مواضيع اليوم

اللغة العربية والإبداع الحضاري

mohamed benamor

2010-09-15 21:11:49

0


اللغة العربية والإبداع الحضاري

أحب العرب لغتهم وتباروا في إتقانها منذ ما قبل مجيء الإسلام، واستعملوها في حلهم وترحالهم، وانتقوا القصائد العصماء سميت ب «المعلقات» لتعليقها عند الكعبة.

ولما انطلق المسلمون لحمل رسالة الإسلام الخالدة كانوا في الوقت نفسه حملة للغة العربية، لغة القرآن، لأن الإسلام لا يمكن تفهم مفاهيمه عن الكون والإنسان والحياة وشريعته التي تنظم حياة المسلمين الإجتماعية والسياسية والإقتصادية إلا من وجهة لسان العرب. وبذلك كان المسلمون يدعون القلوب إلى الإيمان والألسنة إلى التعريب.

كما برع الخطاطون المسلمون في رسم اللغة العربية، وأبدعوا خطوطا عديدة زينتها بحلة قشيبة لأن الخط الجميل يزيد الحق وضوحا وإبانة .. وزينوا المساجد والمنازل والقصور في مختلف البلاد الإسلامية وجملوا الأثاث والسجاد والملابس والمباني والآلات والكتب وغيرها.
ولقد مثلت اللغة العربية ولا تزال إحدى اللغات العريقة ذات التاريخ الحافل، وهي لغة ثرية بأبجديتها وتضم من الحروف ما لا يوجد مثيلها في اللغات الأخرى: كالثاء والخاء والذال والظاء.. فضلا عن حرف الضاد الذي تنفرد به دون سائر اللغات العالمية.

وهي لغة تفي بالقليل عن الكثير، وتمج الغث وتعج بالسمين.. كما أنها تمثل قلب الأمة الإسلامية النابض وعقلها الواعي الذي يحوي تراثها ومجدها.. ولقد استوعبت إنجازات المسلمين الحضارية كلها عبر تاريخهم الطويل بوفاء وأمانة، بل لقد شرفها خالق الكون والحياة و الإنسان بأن اختارها ليخاطب بها بني آدم عبر كتاب معجز شكلا ومضمونا. وقد حولها هذا التشريف إلى لغة عالمية.. يقول المستشرق «جوبيوم» في مقدمة كتابه تراث الإسلام: « إن اللغة العربية لغة عبقرية لا تدانيها لغة في مرونتها واشتقاقها..».هذا بالإضافة إلى أنها اللغة ذات الصوت الواضح المميز، وذلك راجع إلى دقة مخارج حروفها، بعكس ما هو ملحوظ في بعض اللغات الأخرى التي تكثر بكلماتها الحروف الساكتة، أو التي يتلاشى بعضها في بعض خلال النطق.

إن تميز اللغة العربية بخصوصيات كثيرة جعلتها تتربع على عرش اللغات جميعها بما احتوت عليه من ضروب البيان والبلاغة والإعجاز وسهولة الاشتقاق منها وقدرتها العجيبة على التعبير عن كل خلجات النفس البشرية في أفراحها وأتراحها، في هزلها وجدها، في علومها وآدابها.. ولقد أدرك أعداء أمتنا الإسلامية الإرتباط الوثيق بين اللغة العربية ومجد ووحدة المسلمين، فعملوا جاهدين على ترويج الدعاوي التي تتهم الفصحى بالعقم والبداوة وألقوا عليها مسؤولية التخلف الحضاري"لأمة الإسلام " في العصر الحديث، زاعمين بعدم استجابة الفصحى للحضارة الحديثة وهي عسيرة على من يتعلمها !؟
واتفق هؤلاء - المتآمرون على رمز هويتنا الحضارية- على استبدال اللغة العربية بلغات المستعمرين القدامى لديارنا أو باللهجات العامية لشعوبنا الناطقة بالضاد أو كتابة العربية بالحروف أللاتينية لمسخها والقضاء على صحة النطق بها، أو تغيير الأساليب البيانية والبلاغية للغة الفصحى.

