مواضيع اليوم

اللعب على وتر "الجهل"

محمد بلغازي

2011-12-15 12:50:13

0

 يمر الوطن في الفترة الراهنة بتجربة وضع بذرة الديمقراطية، وفي ظني أن مجلس الشعب المقبل هو مجلس تجريبي لم نعهده منذ 60 عاما، لأننا حرمنا من حرية الاختيار طوال تلك العقود، وهذا المجلس تجريبي لأنه يتشكل بهيئة جديدة، اختفت منها الوجوه القديمة التي تعود الناس رؤيتها على مقاعد المجلس؛ يحتكرون التحكم في مصائر البلد، طبقا لمصالحهم ولما يريده منهم زعيم العصابة الذي يحمل لقب "رئيس الجمهورية"، وكان المجلس ينعقد بشكل صوري، فقد كانت الموافقات جاهزة، بدليل أن الدكتور أحمد فتحي سرور كان يسأل الحاضرين "موافقون؟" ويُتبِعها بكلمة "موافقة" في أداء آلي، لا يفصل بين الكلمة الأولى والكلمة الثانية فاصل من الوقت لإحصاء الأصوات التي تدل على الموافقة والأخرى التي تدل على عدم الموافقة ونسبة كل منهما. ولا أظن أن المجلس الجديد سيسير على نفس النهج، لأنه لو حدث ذلك فإن الشارع المصري قادر على إسقاط مجلس الشعب كما أسقط رئيس الجمهورية ورئيس المجلس السابق "صاحب أطول مدة على هذا الكرسي".

ظهرت المهازل في الانتخابات البرلمانية الحالية مبكرا، وبدا واضحا أن التيارات الدينية لعبت –بشكل واضح- على وتر "جهل" الكثير من المصريين، بالاستناد إلى التدين الفطري لدى المصريين، واستطاعت التسرب إلى نفوس الناس، عندما أوحت إليهم أن التصويت لمن ينتمون إلى هذه التيارات يقود إلى الجنة، وفي المقابل فإن المعنى الضمني لعدم التصويت لهؤلاء المرشحين يعني أن الناخب قد يختار الطريق المؤدي إلى النار، أو على الأقل فإنه يكون قد ارتكب معصية أو كبيرة من الكبائر، وفي هذا تزييف وخداع وكذب على الناس بما لا يليق بمن يتحدثون باسم الدين الذي –هو في الأساس- يدعو إلى الصدق والحق والعدل، ولا يصح على الإطلاق أن يكون هناك توحيد بين الدين والأشخاص، لأن الدين ثابت والأشخاص متغيرون، والإيمان يزيد وينقص لدى البشر، ورب البشر جعل الأفضلية لأصحاب الأخلاق القائمة على العدل، ولذلك فإنه ينصر الدولة الكافرة عندما تأخذ بمبدأ العدل ويخذل الدولة المسلمة عندما تتخلى عن هذا المبدأ. ومن هنا نحتاج في فترة ما بعد الثورة, أن نرسي فيما بيننا مبدأ العدل الذي يقتضي عدم إقصاء تيار للتيارات الأخرى، وأن نتعاون جميعا في إعادة الحقوق لجميع المصريين، وأن تكون المنافسة في القدرة على خدمة جميع أبناء الشعب، وعدم التفرقة بين الناس على أساس الدين أو التيار السياسي.

لقد استفادت التيارات الدينية من أسوأ شيء فعله الرئيس غير المأسوف عليه "مبارك" عندما كرس الجهل والأمية بين أبناء الشعب، ووصلت نسبة الأمية في نهاية عهده إلى 28% حسب الإحصاءات الرسمية، و45% حسب الإحصاءات غير الرسمية، لتكون مصر في المرتبة السابعة بين أسوأ عشر دول على مستوى العالم من حيث نسبة الأمية، بحسب الذى التقرير التربوى العالمى لعام 2010، والتقرير تصدره سنويا منظمة اليونسكو. لعبت التيارات الدينية على جهل كثير من البسطاء وعدم معرفتهم باتجاهات المرشحين ومدى قدرتهم على تحقيق آمالهم في غد أفضل؛ يتمتعون فيه بالأمن والاستقرار والخروج من دائرة الفقر الخانقة. وفرت التيارات الدينية سيارات الميكروباص للبسطاء بهدف نقلهم إلى المقار الانتخابية، وفي الطريق يلقنونهم الأسماء التي سيختارونها، أو بالأحرى الرموز التي سيضعون علامات في مقابلها، لأن كثيرا من البسطاء لا يقرأون أو يكتبون، فيتعرفون على صورة الرمز الانتخابي دون أن يروا من انتخبوه أو يستمعوا إلى برنامجه. وإذا كانت التيارات الدينية قد وفرت التوصيل مجانا إلى المقار الانتخابية، فإنها أحدثت أزمة في المواصلات، جعلت الكثيرين يصلون بصعوبة إلى منازلهم، ليحدث ضرر عام، دفع ثمنه المواطن البسيط الذي تعطلت مصالحه ووصل إلى منزله مرهقا بعد يوم شاق في العمل والانتخابات.

واجب المخلصين في هذا الوطن، أن يسعوا جاهدين إلى حل مشكلة الأمية، ببذل الجهود الحقيقية للتخلص من هذا العار الذي يسيء إلى مصر ويعوق تقدمها. ويوجد لدينا الكثير من العلماء القادرين على وضع الخطط الملائمة لعلاج هذه المشكلة، وعلى الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني أن تتواصل معهم، وتحاول الدفع بهذه الخطط نحو التطبيق، حتى نصل إلى اليوم الذي يتحقق فيه للمواطن الاختيار القائم على الاقتناع المبني على الشواهد الدالة على قدرة المرشح على خدمة الوطن، وفي هذه الحالة نكون قد وصلنا إلى تحقيق الدولة الديمقراطية التي نصبو إليها.   




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !