( قضيّة نقاش في حلقتين : الواقع والمشكلة - الحلول والوسائل )
عمر غوراني
(1)
الواقع و المشكلة
و إذا قلنا : العربية الفصيحة في المدارس ، فذلك يعني : في المجتمع و الحياة ، و إنْ لاحقاً ..
1 - جهودٌ ضخمة :
كم بُذِل من قرطاس و قلم ، في تحبير صحائف َ و كتب ، في النحو و الصرف و الأصوات و اللغة عموما ً.. ؟ ناهيك عن البلاغة و النقد و ما إليهما من فروع ذات صلة .. و كم صرف من طاقة ذهنية و صوتية ، بل و حركية عضلية و جسمية ، من أجل اللغة العربية .. ؟ و كم أنفق من مال و ساعات طوال في هذا الخصوص ؟ كم من معلم للـّغة العربية في المدارس و الجامعات و الدراسات العليا ، في طول الوطن العربي و عرضه ؟
هذه الجهود و الطاقات ، و ذلك المال و تلك الساعات ، و هي مما يُسأل عنه المرء يوم القيامة ؛ لا تزل ّ قدما عبد يومئذ حتى يُسأل عنها ..
أيعقل أن تـُصرف و تـُنفق عبثا ..؟
تلك إذن مصيبة ، بل فاجعة و كارثة ، و طامة كبرى .. و ما شئت بعدُ من مفردات مرادفات .. !
2 - مَعْلم حضارة و بنيان أمة :
وهي إلى ذلك ، الغيرة على العربية . كيف لا ، و اللّغة مَعلم أصيل من معالم أيّ أمة ، و ركن ركين في بنيانها ، في وقت يُمكر فيه للأمّة مكرا ً ، لتزول منه الجبال ، و يـُؤتى فيه بنيانها من القواعد .. !
و إذا كانت اللغة كذلك ؛ ليست محض إشارات و رموز ، بل معلم حضارة و بنيان أمة ، فإن الأمر جد خطير حين يمسي تعليم اللغة عبثا أو شبه عبث – بقصد أو بغير قصد – أو تكون العربية الفصيحة ، في أحسن أحوالها ، تحفة جميلة على منضدة ، أو مجالا لاستعراض القـُوى ؛ حين يدور على ألسنة معلميها في منتدياتهم ، الوجه الخامس أو السادس لإعراب الكلمة .. !
3 - عبثٌ و ضحك .. !
بماذا يمكن أن يوصف تعليم قواعد العربية الفصيحة في المدارس و الجامعات ، و ينفق في ذلك ما ينفق ، ثم لا يلتزم الطالب و المعلم أو يُلزمان بها ، تطبيقا و نطقا ؟ وماذا يمكن أن يسمى هذا الأمر – و اللغة من أبرز مهماتها الإختيار الدقيق للمفردات - غير ( العبث ) ؟!
و إذا كان من موانع استخدام اللغة فصيحة في الحياة ، و هذا ما يدور على كثير من الألسنة من العامة و الخاصة ، أن ذلك الإستخدام مَثارٌ للضحك ، فإن هذا الضحك – بداية – ما هو إلاّ دليل قاطع على الهزيمة النفسية للأمة ، التي تسخر من مقوم أصيل من مقومات وجودها . هذه الهزيمة التي هي أثر حتمي لهزائم الأمة على الصعد كافة ، بل هي أثر " لسقوط الأمة " كما نص على ذلك الإمام ابن حزم الأندلسي ! ( د. يحيى جبر ، ندوة : الواقع اللغوي في فلسطين ... 22 / 2 / 2010 م)
و هنا بالضبط – الضحك من اللغة فصيحة ً– مثال ، هو غاية في الدقة، على المضحكات المبكيات .. !
و لا ضير من الضحك على كل حال ، على أن ينظر أولو الأمر ؛ القائمون على شأن اللغة بجدّ بعد ذلك لهذا المانع . و لا أظنه مانعا ً يصمد طويلاً أو يكلف زواله كثيرا ً..
4 - طموح واثق ..
إنَّ الطموح لدى كل ّغيور على العربية – فيما أحسب - أن ينطق اللغة فصيحة ً ، لا معلم العربية وطلابه في المدرسة أو الجامعة وحدهم ، بل معلمو المدرسة و الجامعة و طلابهم كلّـهم جميعاً .. و بالمناسبة ، فإنني أثمن عاليا ً إقرار العربية مساقا ًإلزاميا ً لكلّ فروع التخصصات في الجامعات .
و لن يمر طويل وقت - فيما أرى - جيل أو جيلان في بضع سنين ، حتى تكون العربية الفصيحة لغة الوسط التعليمي و الثقافي . و لن يمر إلّا بضع سنين أخرى مثلها حتى تكون العربية الفصيحة لغة الشارع و الحياة العامة . إنني أستبشر بذلك ، و لا أراه إلا ّ ممكنا ً يسيرا ً ، إذا توافرت الغيرة و توافرت النوايا الصادقة ، و تضافرت الجهود التي لن تزيد كثيرا عمّا هو مبذول ٌ واقعا ً، و رُصدت الإمكانات التي لا أحسبها كذلك تزيد كثيرا عمّا هو مرصود .
5 - ملخص نقاط محور النقاش :
1- هل ترى ضرورة لأن يتكلم المعلم و الطالب العربية فصيحة في حصة اللغة العربية أو محاضرتها ؟
2- هل ترى ضرورة أو حاجة لاستعمال اللغة العربية فصيحة في الحياة ؟
3- هل ترى أنّ اللغة عموما ً ، محض إشارات و رموز ؟ أم هي مـَعلم حضارة و بنيان أمـّة كذلك ؟
4- هل ترى وجها ً أو وجاهة للتندّر أو السخرية باستعمال اللغة فصيحة ؟
5- هل لديك أمل أو طموح في أن تستخدم العربية فصيحة في المجتمع و الحياة العامة ؟
6- و نقاط أخرى تراها مناسبة للنقاش في هذا المحور ..
المحور القادم : الحلول و الوسائل للمشكلة المطروحة : ( العربية فصيحة في المدارس ) ..
التعليقات (0)