وهذه الدعوات مهما لبست من أقنعة، وزخرفت من قول إنما هي دعوات مسمومة و مفضوحة يريد لها أصحابها أن يخربوا هوية" الأمة الإسلامية" حتى يسهل لهم تذويبها وتركيعها لأطروحاتهم المعادية لمصالح أمتنا الإسلامية في التقدم والتطور وتحقيق العزة والمناعة و الشهادة على الناس.. ذلك لأن اللهجة العامية مثلا التي يريدها أعداء أمتنا بديلا عن اللغة الفصحى تمثل ألفاظا مهلهلة من لهجات تختلف من بلد لآخر كما تختلف في البلد الواحد باختلاف مناطقه وأجيال أبنائه، وهي فقيرة كل الفقر في مفرداتها، مضطربة في قواعدها وأساليبها حتى إن العربي يخاطب أخاه على لسان غير مبين فلا يكاد يفهمه ! يقول العقاد:«اللغة العامية لغة الجهل والجهلاء وليست بلغة الشعبيين، ولا من يحبون الخير للشعوب».!

لقد عبرت اللغة الفصحى قديما وحديثا بصدق عن المفاهيم والمصطلحات العلمية والأدبية والمشاعر الراقية التي توصل إليها المسلمون في مختلف ميادين الحياة ودروبها، تقوى وتينع بقوة المسلمين الحضارية وعزتهم وتضعف بضعف المسلمين وتخلفهم، فلا مجال إذن لأن نتهم اللغة الفصحى بالعجز أو القصور بل الأصح أن نتهم أنفسنا بالتخلي عن دورنا الإسلامي والحضاري في قيادة الشعوب وبلوغ ما وراء العرش تطورا وازدهارا.

إن اللغة لا يمكن أن تتطور وتينع وتزداد مفرداتها وتراكيبها ويترسخ جمالها وتنتشر بين الناس إلا إذا تراكمت المعارف الجديدة والمعاني الجليلة والمفاهيم المتطورة، وكثرت الإكتشافات والإختراعات، وأبدع الناس في كل المجالات الحياتية والمعرفية والتكنولوجية.. حينئذ تأتي اللغة لتعبر عن هذا التطور والرقي والإزدهار الحضاري عن طواعية، وتسلم قيادها للمبدعين و العاملين.. وكلما كثر هؤلاء المبدعون، كلما تطورت لغتنا المعيارية الفصحى واتسع قاموسها اللغوي وكثرت المعاني الجميلة بها، وأقبل عليها الناس واستعملوها في أحاديثهم وخطبهم وكتاباتهم و مختلف إبداعاتهم.

 

 

الهجرة في سبيل الله
تعني الهجرة بأبسط مدلولاتها الإنتقال من مكان إلى مكان وهجر مكان إلى آخر لأكثر من سبب، وهي قضية قديمة قدم وجود الإنسان على الأرض.. !؟ لكن اهتمامنا سينصب على الهجرة في سبيل الله ومفهومها في القرآن.. !؟

تبتدئ الهجرة إلى الله باعتزال فكري/ نفسي داخل المجتمع الذي يحيى فيه المؤمن وذلك بالإنخلاع من العادات والعبادات والتصورات والمفاهيم غير الإسلامية...! وتنتهي بهجرة عملية حركية بالإنتقال من موقع إذا ما تبين عقمه وخواءه في مجال العطاء الإسلامي.. إلى مواقع أخرى أكثر خصبا ونماء..!

1- الإعتزال الفكري/ النفسي وعدم الركون إلى الظلم:

الإعتزال الفكري يعني معرفة الحق ومن ثم الإرتحال إليه فكريا والإلتزام به قولا وعملا والثبات عليه والإستمساك به، وهو طريق الرسل عليهم السلام وكل الذين اختاروا السير على دربهم من المؤمنين عبر مختلف أحقاب التاريخ البشري – منذ نزول آدم عليه السلام إلى الأرض- وهي ثمرة الأيمان بالله خالق الكون والإنسان والحياة، وتوحيده والخضوع لأوامره، وبالتالي هي اصطباغ بالمفاهيم الإسلامية في النظرة للكون والإنسان والحياة والمجتمع التي ضمنها الله كتابه المعجز الموحى به إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم و كل رسله عليهم السلام من قبله ...: يقص القرآن علينا قصة أصحاب الكهف – الفتية الذين آمنوا بربهم و اعتزلوا قومهم : ﴿ هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا. وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا﴾ (سورة الكهف الآيتين 15 و16). كما أخبرنا الله عن قصة نبيه إبراهيم عليه السلام مع أبيه وقومه: ﴿ وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا﴾ (سورة مريم الآية 4).

