لاجئة في مخيم غزة طلبت من جلالة الملك إعادتها لفلسطين
اللاجئون في الأردن.. رسائل لكل الاتجاهات ضد التوطين ومع الوحدة الوطنية وقرائن جمعتها الدولة عن المزاج الفلسطيني الرافض للتنازل عن حق العودة
التقط صناع القرار الاردني قبل عدة اعوام ما هو جوهري في مسألة اللاجئين الفلسطينيين في المملكة وهم يستمعون لجواب امرأة في الاربعين من عمرها تقيم في مخيم غزة للاجئين قرب مدينة جرش شمالي البلاد على سؤال ملكي يتعلق بحاجتها وما يمكن تقديمه لها كهدية ملكية.
العاهل الاردني الملك عبدلله الثاني وفي لمسة تضامن منه مع اهل المخيمات زار منزل المرأة اللاجئة في المخيم المشار اليه، وأحد شهود العيان روى ما حصل قائلا: تفقدها جلالته وسألها عن حاجتها بعدما رصدنا جميعا بؤس المكان واهله ووجود مرضى في المنزل المتواضع.
وقال الراوي: فوجئنا جميعا بالمرأة تقول ان لديها طلبا واحدا فقط فبدأنا بعملية التوثيق ترقبا لأوامر جلالته.. وعندما سئلت عن طلبها قالت: اعدني الى قريتي ومنزل اهلي في فلسطين.
هذه الرواية وفي اعلى مؤسسات القرار الاردنية لا زالت تصلح للرد على آراء واقلام وحتى بعض الاجتهادات داخل النظام تقترح ان اوساط اللاجئين الفلسطينيين في الاردن لا تريد العودة ويسرها استبدال فلسطين بالاردن.
ونفس الرواية كانت حاضرة في ذهن عضو البرلمان الشهير خليل عطيه وهو يرتب باسم اهالي المخيمات مأدبة عملاقة لرئيس الحكومة الحالي نادر الذهبي.. يومها وامام نحو ثلاثة آلاف مدعو عبر الذهبي للمضيف عن اعجابه بحرارة الترحيب وببعض الشعارات التي زرعت على الحائط وابرزها على الاطلاق ما اصبح شعارا للاردنيين الفلسطينيين الرافضين للوطن البديل، وهو الاردن وطن يعيش فينا لا نعيش فيه وفلسطين لا نرضى عنها بديلا حتى الجنة.
لم يقف الامر عند هذا الحد فمسألة المخيمات كانت واردة دوما في ذهن صانع القرار الاردني وهو يحاول تحليل موقفها من اردنيتها ومن السيناريوهات البديلة ومن النظام، ففي عام 1999 ثار جدل حول الرسائل القاسية التي تصل للوسط الفلسطيني بعد اجراءات حكومة عبد الرؤوف الروابده بخصوص ابعاد قادة حماس من عمان الى قطر.
يومها طرح رئيس الديوان الملكي عبد الكريم الكباريتي سؤالا في غرفة مغلقة حول الطريقة التي ينبغي فيها طمأنة الوسط الفلسطيني فكان الجواب باقتراح زيارة ملكية اجتماعية لأهم مخيمات الفلسطينيين في عمان العاصمة.
بالفعل تقررت الزيارة خلال يومين لمخيم البقعة وكانت الاولى لمخيم في العهد الجديد وغرق المسؤولون الامنيون في الترتيبات واعتراهم بعض القلق، ويوم انجاز الزيارة فوجىء المرافقون للعاهل الاردني بأن الملك حمل على اكتاف ابناء المخيم فيما كاد الامر ان يصل لحمل السيارة التي يتجول فيها الملك. الخبراء يقولون ان كلمة المخيمات دخلت لقاموس الخطاب الملكي منذ ذلك اليوم فحيثما ترد كلمة البادية والريف تكون مفردة المخيمات هي الثالثة لتشكل ايمان القرار والنظام بزوايا المجتمع الاردني.
في مناسبة لاحقة كان رئيس الوزراء فيصل الفايز الذي يعد الاقرب والاكثر اخلاصا للملك والقصر مهووسا بالسؤال التالي: لماذا لا يغني اطفال البقعة لرموز الاردن كما يفعل اطفالنا؟.. الجواب هنا كان مباشرا وبسيطا: لانهم يفتقدون للتواصل مع الدولة ورموزها ولان المسؤولين يمتنعون عن تقليد الملك بزيارة اطفال البقعة.
