بدران أحمد حبيب
الزعماء السنة العرب في العراق هم أسوأ اللاعبين على ساحة البلد. فقد تبين منذ بدء لعبة الديمقراطية في هذا البلد، تحت إشراف أمريكي، أن الزعماء السنة لاعبون سيئون مقارنة بالزعماء الكرد والشيعة. ولا شك أن اللاعب الذي يظهر أداءا سيئا سيلحق الضرر الأكبر بنفسه لا بمن يقف في مواجهته. والسبب الأساس للأداء السيء لهؤلاء الزعماء السنة هو أنهم يرفضون الإقرار بالتغيير الذي حصل في العراق منذ 9 نيسان 2003. فهم لا يريدون الاعتراف بأنه بات هناك شريك ثان وثالث ورابع في هذا البلد وهؤلاء معا يشكلون 80% من مجموع السكان.
هذا نصف الخلل الذي يعانيه هؤلاء الزعماء، أما النصف الآخر فهو عبارة عن الوسائل والأدوات السياسية التي يستخدمونها. فهم إما بعثيون أو قاعدويون. والاثنان لهما أفكار وماض مقيت منبوذ الى جانب كونهما محظورين قانونيا وسياسيا في هذا البلد. إن جهلهم هذا باللعب لأكثر من سبع سنوات مضين، أضر بالثقة وبمصداقية الزعماء السنة العرب العراقيين في العمق الشيعي والكردي الداخليين العراقيين وفي البعد الإقليمي، أكثر مما فعلت 35 سنة من حكم البعث.
صحيح إنه يجب التمييز بين حزب البعث والنظام الذي حكم العراق بين عامي 1968 و2003. فقد تم تقديم رؤوس ذلك النظام الى المحكمة ونالوا جزاءهم على الجرائم التي ارتكبوها بحق شعب العراق. لكن البعث شيء آخر، فهو كفكر يتبنى أوسع برنامج للتغيير السياسي والاجتماعي في الدول العربية، لو استثنينا أحزاب اليسار، لكنه لم يتمكن من تطبيق نهجه الفكري ذاك بسبب وصول المتعصبين القوميين الى صفوف قيادة الحزب. وقد بلغ الأمر في النهاية حدا أصبح فيه مؤسسو البعث ضحايا لأولئك القواد المتعصبين. لكن التاريخ يقيم الأفعال وليس الأفكار والنوايا، والتاريخ هو ما حدث فعلا وليس ما كتب في الكراريس. ومهما كان حزب البعث من الناحية الفكرية، فإنه اليوم يمثل كابوسا في أذهان العراقيين تاريخا. لذا فإن الاعتزاز بالبعث أو برئيس النظام السابق، صدام حسين، لن يجلب غير الضرر على المتفاخرين بهما.
لا شك أن هناك الأسوأ من البعث، ألا وهو تنظيم القاعدة الإرهابي. فمنذ سقوط نظام البعث تقوم القاعدة يوميا بأعمال إرهابية في العراق. وفي المقابل خصصت الحكومة الاتحادية العراقية، وكذلك حكومة إقليم كردستان، إمكانات بشرية ضخمة وميزانيات مجزية لمواجهة تلك المنظمة وهما يريدان القضاء عليها. لكن "يمكن القول" بأن تلك المنظمة شبه حرة وفاعلة تماما في المنطقة المسماة المثلث السني. إذ حولت القاعدة تلك المنطقة الى منطلق لهجماتها على سائر مناطق العراق. ومع أنها تنفذ أعمالا إرهابية في المثلث السني أيضا، إلا أن نوعية تلك العمليات تختلف عن تلك التي تنفذ في المناطق الأخرى: العمليات تستهدف مؤسسات الدولة في المنطقة السنية بينما تستهدف كل شيء في المناطق الشيعية والكردية.
ومن المسلم به أن لا أحد يستطيع نفي العلاقة بين الزعماء السنة من جهة وتنظيم القاعدة من الجهة الأخرى، فكلما كان هناك توتر بين أولئك الزعماء والحكومة الاتحادية في بغداد، تقوم القاعدة باستعراض أعمالها الإرهابية القاسية في كل العراق مع التهديد المستمر بالمزيد. باختصار، إن القاعدة ليست ناشطة في العراق كمجرد منظمة إرهابية بل إنها تحولت الى جزء من العملية السياسية من خلال تكثيف أو تخفيف أعمالها الإرهابية حسب مقتضى سياسة الزعماء السنة.
في مقابل هذا الجهل باللعبة السياسية عند الزعماء السنة العراقيين في هذا العهد الجديد، الذي بالرغم من كل عيوبه، لا يمكن أن لا يسمى بعهد الديمقراطية، نجد الشيعة والكرد يمارسون اللعبة جيدا. فأهداف الشيعة والكرد أكثر وضوحا ووسائلهما في الصراع أكثر عصرية. ولهما مكاسب ويتقدمان باستمرار. ومع أن جهل شريكهما في اللعبة يضر بهما كثيرا لكنهما ينتصران في النهاية.
باختصار، إن عدم فهم الزعماء السنة للعبة الحالية الجارية في العراق، لم يضر فقط بمشاركة السنة في إدارة السلطة بالعراق الذي يشكلون جزءا رئيسا من تركيبته السكانية، بل فتح الباب أكثر في وجه التهديد القادم من شرق البلد "من إيران"، وهو تهديد نراه ونشعر كل يوم بتزايده ليتحول الى حقيقة ملموسة وأمر واقع. لذا أرى شخصيا أن اللجوء الى بعث سقط تماما ولن تقوم له قائمة أو إلى تنظيم إرهابي يعاديه العالم كله وليس له مثل في قسوته، جهل لا يستحق غير الخذلان والهزيمة. هذا بخلاف المسؤولية التاريخية التي تقع على عاتقهم عندما يتحولون الى ذريعة لمزيد من التدخل الإيراني، إيران التي تفعل كل شيء لمنع عودة البعث. والزعماء العرب السنة يقدمون لها هذه الذريعة على طبق من ذهب.
التعليقات (0)