إن الإيمان الصادق بالله يوجب على المسلم الإستقامة بإتباع الوحي في كل صغيرة وكبيرة دون تجاوزه مهما كانت المبررات والضغوطات.!: ﴿ فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير‘ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون﴾ (سورة هود الآيتين112 و113).

إن استمساك المؤمن بالحق والخضوع لأوامر الله ونواهيه في العقيدة وفي كل ما ينبثق عنها من سلوك فطري قويم في مختلف ميادين الحياة الإنسانية ليس بالأمر الهين في محيط مجتمع تهيمن على معتقدات أفراده الأباطيل والخرافات وعلى سلوكياتهم وأقوالهم الظلم والفساد والمنكر والتقليد الأعمى لميراث الأجداد بغثه وسمينه:﴿ وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ﴾(سورة البقرة الآية 170).إن التعارض والتضاد والتناقض حد العداء بين ما أصبح ينتهجه المؤمن بالله من سلوك قويم مستندا في ذلك إلى أوامر الله و بصائره في القرآن بفضل إيمانه بالله رب وحيد لكل مفاهيمه في الحياة وبين معتقدات المجتمع ومفاهيمه التي ترتكز أساسا على موروث الآباء والأجداد أو ما ترتئيه أهواؤهم و أربابهم المزيفة أو ما تشرعه لهم نخبهم ورجالات أديانهم المتاجرين بالدين...!! ينتج عنه حتما صراعا بين أهل الإيمان الذين يستمدون مفاهيم حياتهم من القرآن و ثوابته و بصائره وبين أهل المعتقدات الزائفة والمنحرفة عن هداية الله ‘ فيبدأ أهل الضلالات في أذية المؤمنين إعتقادا منهم أن الأذى قد يعيد المؤمنين إلى دائرة الجهل و الكفر و السير في ركب الطواغيت التي تعبد من دون الله.. وتطاع وتتخذ مرجعا في تقويم السلوك البشري وسن التشريعات..!؟ لكن الإيمان بالله يشحن المؤمنين الصادقين بقدرة فائقة على تحمل الأذى والصبر على المكاره ومكر المناوئين والإستقامة كما أمر الله عز وجل في كتابه العزيز طمعا في تحقيق الأمن و طيب العيش في الدنيا و فوزا بمرضاة الله و بجنته وعدم إتباع أهواء الذين لا يعلمون، متخذين من الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم قدوة لهم : ﴿ قل يا عبادي الذين آمنوا إتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب﴾ (سورة الزمر الآية 10).﴿ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا﴾ (سورة الأحزاب الآية 21)

2- حقيقة الهجرة في سبيل الله:

تعد الهجرة في سبيل الله: معلم خالد من معالم الدّعوة إلى الله وتحقيق العبودية لله رب العالمين.. وهي إحدى وسائل الصراع وصور المواجهة في المعركة بين الحق والباطل وطريقة للإستمساك بالحق والإنتصار له... فهي في مضمونها وفي أصل شرعيتها إنتصار للإيمان واستعلاء به وتحطيم للأغلال والقيود التي يحاول أعداء الحق إحكامها حول المؤمنين، وكسر للحواجز التي تحيط بالمؤمنين حتى لا يبلغوا دعوة الله، وسبيل لعدم السقوط تحت أقدام الطغاة والجبابرة المتألهين إستذلالا واستعطافا لأن ذلك يتنافى وكرامة الإنسان المؤمن بالله وعزة نفسه.. لذلك يلاحظ المتأمل لحركة النبوة - من لدن آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم- بأن التفكير بالهجرة لا يبدأ والإذن بها لا يتحصل إلا عندما يستحيل أمر الدعوة ويحاط بها من كل جانب ويهدد الدعاة إلى الله في حياتهم و في أرزاقهم وعندما تنعدم كل الخيارات إلا خيار الهجرة.. ومثال ذلك هجرة سيدنا موسى عليه السلام إلى مدين عندما أحيط به من كل جانب : ﴿ وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين﴾ (سورة القصص الآية 20 ). كما تقررت هجرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأذن بها لما إجتمع كيد الكفار في دار الندوة على الإشتراك في قتله وتوزيع دمه على القبائل: ﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين﴾ (سورة الأنفال الآية 30).

