الداخل الفلسطيني في ظل تداعيات تحول ( إسرائيل ) إلى دولة دينية!!
أثارت الدراسة الحديثة التي نشرها الباحث الإسرائيلي "أرنون سوفير"، والذي يعتبر أحد ابرز الخبراء في مجال الديموغرافيا والاكتظاظ وواضع مخطط التهويد وصاحب نظرية "العرب خطر ديموغرافي" جدلا واسعا في صفوف المثقفين والأكاديميين اليهود وخاصة داخل المجتمع العلماني الإسرائيلي. ويتوقع الباحث بأن تتحول إسرائيل إلى دولة دينية بحلول عام 2030 وذلك نتيجة للتحولات التي يشهدها المجتمع الإسرائيلي, ويستند الباحث الى دراسة أخرى قام بنشرها وتتحدث عن التحولات السكانية والديموغرافية المتوقعة بين الأعوام 2007ـ2020) داخل "إسرائيل." ويدعي "سوفير" بأن التكاثر الطبيعي السريع والمرتفع داخل الأوساط المتدينة سيؤدي حتما إلى تحول المجتمع الإسرائيلي من مجتمع علماني حداثي إلى مجتمع متدين تقليدي, وهذا ما سينعكس سلبا على الحياة داخل المجتمع الإسرائيلي.
وفي إشارة أخرى يتوقع الباحث أن يصل عدد السكان اليهود المتدينين إلى أكثر من مليون نسمة في العام 2030، وذلك من خلال التركيز على نسبة النمو الطبيعي داخل الوسط الحريدي والديني، بحيث تترواح نسبة ارتفاع النمو والتكاثر الطبيعي في هذا الوسط بين 6-7% في العام الواحد.
ومن جهة أخرى توصل الباحث إلى استنتاجات مفادها ان المتدينين اليهود سيشكلون أغلبية داخل المجتمع الإسرائيلي وهذا الأمر من شأنه أن يؤدي إلى أحد ثلاثة احتمالات هي:
• هذا التحول التاريخي سيخلق واقعًا جديدًا مما سيؤدي إلى ظهور ائتلافات علمانية أو تجمعات علمانية من أجل التغيير، وهذا يتطلب "ثورة علمانية" في كل الاتجاهات والمجالات الممكنة ضد المتزمتين والمتشددين في الوسط الحريدي.
• دولة تشمل مجتمعا دينيا وحريديا متزايدا باستمرار، يرافقه اتساع حجم الفقر وستكون هناك أقلية علمانية تقبل بنمط حياة ديني ونظام ديني.
• ضعف الأداء الوظيفي لمفهوم الديمقراطية الإسرائيلية، وهذا سيؤثر على توقف عمل البرلمان والكنيست الإسرائيلي كأجسام تشريعية, وقد يلجأ المتدينون اليهود إلى التوراة والأحكام الدينية كمرجعية تشريعية بديلا للكنيست، وهذا الأمر سيخلق فوضى غير مألوفة.
ويشير الباحث أيضا إلى عدة جوانب سلبية أخرى كنتيجة متوقعة لهذا التحول منها:
• حجم النمو الطبيعي داخل العائلات الحريدية سيؤدي زيادة تصبح نسبة الحريديم بين الجيل الشاب، وهذا سيؤثر بشكل سلبي على المؤسسات والمرافق الحكومية مما قد يعطلها أو يسبب عرقلة لعملها.
• زيادة الفجوات الاقتصادية بين شرائح المجتمع المختلفة مما سيؤدي لبروز الفوارق الطبقية داخل المجتمع.
• سياسيا سيؤثر التحول على زيادة قوة التيار الحريدي المتدين في الانتخابات مما قد يؤثر على الرأي العام في المجتمع الإسرائيلي.
• هناك تخوفات أيضا من تأثير التحولات على الثقافة والتعليم واستبدالها بمضامين ومعتقدات توراتية دينية وتسيير القانون وفقا للشريعة اليهودية.
• إمكانية التأثير السلبي على وسائل الإعلام المختلفة.
• تدهور نوعية الحياة داخل المجتمع الإسرائيلي نظراً لإمكانية حدوث هجرات للعلمانيين نحو الخارج هرباً من الواقع الموجود.
• ومن المتوقع أن يؤثر هذا التحول سلبا على السياسات الإستراتيجية والإقليمية التي قد تشكل خطرا وتهديدا على الوجود الإسرائيلي.
• سوء أدارة وانتشار حالة من الفوضى والتصدعات الاجتماعية التي من شأنها أن تضر بوحدة المجتمع الإسرائيلي.
هذا ومن الواضح بأن هناك تخوفات كبيرة جدا من التحولات الاجتماعية داخل المجتمع الإسرائيلي, وخصوصا فرض الحالة الدينية على المؤسسة القائمة وعلى الحياة السياسية والاجتماعية العامة, لكن في ظل ما أشار إليه "ارنون سوفير" حول تحول المجتمع الإسرائيلي إلى مجتمع ديني أو أكثرية دينية هناك تساؤلات أخرى في ظل تجاهل الباحث الداخل الفلسطيني والإسقاطات المحتملة على المجتمع الفلسطيني، وأبعاد هذا التحول على الفلسطينيين في الداخل, لذلك هناك تساؤلات مهمة أخرى في هذا السياق يجب أن تطرح؛ وهي كيف سيؤثر هذا التحول على الداخل الفلسطيني, وما هي أبعاد هذه التحولات؟
بداية يوجد خلاف كبير بين الباحثين حول ماهية وهوية المؤسسة الإسرائيلية, فهناك من أدعى بأن تعريف الحكومات الإسرائيلية لنفسها مركبة ومعقدة وفي بعض الأحيان متناقضة, اضافة للخلاف المحتدم داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه حول طبيعة التعريف المهني الدقيق لهوية إسرائيل, ولكن يجب الإشارة إلى حقيقة تاريخية مهمة جدا واستنادا على وعد بلفور عام 1917، فقد نصت الوثيقة نفسها على "حق تقرير المصير للشعب اليهودي", ويمكن الاستنتاج بأن الوثيقة أشارت إلى البعد الديني والمفهوم الإيديولوجي المستتر خلف السطور أو داخل النص, وتجدر الإشارة أيضًا إلى حقيقة أخرى وهي حقيقة دمج الحركة الصهيونية للبعدين الإيديولوجي الديني والبعد العلماني, بالرغم من أن وثيقة الاستقلال نصت على أن "إسرائيل دولة قومية لليهود قامت على أساس ديمقراطي" وهو ما يتناقض بطبيعة الحال مع الواقع الحالي خصوصا في ظل تعريف الدولة كدولة يهودية أو دولة ذات طابع وسيادة دينية.
هناك حقبة من التحديات قد تتصادم مع مصالح وطموحات الداخل الفلسطيني في ظل التغيير المتوقع, فقد يساهم التحول الديني إلى زيادة في كبح الحريات والملاحقات السياسية للقيادات وللشرائح القيادية والنخبوية, فتحول "إسرائيل" إلى دولة دينية ذات مرجعية توراتية وقوانين دينية يلغي بشكل مباشر مشروعية الوجود للداخل الفلسطيني على أساس عرقي وأثني، ويمهد الطريق لمجموعة كبيرة جدا من القوانين العنصرية قد تشترطها أية حكومة دينية ستتشكل على الفلسطينيين, بالإضافة إلى التهديدات التي سيتعرض لها الوجود الفلسطيني.
مجدي طه / مركز الدراسات المعاصرة
http://www.center-cs.net/Web/Pages/Default.aspx
التعليقات (0)