اللاذقية ،، بين زمنين
مدينة التاريخ والبحر والزيتون
** فتحها المسلمون في عهد الفاروق عمر بن الخطاب
** المدينة تضم أكبر اكتشاف أثري في القرن العشرين
---------------------------
اللاذقيةعروس الساحل السوري ، تلك المدينة الجميلة التي سميت لاذقية العرب وعرفت منذ أقدم العصور بجمالها الطبيعي الذي أعطاها وجها سياحيا معروفا لدى الرحالة والسائحين .
قال عنها عماد الدين الأصفهاني في نهاية القرن الثامن عشر : ( رأيتها بلدة واسعة الأفنية جامعة الأبنية ، متناسقة المعاني والمغاني ، قريبة المجاني رحيبة المواني في كل دار بستان وفي كل قطر بنيان ، أمكنتها مخرّمة وأروقتها مرخّمة ، وعقودها محكمة ومعالمها معلمة ودعائمها منظمة ومساكنها مهندسة ومهندمة ، وأماكنها ممكّنة ومحاسنها مبينة ومراتبها معيّنة ، وسقوفها عالية وقطوفها دانية وأسواقها فضية وآفاقها مضية ، ومطالعها مشرقة ومرابعها مونقة ، وأرجاؤها فسيحة وأهواؤها صحيحة ) .
واللاذقية يحيط بها البحر من جهات ثلاث ، ويترك الجهة الرابعة لأشجار الحمضيات والزيتون تتسلّق خصر اللاذقية ، والمحافظات السورية تحيط من مختلف الاتجاهات ، طرطوس ، حماه ، ادلب ، ولا تترك لها متنفسا إلا إلى الشمال الحنون أو الغرب المتوسطي الرائع غابة خضراء من جهاتها الثلاث وزرقاء إلى الغرب لتشكل لوحة فنية رائعة الجمال .
تقع اللاذقية شمال غرب سورية لتشكل جزء هاما من الساحل السوري الذي يتصف بأمطار غزيرة ( 500 – 1300 ) مم سنويا ودرجة حرارة متوسطة بمعدل ( 26 صيفا و 12 شتاء ) ، إضافة إلى تميزها برطوبة عالية في الصيف .
اللاذقية عبر التاريخ
الساحل السوري مأهول منذ أقدم العصور فقد عثر في أماكن مختلفة من اللاذقية على أحجار من الصوان يعود تاريخها إلى العصر الحجري القديم بين 25 ألف سنة و 100 ألف سنة قبل الميلاد ، كما عثر في موع رأس شمره على أقدم آثار لمساكن البشر في هذه المنطقة على شكل قرية كبيرة كانت قائمة في الألف السادسة قبل الميلاد ، وقد كان وصول قبائل من الشعوب السامية الوافدة من شبه الجزيرة العربية إلى الساحل السوري حوالي 2500 سنة قبل الميلاد وكان ميناء رأس شمره ميناء أساطيلهم ومنفذ تجارتهم منذ ذلك التاريخ .
وفي عام 539 ق . م احتلها الفرس وبقوا فيها حتى الفتح اليوناني عام 332 ق . م ، وخضعت اللاذقية للدولة البيزنطية منذ عام 395 م وحتى عام 636 م عندما ألحق العرب هزيمة بالبيزنطيين وكان ذلك في عهد الخليفة العادل عمر بن الخطاب في معركة اليرموك الشهيرة ، وفتح العرب اللاذقية عام 637 م على يد حاكم حمص عبادة بن الصامت الأنصاري بتكليف من أبي عبيدة بن الجراح عند إذا أخذ اسم المدينة قالبه العربي متحولا من ( لاوذيكية ) إلى اللاذقية ، ثم أصبحت تلقب لاذقية العرب لتتميز عن المدن الأخرى التي تحمل الاسم نفسه والتي كانت لا تزال في مناطق يحكمها البيزنطيون .
منذ عام 944 م تبعت اللاذقية دولة الحمدانيين في حلب ثم خضعت لحكم البيزنطيين في 968 م ، وقبل مجيء الصليبيين تقلبت اللاذقية بين أيدي بني منقذ أصحاب شيزر بين عامي 1086 م 1097 م ، وبعدها مرت اللاذقية في دوامة الحرب الصليبية حيث تنازعها خلال فترة مائتي عام المسلمون والبيزنطيون والصليبيون حتى حررها صلاح الدين الأيوبي عام 1188 م ، وثم حررها نهائيا السلطان الناصر قلاوون عام 1291 م .
ظلت اللاذقية خاضعة لحكم المماليك حتى احتل السلطان العثماني سليم الأول سورية عام 1516 م وبذلك أصبحت اللاذقية جزءا من الإمبراطورية العثمانية ، وبعد خروج الأتراك من سورية عقب الحرب العالمية الأولى وقعت سورية تحت الانتداب الفرنسي الذي استمر ربع قرن نالت بعده البلاد استقلالها .
آثار اللاذقية
* أوغاريت :
اكتشفت مدينة أوغاريت في تل رأس شمره على الساحل السوري الذي يبعد أحد عشر كم مترا إلى الشمال من اللاذقية حيث تم اكتشاف أول أبجدية في العالم وأم الأبجديات المعروفة في العالم ، وهذه الأبجدية عبارة عن رقيّم صغير من الفخار لا يتجاوز حجمه أصبع اليد ولكنه يحمل ثلاثين حرفا هي مجموعة الحروف الأغاريتية الأبجدية وتاريخ هذه الأبجدية يعود إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد وتعد أهم ما ابتكره الفكر الشرقي كما أنها نقطة تحوّل في تاريخ الإنسانية إذ سهل الكتابة وتعلمها ونقل المعرفة إلى العالم .
* قلعة صلاح الدين :
تقع على ذروة جبل قرب منطقة الحفة القريبة من اللاذقية في مكان حصين ، وقد شيّد الصليبيون القلعة سنة 1119 م وحررها القائد صلاح الدين سنة 1188 .
* القوس الكبير ( النصر ) :
بناه سبتموس سفيروس عام 194 م ضمن تجميل مدينة اللاذقية كمكافأة لها على وقوفها معه في حربه ضد كاسيوس الذي كان قد دمرها ، والقوس يقع في قلب مدينة اللاذقية وسمي الحي ( الصليبة ) ويمتاز ببنائه المتين والجميل .
المساجد في اللاذقية
اللاذقية غنية جدا بالآثار الإسلامية التي يعود تاريخها إلى القرن الثاني عشر للميلاد ومن هذه المساجد :
* جامع الميناء : يقع الجامع في قلب ميناء اللاذقية ويمتاز بمحرابه المحاط بنقوش هندسية ، وللمسجد أربع قباب محمولة على عمود مركزي وهو المسجد الأثري الوحيد في اللاذقية ويعود تاريخه إلى سنة 1161 هـ 1748 م .
* جامع الكبير : ويعرف بالجامع الظاهري وقد بناه الملك لظاهر غازي الابن الثالث لصلاح الدين .
* جامع النور المغربي : يمتاز بموقعه الرائع في عنق مرتفع حيث يطل على المدينة ويعود بناؤه إلى عام 1835 م 1251 هـ .
هذه هي اللاذقية مدينة التاريخ والبحر والزيتون .
المراجع :
1 – المختصر في تاريخ اللاذقية – جبرائيل سعادة 1984 – اللاذقية .
2 – اللاذقية حضارة المتوسط الأولى – سجيع قرقماز 1988 .
3 – مجلة التراث العربي – العدد 41 تاريخ 1990 .
التعليقات (0)