اللحظة المظلومة
د. أسامة عثمان.
لماذا يهرب المرء أحيانا من اللحظة الراهنة ؟! مستدعيا ماضيا لا يعود ، أو رانيا مستقبلا غير كائن ، وقد لا يكون ، أليست الحياة الآن ؟! فلم نفر من الحياة ؟!.
لهذه الحالة الغريبة أسباب تختلف باختلاف ظروفها ، وأحوال الواقع فيها. ولو أجملنا لقلنا إن السبب هو إما سوء اللحظة بالفعل ، أو تطلع النفوس الدائم إلى الأفضل ، فقد يكون قي طبع البشر أن يستخفوا المملوك ، ويتطلعوا إلى غيره ، و إلا يكن كذلك ، فلم لا يحب الناس ( الأخبار ) كما يحبون الشعر ؟ ولم َ يحبون في الشعر الخيال ، ولا يستخفهم شعر صادق ؟ وقد قالوا: " أعذب الشعر أكذبه ".
في الإنسان نزعة إلى الكمال ، ولا يجده في الواقع ، فيترقبه في المستقبل ، أو يترقب قريبه.
هذا شأن المستقبل ، فما سر استدعاء الماضي ؟ لست من القائلين بحنين الإنسان إلى الماضي المطلق ، وآية ذلك أن في الماضي ذكريات مؤلمة يحرص الإنسان على طمسها ، إذن هو يستعيد من الماضي ما يفتقده في الحاضر . فالاتجاه إلى الوراء محاولة لتغشية الواقع بغشائه ، وهو أمر للشعور أو للوهم ، أما الاتجاه إلى الأمام فمحاولة للارتقاء بالواقع إلى المثال الذي يطمح الإنسان إليه .
وبين الانشداد إلى الماضي والتطلع إلى المستقبل تضيع اللحظة الراهنة ، فأمل الإنسان الدائم بالمستقبل الأفضل قد يزهده في الحاضر ، فيظلمه ، والظلم يجمع بين وضع الشيء في غير موضعه ، وبين التعدي أو الاستلاب ، فليس وضع الشيء في غير موضعه دون التعدي عليه ظلما ، ولو تقبلت اللحظة فعشتها واستشعرتها لما ظلمتها ، وإذا فعّلتها لتلد لك لحظات تتجاوز اللحظة فقد أنصفتها .
التعليقات (0)