وبعد اسابيع قليلة حصل الفايز على الجواب الحقيقي مباشرة من الجمهور بعدما زار المخيم واستمع في قاعاته للفرق وهي تنشد للاردن وللملك بعدما اظهرت حكومته بعض الاهتمام وتقديرا من ابناء المخيم لاهتمام الرجل بويع بعد تركه لمنصبه رئيسا فخريا لنادي المخيم واصبح قريبا من اوساط اللاجئين وراعيا للكثير من مناسبات رموزهم.
معروف البخيت عندما كان رئيسا للحكومة فكر هو الآخر بمناورة حية فزار مخيم البقعة واستمع لنخبه من نشطائه بعد جولة مثيرة في مخيم الوحدات للاجئين وفوجىء الرجل ببقعاوي ستيني يقف ويقول: اريد لابني ان يصبح ضابطا في المؤسسة العسكرية او الامنية فهل توجد مشكلة؟.. جواب البخيت الصريح يومها دلل على وجود المشكلة التي تحول دون ذلك في عقل بعض اجنحة االدولة الاردنية مستدعيا الخيارات البديلة التي لجأ اليها نصف العسكر الفلسطيني في لحظات حرجة بالتاريخ الحديث.
لكن تفسير البخيت ليس معتمدا في كل نطاق الطبقة السياسية فالرئيس الحالي نادر الذهبي قال بأن الكفاءات العسكرية التي عرفها عندما كان قائدا لسلاح الجو وحتى في ايام الازمة مع المنظمات الفلسطينية تفانت في الكفاءة المهنية وفي الدفاع عن المملكة والتاج والعرش والنظام.
ومستشار سابق في القصر الملكي درج على تذكيرالجيل الجديد من السياسيين والاعلاميين بأن المفتي ووزير الاعلام ونجم المعركة الفاصلة ضد المنظمات في ايلول (سبتمبر) كانوا ثلاثيا من اوساط اللاجئين.
هذه المفاهيم في مسألة النسيج الاجتماعي الداخلي والوحدة الوطنية ظلت ثابتة في وجدان الجيل القديم من السياسيين الاردنيين وفي وجدان مؤسسات الدولة، لكن ولادة طبقة من المثقفين والكتاب تشيع التوتر ووجود تعبيرات مضادة لهذه الاسس التي اعتمدتها المؤسسة دوما تطلب قبل عدة ايام خطابا قاسيا للملك عبد الله الثاني حذر فيه مروجي اشاعات التوطين ومن يسيئون للوحدة الوطنية.
والخطاب الذي لا زالت اصداؤه تتردد في الافق المحلي اصبح الان عنوانا لثوابت الدولة ورغم انه جاء بعدما غضبت المرجعيات اثر الاطلاع على طبيعة ومضمون التعليقات التي تحفل بها مواقع الصحافة الالكترونية المتصدرة وبعض الصحف اليومية، الا ان المداخلة الملكية الاتهامية في الاطار رسمت مجددا حدود اللعب المسموح.
هذه الحدود تقول بوضوح ان المخيم كالبادية والقرية جزء من نسيج المجتمع وحقائقه والتلوث الفكري الاعتباطي ينتج في صالونات نخبوية وفي عمان العاصمة، وحق العودة ثابت كاستراتيجية غير خاضعة للمزاودة ويوازي في عقل الدولة الوحدة الوطنية والدولة الاردنية ليست بصدد التلاعب بثوابتها الاساسية.
المحصلة.. داخل اوساط القرار في عمان تقرأ معطيات مواقف المخيمات جيدا فالتشكيك من قبل بعض الاقلام والاجتهادات بموقف اهالي المخيمات من الوطن الاصيل وحق العودة يتم الرد عليه داخل المؤسسة نفسها بوقائع وحيثيات يعرفها اصحاب القرار، مما يكرس القناعة بأن مخيمات اللاجئين في المملكة خارج شبهة وشائعات التوطين والتنازل عن حق العودة وهو ما عبر عنه مؤتمر خاص لقوى نشطة في لجان المخيمات قالت ذلك بوضوح امس الاول في بيان نهائي باسم المؤتمرين.
التعليقات (0)