يتواصل مسلسل التقتيل اليومي في سوريا أمام أنظار العالم، ويتواصل معه الخذلان الدولي للشعب السوري الذي تفترسه آلة النظام البعثي الدموي. إذ لا يبدو في الأفق ما يؤشر لنهاية الأزمة بالرغم من كل المساعي الأممية التي تحاول إيقاف حمام الدم. غير أن هذه المساعي أخطأت طريقها منذ البداية عندما اختار صناع القرار السياسي في الأمم المتحدة أن يتعاملوا مع الوضع السوري بشكل مختلف عن الحالة الليبية. والحال أن عقيدة القتل التي تميز نظام الأسد استوجبت منذ البداية تدخلا عسكريا سريعا وصارما، وذلك عملا بالمثل القائل: " لا يفل الحديد إلا الحديد".
وبعيدا عن ضجيج أولئك المدافعين عن النظام الهمجي في سوريا، والذين لا يملون من ترديد ببغائي لخطابات تتحدث عن تعرض " سوريا الممانعة" لمؤامرة تستهدف القضاء على خيار المقاومة، بعيدا عن هذا إذن يظهر أن المؤامرة الحقيقية في هذا الشأن هي تلك التي يتعرض لها الشعب السوري المغلوب على أمره، والذي اختار أن يستقبل نسائم الربيع الديموقراطي التي هبت على المنطقة ليكرر نجاح التجربتين التونسية والمصرية، لكنها تحولت إلى رياح عاتية راح ضحيتها آلاف الأبرياء الذين سقطوا في معركة الحرية والكرامة. وهكذا تحولت مختلف المدن والقرى السورية إلى ميادين للرعب والقتل و الدمار وكل أشكال الممارسات الهمجية التي تقترفها عصابات الأسد وشبيحته. والواقع أن النظام السوري قد نجح إلى حد بعيد في توجيه مسارات الأزمة، بل إنه بدأ يكسب بعض التعاطف من بعض الجهات مسنودا بالدور الذي تؤديه روسيا والصين في تسويق صورة مغايرة لما يجري هناك... ومازال الخطاب الرسمي في الأمم المتحدة حتى الآن لا يجرم النظام البعثي بشكل صريح، بل مازال يتبنى لغة المناشدة التي تمنح المشروعية لممارسات الجيش السوري، مادامت تضعه في نفس مستوى المسؤولية التي يتحملها الطرف الآخر ( الجيش السوري الحر). وهذا ما يظهر بجلاء في التعبير الذي يستخدمه المسؤولون في المنتظم الأممي عندما يدعون " الأطراف المتنازعة " إلى وقف العنف.
إن بشار الأسد هو الذي حول الإنتفاضة السورية عن مسارها السلمي عندما مال إلى خيار العسكرة بدل الإصلاح السياسي والإستجابة للمطالب الشعبية العادلة. لذلك لا يمكن اليوم التعامل مع الوضع السوري بمنطق السعي إلى وضع حد لحرب بين معسكرين، لأن اللجوء إلى حمل السلاح وظهور جماعات مسلحة تقاتل ضد النظام السوري كان أمرا محتوما في ظل سياسة القمع التي انتهجها الأسد منذ بداية "الربيع السوري". وهنا كان للصمت العالمي إزاء جرائم البعثيين في حق أبناء شعبهم دور مهم في استفحال الأزمة ووصولها إلى نقطة اللاعودة. إذ كان حريا بالمجتمع الدولي منذ البداية أن يتعامل بحزم مع السلوك الدموي للجيش السوري تماما مثلما فعل في ليبيا. وعلى الأمم المتحدة أن تمتلك الشجاعة الكافية لتبني هذا الخيار، وذلك من خلال العمل على شل القدرات التدميرية للجيش النظامي وحماية المدنيين. أما استمرار الوضع على ما هو عليه فلن يؤدي إلا إلى مزيد من الكوارث التي قد تتحول إلى جحيم يحرق المنطقة بأسرها. وينبغي على الولايات المتحدة الأمريكية بالتحديد أن تتخلى عن أنانيتها وحساباتها السياسية في المنطقة، وتدفع في اتجاه فرض هذا الخيار الذي من شأنه أن يعزل نظام الأسد ويعجل بنهايته. فقد طالت هذه اللعبة التي أصبح فيها الشعب السوري بيدقا تتلاعب به مصالح الدول الفاعلة في الأزمة، وكلما تواصلت فصول اللعبة يتواصل نزيف الإنسانية على مسرح أرض الشام.
لقد آن الأوان إذن لاستيقاظ حقيقي للضمير العالمي عبر اعتماد مبادرات شجاعة لإنقاذ الشعب السوري من المذبحة التي يقترفها في حقه حكامه. ومثلما فشلت مبادرة كوفي عنان سيكون الفشل أيضا حليف المبعوث الجديد الأخضر الإبراهيمي لأن الوضع السوري ببساطة شديدة قد تجاوز مستوى الحلول الديبلوماسية. محمد مغوتي. 04 – 09 – 2012.
التعليقات (0)