يا للحسـرة إن الموهوبيـن مـن شبـان النصـارى لا يعرفـون اليـوم إلا لغـة العـرب وآدابهـا
لـم تكـن العربيـة ذات شأن فـي المحيـط الدولـي باستثنـاء موقعهـا فـي المجتمعات الإسلاميـة بوصفهـا لغـة عقيـدة. أما الآن فقـد أخـذت مكانتهـا بيـن لغـات العالـم المعاصـر، واعتـرف بهـا لغـة رسميـة تستخـدم فـي الهيئـة العامـة للأمـم المتحـدة وفـي باقي منظمتهـا.
فقـد أصـدرت الجمعيـة العامـة للأمـم المتحـدة قرارها رقـم 3190 (د-28) فـي جلستهـا العامـة رقـم 2206 في دسمبـر سنـة 1973 وينـص علـى أن الجمعيـة العامـة: "إذ تـدرك ما للغـة العربيـة مـن دور هام فـي حفـظ ونشـر حضـارة الإنسـان وثقافتـه. وأنها لغـة تسعـة عشـر عضـوا مـن أعضـاء الأمـم المتحـدة، وهـي لغـة عمـل مقـررة فـي وكالات متخصصـة، مثـل منظمـة الأمم للتربيـة والعلوم والثقافـة، ومنظمـة الأمم المتحـدة للأغذيـة والزراعـة، ومنظمـة الصحـة العالميـة، ومنظمـة العمـل الدوليـة، وهـي كذلك لغـة رسميـة ولغـة عمـل فـي منظمـة الوحـدة الإفريقيـة.
وإذ تـدرك ضـرورة تحقيـق تعـاون دولـي على أوسع نطاق، وتعزيـز الوئام فـي أعمـال الأمم وفقـا لما ورد فـي ميثـاق الأمـم المتحـدة.
وإذ تلاحـظ مـع التقديـر ما قدمتـه الدول العربيـة الأعضاء مـن تأكيـدات بأنها ستغطـي، بصـورة جماعيـة، النفقـات الناجمـة عـن تطبيـق هـذا القـرار خـلال السنـوات الثـلاث الأولـى. وتقـرر إدخـال اللغـة العربيـة ضمـن اللغـات الرسميـة ولغـات العمـل المقـررة فـي الجمعيـة العامـة ولجانهـا الرئيسيـة، والقيـام بنـاءا عليـه بتعديـل أحكـام النظـام الداخلـي للجمعيـة العامـة المتصلـة بالموضـوع.
ومعلوم أن اللغـة العربيـة كانـت لغـة المسلميـن والمسحييـن فـي الأندلـس، حملت فكرا وأدبا عذبا، استفاد واستلذ به المسيحيون والصليبيون، فباتت تهدد لغتهم الأم، فبادر القرطبـي ألفريـد وهـو أحـد قساوسـة النصارى فـي الأنـدلس ليدق ناقوس الخطر على مستقبل الصليبيين، وأصدر شكواه المشهورة نقلهـا بنصهـا حمـد بن ناصـر الخيـل مـن كتاب تاريـخ الفكـر الأندلسـي للمستشـرق الاسبانـي بألنثيـا المتوفـى سنـة 1949.
ويقـول ألفرد: إن إخوانـي فـي الديـن يجـدون لـذة فـي قراءة شعـر العـرب، وحكاياتهـم، ويقبلـون علـى دراسـة مذاهـب أهـل الدين والفلسفـة المسلميـن لا ليـردوا عليهـا وينقضـوها، وإنما لكـي يكتسبـوا مـن ذلك أسلـوبا عربيـا جميـلا وصحيحـا. وأين نجـد الآن واحـدا مـن غيـر رجال الديـن يقـرأ الشـروح اللاتينيـة التـي كتبـت علـى الأناجيـل المقـدسـة؟ ومـن سـوى رجال الديـن يعكـف علـى دراسـة كتابات الحوارييـن وآثار الأنبيـاء والرسـل يا للحسـرة إن الموهوبيـن مـن شبـان النصـارى لا يعرفـون اليـوم إلا لغـة العـرب وآدابهـا. ويؤمنـون بهـا ويقبلـون عليهـا فـي فهـم وهـم ينفقـون أمـوالا طائلـة فـي جمـع كتبهـا، ويفخـرون فـي كـل مكـان بأن هـذه الآداب حقيقـة جديـرة بالإعجـاب. فإذا حدثتهـم عـن الكتـب النصرانيـة أجابـوك فـي ازدراء بأنـها غيـر جديـرة بأن يصرفـوا إليهـا انتباهـهم. يا للألـم لقـد نسـي النصـارى حتـى لغتهـم. فلا تكـاد تجـد فـي الألـف منهـم واحـدا يستطيـع أن يكتـب إلى صاحبـه كتـابا سليمـا مـن الخطـأ. فأما عـن الكتابـة فـي لغـة العـرب، فإنـك واجـد فيهـا عـددا عظيمـا يجيـدونها فـي أسلـوب منمـق. بل هـم ينظمـون مـن الشعـر العربـي ما يفـوق شعـر العـرب أنفسهـم فنـا وجمـالا.
إن اللغة العربية كثيرا ما تنكر لها الزعماء السياسيون العرب في المحافل الدولية، حتى أن الخطـة الشاملـة للثقافـة العربيـة التي أصدرتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم قد أوصت على الالتـزام باستخـدام اللغـة العربيـة فـي المحافـل الدوليـة حيـث اللغة العربية لغـة رسميـة. واعتبرت أن الحديـث بالعربيـة فـي المحافـل الدوليـة عمـلا قوميـا يعـزز أسـس العمـل العربـي المشتـرك.
لكـن الساسة العرب يصرون علـى تقويض هذا المطلب الذي أصدرته مؤسسة تابعة لجامعة الدول العربية، مصرين على بعث رسائلهـم وإلقاء كلماتهم وخطبهم فـي المحافـل الدوليـة باللغـة الأجنبيـة، لتكسيـر مـا تبقـى مـن التزام بمشتـرك الأمـة.
elfathifattah@yahoo.fr
التعليقات (0)