فالهجرة تتوجب عندما تفتقد الفاعلية ويتوقف العطاء على أرض المعركة وانسحاب مؤقت للعودة للمواجهة بوسائل أخرى، وهي ليست حركة إنسحابية من المجتمع وتخليا وهروبا من مواجهة الظلم واستسلاما لواقع اليأس والإحباط - كما هو حال المتصوفة أو جمعيات الدعوة و التبليغ مثلا-.. وليس إيثارا للراحة وطلبا للعافية ولو كان الأمر كذلك لفقدت الهجرة هدفها وثوابها وأثرها وكونها وسيلة من وسائل التغيير الإجتماعي التي اعتمدها الأنبياء/ القدوة عليهم السلام .. لذلك لا يجوز للمؤمن التفكير في الهجرة إلى خارج الأرض التي يسكنها إلا إذا سدت الآفاق أمامه وفتن في دينه وظلم..!﴿ والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة اكبر لو كانوا يعلمون. الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون﴾ (سورة النحل الآية 41 و42).

فالهجرة في سبيل الله هي إذن مواصلة للدعوة إلى الله والبحث عن النصرة لدين الله والتمكين لشريعته الفطرية العادلة في أرض الله الواسعة :﴿ ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم﴾(سورة النحل الآية 110)، لأن المؤمن الحق يعتقد أن الأرض لله يورثها عباده الصالحين، ﴿ قال موسى لقومه إستعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين﴾ (سورة الأعراف الآية 128 ). بل إن انتصار الحق على الباطل وتمكين الله للمؤمنين في الأرض هو قانون أزلي من قوانين الله في الكون والحياة منذ خلقهما الله:﴿ ولقد كتبنا في ألزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون﴾(سورة الأنبياء الآية 105 ).

إن إيمان المؤمنين و قناعتهم التامة بأزلية القوانين الإلاهية التي يحكم بها الله عز و جل هذا العالم و سائر عوالم مخلوقاته المتعددة.. و عدالتها المطلقة تجعلهم في منأى عن ردة الفعل التي تحكم سلوك الناس العاديين..إن تعرضهم للظلم و التنكيل و حتى القتل .. على أيدي الجهلة و المناوئين للحق لا يدفع بهم مطلقا لرد فعل عنيف من شأنه أن يستغله أهل الباطل لمزيد الظلم و التنكيل بهم و تشويه دعوتهم بل يدفع بهم أكثر للإستمساك بالأيمان والصبر و الدعوة إلى سبيل ربهم بالحكمة و الموعظة الحسنة كما يأمرهم مولاهم الحق .. لأنهم يؤمنون يقينا أن﴿ النصر من عند الله﴾ و أنهم لن يحققوا نصرا إلا باستجابتهم الطوعية لأوامر الله و استمساكهم بالوحي و بنهج الأنبياء عليهم السلام ﴿ و يسلموا تسليما﴾.. دون السقوط في مهاوي كيد الأعداء المتسلحين دوما بمظاهر القوة و العنف و الجبروت..! لم يدفع جبروت فرعون بموسى عليه السلام و من معه إلى رد العنف بالعنف فانتصر موسى و من معه من بني إسرائيل على فرعون و قومه..‘ كما لم يدفع جبروت قريش بمحمد صلى الله عليه و سلم و الذين معه برد فعل عنيف فانتصر محمد رسول الله و من معه على كيد قريش..! و هكذا هي قوانين الله الأزلية في الكون و الحياة البشرية:﴿أن العاقبة للمتقين﴾ أقوياء الإيمان بكلمات الله و قوانينه الأزلية و ليس للأقوياء عتادا و عدة و عددا..!؟.
الحضارة الغربية وتفريخ الإرهاب!
لعل أبرز ما يميز الحضارة الإسلامية على غيرها من الحضارات هي إيلاؤها الإنسان أهمية قصوى لا حدود لها، فلا شيء يعلو على حياة الإنسان / أي إنسان وضمان رفاهيته واستقراره النّـفسي والمادي:«فليعبدوا ربَّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف»(سورة قريش الآية 3و4).. يستوي في ذلك كل الناس على اختلاف مواقعهم الإجتماعية والثقافية والسياسية، لأن حياة كل البشر هي هبة من الله وبالتالي فهم عبيد متساوون في العبودية لله حتى وإن أنكر بعضهم ذلك.

