عزا مؤتمر عقدته كلية الآداب والفنون بجامعة فيلادلفيا في العاصمة الأردنية عمان الثلاثاء الصراع بين اللغة العربية الفصحى والعامية إلى المستشرقين الذين يعملون على إعلاء الفرنسية والإنجليزية وتسويقهما أمام إظهار عجز لغة الضاد.
وخلال ندوة "اللغة والهوية.. النهوض باللغة العربية" قال المشاركون إن اللسان العربي يعزف عن النطق الفصيح وما يجري الآن هو انبطاح أمام ثقافة الغرب ولغته. وأكدوا أنه "إذا لم تنفتح لغتنا على اللهجات العامية وتستفيد منها فمصيرها الجمود والتحول للمتحف".
وقال الدكتور عز الدين مناصرة بورقته "إن اللهجات هي المنجم الذهبي لتطوير اللغة الفصحى، ونستطيع أن نمارس في الشعر المعاصر الاشتقاق والاستقراض كأجدادنا بدل أن تفرض علينا اللغة "العربيزية" الهابطة المستقاة من اللغات الأجنبية.
وأضاف مناصرة أنه لا توجد لغة نقية، معتبرا أن النحاة وضعوا قواعد اللغة الفصحى وفق قبائل معينة ولهذا انتشرت كتب التصحيح اللغوي والتعديل، محذرا من أنه "إذا لم تنفتح لغتنا على اللهجات والاستفادة منها فمصيرها الجمود والتحول للمتحف مثل اللاتينية".
من جهته استعرض أستاذ النقد في جامعة فيلادلفيا وأمين العلاقات الخارجية في رابطة الكتاب الأردنيين الدكتور غسان عبد الخالق مشروع قانون اللغة العربية للعام 2007 والذي لا يزال قابعا في ديوان التشريع الأردني، ومن أبرزه تدريب مقدمي البرامج في الإذاعة والتلفزيون على الأداء الرشيق باللغة الفصحى وحظر الإعلان بالعامية وإبراز جماليات الخط العربي وتصميم امتحان كفاية لغوية لطلبة الجامعات والمتقدمين للوظائف.
وفي رده حول قناعة بعض المثقفين بأن تحقيق الحداثة والانتشار لا يتم من بوابة العربية، قال إن بعض المفكرين الحداثيين الحقيقيين يعتبرون أن اللغة العربية لغة "بطريركية" وبالتالي عاجزة على أن تكون حاملا حقيقيا لأية مضامين حداثية وهذه إجابة لا تخلو من وجاهة بسبب ما تعانيه اللغة العربية من جمود حسب رأيه.
وأضاف في السياق أن هناك مجموعة من المنظرين التغريبيين الذين يرون ضرورة استبعاد الثقافة واللغة العربية جملة وتفصيلا من واقع الحياة والاستخدام اليومي واللجوء للغات الحية الفاعلة وخاصة الإنجليزية، مشيرا إلى أن "المغلوب مولع بتقليد الغالب" وأن ما يحدث الآن في الوطن العربي هو إمعان في تقليد الغرب والانبطاح أمام ثقافته وأفكاره ولغته.
من جانبها قالت الدكتورة هالة العبوشي من جامعة فيلادلفيا إن اللسان العربي يشهد حاليا عزوفا عن النطق الفصيح وميولا كبيرا للعامي اللهجي المتعدد بسبب الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية وانهزام العرب وضعف الوازع الديني والقومي والتعلق بثقافة المنتصر، مما أحدث شرخا في علاقة العربي بلغته الفصيحة.
أما الأديبة وأستاذة النقد الحديث في الجامعة الأردنية سناء الشعلان فأعربت عن اعتقادها بأن "النخبة حافظت على اللغة العربية شعارا لنخبويتها وتمثيلا لقناعاتها وتصالحا مع المتوقع منها قوميا ودينيا وحضاريا، ولكنها لم تنجح في أن تجعل اللغة العربية هوية الجماعة ولم تبتكر طرقا لمحاصرة التهديدات والمؤامرات التي تتربص بها.. باختصار شعار النخبة في الغالب هو (أنا ومن بعدي الطوفان)".
وحول دور المدارس الأجنبية قالت الشعلان للجزيرة نت إنها صورة للاستلاب الثقافي والمعرفي وهي لا تهاجم اللغة العربية فحسب، لكنها تنسفها وتجعلها ذكرى عبر مناهجها المسمومة التي تنزع العربية وتضع اللغات الأخرى بدلا منها وتزرع في عقول أبنائنا أن اللغة العربية رديف التخلف والرجعية.
واعترف أستاذ اللغة العربية بجامعة البلقاء الدكتور محمد القواسمة بجهود مجامع اللغة العربية، لكنه اعتبر أن إشكالات تعوق عملها أهمها عدم الاستقلالية وافتقارها للفاعلية في معالجة القضايا المعاصرة كالمصطلحات وحوسبة اللغة.
وقال إن "اللغة لا تشكل عائقا أمام التقدم بل هي حاملة للفكر وأداة للتفكير، وإذا كانت لغتنا ضعيفة فهي من ضعفنا فعندما كنّا أقوياء كانت لغة العولمة وما نطلبه هو عدم ذوبانها حتى لا نفقد شخصيتنا وهويتنا".
التعليقات (0)