غيره كأس السم الذي أُعد له، يقوم أيضاً بحقن نفسه بالترياق.
يستطيع النظام أن يعيد رسم حدوده مع المجتمعين في فندق سمير أميس كما يشاء، ليوحي بأنه يقوم برفع التعديات القائمة، و إن كان لا يضمن عدم تكرار هذه التعديات من جانبه مرة أخرى، و مع إن ذلك لا يغير في المعادلة القائمة التي يخطها الشارع، فإنه لسوء حظه ـ حظ النظام ـ أن لا حدود مشتركة بينه و بين الثورة السورية ليقوم بتعديلها. فسوريا اليوم غير قابلة للقسمة على إثنين: فأما الحرية و إما الإستبداد.
التعليقات (0)