ومن هذا المنطلق فلا يجوز أن يستعلي أحد على أحد أو أن يظن أن حياته هي أهم من حياة الآخرين بسبب مركزه الإجتماعي أو السياسي أو الثقافي، ومن هنا يعتبر إزهاق روح بشرية واحدة ظلما وتعسفا هو بمثابة إزهاق أرواح البشر جميعا، وإحياء نفس بشرية (إنقاذها من الهلاك مثلا)هو إحياء للناس جميعا في الثقافة الإسلامية.

إن قداسة حياة الإنسان في الحضارة الإسلامية تجعل من إمكانية الإعتداء على فرد بسبب موقعه الإجتماعي أو إنتمائه العرقي أو بسبب توجهاته الفكرية أو السياسية أو الدينية عملا مرفوضا جملة وتفصيلا في الثقافة الإسلامية، يستوي في ذلك المؤمن وغير المؤمن ما لم يبادر بالإعتداء وارتكاب جرم يوجب القصاص... إن مثل هذا المفهوم يغيب في الحضارة الغربية التي تزعم التفوق و الإستعلاء على من عاداها من الحضارات!؟. فأوروبا منذ بدايات القرن التاسع عشر الميلادي بادرت باضطهاد الشعوب واستعمارها ونهب خيراتها.. بمجرد امتلاكها للقوة التي تقهر بها تلك الشعوب، وأمريكا اليوم تبادر باضطهاد شعوب بأكملها لمجرد الحفاظ على مصالح تراها حيوية، وتدعم الصهيونية المقيتة لاغتصاب أراضي الغير وقتلهم وتشريدهم... فلا عجب أن نرى بسبب ذلك انتشار ظاهرة الجماعات الإرهابية، والتي هي حالة مرضية كردة فعل غير إسلامية على حضارة مريضة لا تقيم أي وزن للإنسان / الآخر، وآن الأوان لاستبدالها بحضارة إسلامية جديدة بديلة ومتطورة تقوم على ثوابت الرحمان بدلا عن ترهات الإنسان الغربي وجهالته و حيوانيته و توحشه و حياة الأنعام التي يحياها و يجبر العالم على الحياة طبقها رغم تهافتها و انكشاف عوارها وتعدد أزماتها.. !

 

 

 

 

 

 

 

 

الإسلام يكره الإرهاب ويجرم الإرهابيين
صار ما يعرف بـ« الإرهاب الإسلامي » ظاهرة تتفاقم كل يوم وتسجل حضورها في مناطق مختلفة من العالم. ولقد سجل الإرهاب العالمي حضوره بكثافة في وعي الرأي العام العالمي كثافة الآلام التي يسببها لأناس أبرياء لا صلة لهم – في الغالب الأعم – بالسياسة والحروب التي يفجرها مصاصو دماء الشعوب من قوى الإستكبار في الأرض... فهل في نصوص القرآن(مصدر سلوك المسلم الحق) ما يبرر مثل تلك الأعمال القتالية خاصة وأن الإرهابيين يزعمون أنهم يخوضون ضد الكفار- بمن فيهم الحكومات العربية و الإسلامية - حربا جهادية ركيزتها آية من آيات القرآن الكريم: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوفى إليكم وأنتم لا تظلمون»(سورة الأنفال المدنية الآية 60).؟!

لقد جاء الإسلام رحمة للعالمين.. من عرب وعجم وأهل كتب إلاهية سابقة«وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»(سورة الأنبياء الآية107).. ووعد أتباعه المؤمنين بالقرآن، المتبعين لوحي الله بالعزة والقوة والتمكين لهم في الأرض.. « ولقد كتبنا في ألزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون » (سورة الأنبياء الآية 105). ورسم لهم في كتابه المجيد كل الثوابت والسنن الحضارية الأزلية التي تورثهم الأرض وتجعلهم قادرين على قيادة العالم بالعدل والحق والقسطاس المستقيم والشهادة على الناس... ولقد كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم خير قدوة عملية لإنزال آيات القرآن العظيم / الثوابت الإلاهية في الكون والإنسان والحياة للواقع المعيش في دنيا البشر. ولقد انقسمت حياته عليه الصلاة والسلام إلى فترتين هامتين سمي القرآن باسمهما:

1 – الفترة المكيّة – القرآن المكّي: دامت 13 سنة، وقد خلت كل السور المكيّة الموحى بها خلال هذه الفترة (86 سورة)من أي إشارة إلى القتال في سبيل الله كما خلت حياته صلى الله عليه وسلم من أي عنف أو استعمال للقوة في ردّ الإضطهاد والتـّنكيل الذي كان يتعرض له المؤمنون برسالته... وقد أمر الله فيها المؤمنين بتطهير نفوسهم وتزكيتها من الشرك بالله وإفراغها من قيم وتقاليد مجتمعهم الجاهلي، وملئها بقيم الإسلام الحنيف وتوحيد الله وإفراده بالطاعة، والخضوع التام لأوامره ونواهيه.. ولعل أبرز ما نهت عنه الآيات والسور المكية "الفحشاء والمنكر" كالزّنا وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وامتدحت: « الذين لا يدعون مع الله إلاها أخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا ».(سورة الفرقان الآيات 68-69).

2 – الفترة المدنيّة- القرآن المدني: وهي الفترة التي تواجد فيها الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة التي هاجر إليها و التي كون فيها الرسول صلى الله عليه وسلم دولته الإسلامية، وقد أذن له وللمؤمنين بالقتال لحماية المؤمنين الذين صاروا يحيون طبقا للشريعة الإسلامية وتنتظم حياتهم بآيات القرآن المدني ..يقول الله عز وجل: « أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله » (سورة الحج المدنية الآيتين 39 و40).

إن استحضار حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في كيفية تطبيق وحي الله عز وجل تكشف لنا بوضوح حقيقة هؤلاء الإرهابيين- المجرمين بمعيار القرآن : والمتمثلة في أنهم لم يستجيبوا لأوامر الله في الانتهاء عن قتل النفس البريئة التي حرم الله قتلها إلا بالقصاص ولم يدر في خلدهم الإستجابة لأوامر الله أو الخضوع لشرعه وإنّما هم يقومون بأعمال إجرامية أملتها عليهم مصالحهم.. و يتبعون أهواءهم بغير علم ولا هدى من الله.:«ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله».

 

 

 

 


توزيع الثروة في البلاد الإسلامية

درجت الحكومات في العالم الإسلامي على الإلقاء باللائمة على شحّ الموارد الطبيعية وقلة الثروات الإقتصادية في تفسير مظاهر الفقر بين الناس وعدم قدرتها على تلبية حاجيات مواطنيها والإيفاء بمتطلبات حياتهم الإجتماعية والصحية والثقافية وغيرها، وهذا لعمري تمويه وتضليل لعموم الناس حتى لا يطالبوا بحقهم في ثروات بلادهم، لأن المشكلة الحقيقية التي توصل المواطنين في بلد ما إلى الفقر والحرمان بمختلف تشكلاته ليس فقر البلاد وقلة مواردها كما يزعم المضللون والمستكبرون بل التوزيع الظالم- الذي لا تراعى فيه حدود الله - للثروة مهما قلت، وعلى هذا الأساس فالمشكلة التي يجب أن يبحث لها عن حل هي فقر العباد وليس فقر البلاد، وعدم حصولهم على كفايتهم من الحاجيات والرغائب أي عدم قدرة الأفراد على تلبية حاجياتهم العضوية والغرائزية والفكرية...، وبعبارة أخرى المشكلة تكمن في توزيع الثروة وليس في إنتاج الثروة، فإنتاج الثروة أمر لا يختلف حوله الناس كاستعمال أحدث التقنيات العلمية والتقنية والتكنولوجية في الإنتاج..
أما مشكلة فقر الأفراد فأمر لا مناص منه فتحتاج إلى حل والحل يختلف باختلاف وجهة النظر- العقيدة - والمفاهيم التي يؤمن بها الإنسان في الحياة كما يختلف باختلاف الشعوب والأمم على عكس مشكلة إنتاج الثروة.
وعلى خلفية المفهوم الإسلامي « الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله » يصبح مفهوم تآخي الناس والمساواة بينهم في المجتمع وأمام القضاء و القانون لا معنى له إذا لم تعززه عدالة إقتصادية واجتماعية تضمن لكل فرد حقه إزاء ما يقدمه لمجتمعه أو للناتج الإجتماعي، وتكفل ألا يستغل أحد أحدا أو يبخسه حقه. فالعامل مثلا له أجره العادل لقاء مساهمته في الإنتاج والمعاملة الحسنة من قبل صاحب العمل، والحد الأدنى الذي يجب أن يحصل عليه العامل لقاء ما يقدمه من خدمات للمجتمع هو ما يؤمن للعامل كفايته من طعام جيد وملبس حسن له ولأسرته – حسب معطيات مجتمعه الحضارية - دون أن يكلف ما لا يطيق. أما الحد الأمثل فهو كما قرره النبي صلى الله عليه وسلم، الأجر الذي يمكن العامل من أن يأكل ويلبس، كما يأكل صاحب العمل ويلبس، فقال عليه الصلاة والسلام:« إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم من كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس » (رواه مسلم والبخاري). وعليه فإن الأجر العادل لا يمكن أن يكون أقل من الحد الأدنى، وما ذلك إلا لينخفض التفاوت في الدخول ولتضييق الهوة التي تفصل العامل عن صاحب العمل في شروط معيشتهما، وهذا التفاوت لو حصل في المجتمع المسلم من شأنه أن يوهن روابط الأخوة التي تعتبر سمة أساسية من سمات المجتمع المسلم الحق.

إن التفاوت الفاحش في الدخول والثروات وهو ما نراه اليوم منتشرا في كل « الدّول الإسلامية » ينافي جوهر الإسلام لأن فيه قضاء محتما على مشاعر الأخوة التي يريد الإسلام بثها بين المسلمين" إنما المؤمنون إخوة"، وليس هناك أي مبرر يدعو إلى حصر الثروة « التي هي ملك لله مالك الملك و خالق السماوات والأرض » عند قلة من الناس طالما أن الخالق سبحانه وتعالى لم يجعلها وقفا على فئة معينة.
إن عدالة التوزيع لثروة البلاد الإسلامية بين المسلمين في حدها الأدنى على الأقل من شأنها أن توفر لكل فرد مستوى من المعيشة تهيؤه لأن يحيا حياة تليق بكرامة الإنسان المسلم‘ ويتوجب على الدولة الإسلامية دولة التوحيد بعد ذلك أن تعمل على تأمين العمل لمن يبحث عنه وإثابة العاملين بالأجر العادل وجمع الزكاة من مكونات المجتمع الإسلامي ليعاد توزيع الدخل على الفقراء الذين لا يستطيعون ضربا في الأرض أو يعانون من معوقات عقلية أو جسمية أو يرزحون تحت وطأة ظروف خارجة عن إرادتهم كالبطالة و اليتم أو وفاة العائل مثلا وتطبيق شريعة الله في الإرث و الملكية ليؤول إلى أكبر عدد من الناس.

 


قائمة المصادر والمراجع:
1- المصادر:
أ‌- العربية:
• عمارة (محمد): الأعمال الكاملة لعبد الرحمان الكواكبي: مع دراسة عن حياته وآثاره، (مصر، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ط1 – 1970)
• الأعمال الكاملة لعبد الرحمان الكواكبي: (لبنان المؤسسة العربية للدراسات والنشر: ط 1 1975)
• الكواكبي (عبد الرحمان): تقديم أسعد السحمراني): طبائع الإستبداد ومصارع الإستبعاد (بيروت، دار النفائس ط 1 1984).
• :أم القرى(بيروت- دار الرائد العربي-ط2-1982).
ب‌- الفرنسية:
• Alfieri (Victor) : De la Tyrannie- (Paris, aux bureaux de la Publication ; 1865)

2- المراجع: (لقد اقتصرنا على ذكر أهم المراجع التي استفدنا منها في بحثنا)
• الدهان (سامي): عبد الرحمان الكواكبي : (مصر، دار المعارف بدون سنة نشر)
• حمزة (محمد شاهين): عبد الرحمان الكواكبي، العبقرية الثائرة: (القاهرة، منشورات المكتبة العالمية ط 1، 1958)
• خلف الله (محمد أحمد): الكواكبي حياته وآراؤه: (القاهرة مكتبة العرب بدون سنة نشر)
• كتورة (جورج): طبائع الكواكبي في طبائع الاستبداد: (بيروت، المؤسسة الجامعية للنشر، ط1، 1987)
• أمين (أحمد): زعماء الإصلاح في العصر الحديث: (بيروت، دار الكتاب العربي، 1979)
• شرابي (هشام): المثقفون العرب والغرب: (بيروت، دار النهار 1973)
• خوري (رئيف): الفكر العربي الحديث وأثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والإجتماعي: (بيروت، منشورات دار المكشوف، ط 1، 1943)
• حوراني (ألبرت): الفكر العربي في عصر النهضة 1798-1939: (ترجمة كريم عزقول، بيروت، دار النهار)
• سابايارد (نازك): الرحالون العرب وحضارة الغرب في النهضة العربية الحديثة: (مؤسسة نوفل ط1، 1979)
• زيادة (خالد): اكتشاف التقدم الأوروبي: (بيروت، دار الطليعة، ط1، 1981)
• هرمان (جورج): تكوين العقل الحديث: ( الجزء الأول): (بيروت، دار الثقافة، ط 2، 1965).
• عمارة (محمد): العرب والتحدّي: ( دمشق، دار قتيبة، ط2، 1987)
• بروكلمان (كارل): تاريخ الشعوب الإسلامية: (ج 3، بيروت، دار العلم للملايين، ط1، 1960))
• لانجر (وليم): موسوعة تاريخ العالم ج5: (أشرف على الترجمة عبد المنعم أبو بكر، ط 1966)
• دائرة المعارف الإسلامية: المجلد الثاني (نشر الشعب)
• المراكشي (محمد صالح): تفكير محمد رشيد رضا من خلال مجلة المنار: (تونس، الدار التونسية للنشر)
• الدوري (عبد العزيز): التكوين التاريخي للأمة العربية: (بيروت، ط1، 1984)
• ألحصري (أبو خلدون ساطع): محاضرات في نشوء الفكرة القومية: (ط. خاصة 1985)
• الأفغاني )جمال الدين) وعبده (محمد): العروة الوثقى: (بيروت، دار الكتاب العربي، ط3، 1983)
• محمد (محمد عوض): الإستعمار والمذاهب الاستعمارية: (دار الكتاب العربي، ط2، 1956)
• فولغين (ف): فلسفة الأنوار: (بيروت، دار الطليعة، ط1، 1981)
• الفنجري (أحمد شوقي): الحرية السياسية أولا: (الكويت، دار القلم، ط1، 1973)
• العروي (عبد الله): مفهوم الحرية: (المركز الثقافي العربي، ط 4، 1988)
مفهوم الإيديولوجيا: (المركز الثقافي العربي، ط 4، 1988)
مفهوم الدولة: (المركز الثقافي العربي، ط 4، 1988).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !