النَّفَسْ العربي في شوارع الكويت
فبراير، هو شهر الحرية للكويت. تحتفل فيه مرتين، الأولى في الذكرى السابعة والخمسين لاستقلالها. والثانية في الذكرى الثامنة عشرة لتحريرها. وفي كلا الحالتين يبقى وجه الكويت العربي ناصعاً، وتبقى هامتها مرفوعة، وسوف تظل مرفوعة. منذ استقلالها الأول وقد حملت اسم: «الكويت.. بلاد العرب»، وهو الاسم الذي نستعيره هنا احتفاء بذلك الرعيل الأول من بناة الكويت الحديثة، الذين حدّدوا توجهها، ورسموا مسارها، وهي أن تكون عضواً فعالاً في الجسد العربي، تعبّر عنه، وتحسّ بآلامه وتناصر قضاياه. وقد رصدت المجلة بعض ملامح النفس العربي في شوارع الكويت، وتتبّعت جزءاً من مسيرتها في خدمة الثقافة العربية، وهي مسيرة رائعة، تفخر الكويت أنها في مقدمتها، وكانت دوماً عنصراً مهماً في تحديث الثقافة العربية المعاصرة.
في بلد صغير المساحة كدولة الكويت، تسري العين في شوارعها الأهم، تتلمس الذاكرة طريقها, وتتفتح أمامها ملامح الصور، يبدو العالم العربي حاضرا وممثلا، من المغرب إلى بيروت إلى تونس إلى القاهرة ثم بغداد والرياض وعمان والقدس.. وغيرها. هي دروب محبة، أسماء تحملها شوارع الكويت لترسم من خلال تضاريس مدينتها خريطة واسعة تضم الحواضر العربية من المحيط إلى الخليج، تعكس انتماء الكويت إلى وطنها العربي الكبير, وتذكي ذاكرتها القومية صباح مساء. ثورة تظللها الحكمة مع نهاية حقبة الأربعينيات من القرن الماضي, وبدء عملية ضخ الذهب الأسود في شرايين الاقتصاد العالمي, (بدأ التصدير التجاري في عام 1946م)، تغير حال الكويت, ذلك الكيان البسيط الذي عاني شعبه من ظروف معيشية صعبة أقلها ندرة المياه الصالحة للشرب، إلى واقع جديد وتحديات كبرى، فقد شهدت الكويت ثورة اجتماعية واقتصادية بكل ما تحمله الكلمة من معنى وفي مختلف المجالات، عمرانيا وتعليميا وصحيا وتجاريا وإداريا وسياسيا، تظللها إرادة صلبة من قيادتها وشعبها ونظرة واثقة إلى المستقبل. طرق تواكب التوسع في البدء تم هدم السور الذي كان يحيط بمدينة الكويت القديمة، والذي حمى أهلها من المخاطر الخارجية وصد عنها هجمات بدو الصحراء، وسويت بيوت الطين بالأرض، ووضعت الخطط التوسعية لبناء مدن حديثة ومناطق جديدة تستوعب الكثافة السكانية المتزايدة، وتحولت الكويت إلى منطقة جاذبة للعمل تستوعب جميع العقول والسواعد والخبرات، غالبا ما كان مصدرها من الدول العربية. وكان من الطبيعي أن تشق الطرق التي تصل بين جميع تلك الأماكن الجديدة، والقديمة أيضا. ولم يجد أصحاب القرار أفضل من الاستعانة بأسماء المدن والدول العربية لتسمية شوارع الكويت الرئيسية والحيوية. وظلت هذه السياسة متواصلة مع كل توسع جديد تشهده الكويت، ولم يقتصر هذا الأمر على أسماء الشوارع فقط، بل امتد ليشمل مباني أخرى لا تقل أهمية عن الشوارع مثل المدارس بكل مراحلها، وفي بعض الحالات أطلقت بعض أسماء الزعماء العرب على شوارع الكويت مثل الزعيم العربي المصري جمال عبدالناصر، الذي يحمل اسمه واحدا من أطول وأهم الشوارع في الكويت، وحظيت المدن الإسلامية خاصة من عصر الأندلس، والشخصيات العربية والإسلامية،إضافة إلى رموز دولة الكويت وأعيانها، بنصيب وافر من أسماء المناطق والشوارع في مختلف محافظات الكويت. باقة منتقاة جالت عدسة العربي على شوارع الكويت التي تحمل أسماء المدن أو الدول العربية، لتوثقها بالصورة والكلمة، وهي تعلم أن دولا عربية كثيرة أطلقت أسماء عربية على شوارعها، إلا أن الكويت تتميز بتقارب هذه الطرق من بعضها بعضا. أبرز تلك الطرق دمشق وبغداد والقاهرة والقدس وصنعاء وتونس والرياض وعمان وقطر والبحرين والجزائر والمغرب وبورسعيد. في البداية ذهبنا الى شارع الرياض ثم شارع الخليج العربي ثم عرجنا على منطقة حولي ومنها منطقة السالمية، وتوقفنا قليلا في منطقة عبدالله السالم، حيث يقع شارع صنعاء وأخيرا تحركنا صوب شارع جمال عبد الناصر شارع الرياض هو الشريان الرئيسي المؤدي من وإلى قلب العاصمة، مقسم لثلاث حارات يتسع لثلاث سيارات الى جانب حارتي الأمان على طرفي الطريق، وقرب نهايته يطل على معلم مهم من معالم الكويت وهو برج التحرير، ويقع على يمينه صالة التزلج على التجليد وعلى يساره المبنى الرئيسي لوزارة الإعلام. ويرتبط أوله بأقدم وأشهر الميادين في الكويت وهو «ساحة الصفاة» التي كانت قلب المدينة وحاضنة احتفالاتها الرسمية والشعبية وموقع أسواقها السنوية. ويحمل شارع الخليج العربي المطل على البحر والذي يحيط بالعاصمة على شكل نصف دائرة، معاني كثيرة لأهل الكويت، فهو المتنفس القديم الموروث من أيام الأجداد على العالم - ولا يزال - ومع التحسينات الكثيرة التي أدخلت على شاطيء الخليج العربي خاصة مشروع الواجهة البحرية الذي أنجز قبل ما يقارب العقدين من الزمان، فقد زينت المنطقة الممتدة من الساحل حتى الشارع بالمسطحات الخضراء والاستراحات والمرافق الضرورية لضمان راحة مرتادي الواجهة البحرية، وأصبح شارع الخليج العربي قبلة يومية لممارسي رياضة المشي والأسر الباحثة عن أمتع الأوقات. المعنى الثاني الذي يحمله شارع الخليج العربي هو رمزيته لجميع الدول العربية المطلة على الخليج العربي بدءا من الكويت، وحتى سلطنة عمان مرورا بالمملكة العربية السعودية وقطر والبحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة، وأخيرا تحمل تسمية هذا الشارع تأكيدا على عروبة الخليج العربي. يطل على امتداد شارع الخليج العربي، مؤسسات الحكم كقصر السيف ومجلس الوزراء، ووزارة الخارجية، ووزارة والتخطيط وأول وأقدم مستشفى في الكويت، وهو المستشفى الأميري، ومسجد الدولة الكبير ومتحف الكويت الوطني، ومكتبة الكويت الوطنية بمبناها الجديد الشامخ المصمم على أحدث أنظمة بناء المكتبات وأبراج الكويت ومجلس الأمة والمركز العلمي الفريد من نوعه في العالم العربي، وكذلك أضخم وأحدث المجمعات التجارية وأفخم وأحدث المطاعم. منطقة حولي منطقة تجارية وسكنية عامرة بالحياة، وحركة لا تنقطع لكثرة المترددين عليها، وهي منطقة يفضلها أغلبية المقيمين العرب للسكن لتوافر العقارات فيها. يقع في منطقة حولي شارعان مهمان متقاطعان يحملان اسمي عاصمتين عربيتين هما بيروت وتونس، كما يحيط بالمنطقة من الجهة اليسرى شارعا القاهرة والمغرب من الجهة اليمنى. وتجتمع المتناقضات من ناحية مستوى المعروض في حولي، ففيها مجمعات تجارية باذخة الأسعار وأسواق شعبية تبيع كل شيء بأسعار تناسب أصحاب الدخول المحدودة ومحال تبيع الذهب الى جانب الفطير المشلتت والحلويات الشامية، ومقاه للجاليات المصرية والشامية تعمل على مدار الساعة، ومحلات صرافة وبيع عقار وتأجير شقق وسيارات. وتشتهر منطقة حولي بأنها الأكثر إقبالا من الناس على بيع وتصليح أجهزة الكمبيوتر وملحقاتها كما انها المفضلة لشراء الأجهزة الكهربائية بجميع علاماتها التجارية، ونادرا ما تذكر منطقة حولي دون أن يذكر معها شارعا تونس وبيروت. في منطقة عبدالله السالم وهو حاكم الكويت الأسبق (1950 - 1965) الذي شهدت الكويت في عهده الاستقلال في 19 يونيو 1963م ووضع دستورها، كما تم في عهده إجراء أول انتخابات برلمانية، أيضا شكلت الدوائر الحكومية المختلفة وأنشئت المحاكم، وأصبحت الكويت في عهده عضوا في جامعة الدول العربية، والأمم المتحدة. وفي هذه الضاحية التي تعد أيضا من أرقى المناطق في الكويت، اطلق اسم صنعاء على الشارع الرئيسي الذي يقطعها وفيه مسجد فاطمة والجمعية التعاونية والعديد من المرافق المهمة الأخرى مثل صالة «مشاري العدواني» للفنون التابعة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وقد أخذت هذه الصالة اسمها من الشاعر الكويتي الكبير الذي ألف النشيد الوطني للكويت. وأطلق اسم عاصمة أبو جعفر المنصور بغداد على أحد الشوارع المهمة في منطقة السالمية ويبدأ من نهاية شارع القاهرة الذي يمتد من العاصمة إلى السالمية وتقع على جانبيه أجمل الضواحي السكنية في الكويت وأول مجمع تعليمي للمعاقين ينشأ في المنطقة بأسرها ويقع عليه النادي العربي وهو من اشهر الاندية والفرق الرياضية في الكويت وتقع عليه حديقة الشعب الترفيهية. شارع جمال عبدالناصر يحتفظ أهل الكويت بمحبة خاصة وموروثة للزعيم العربي المصري جمال عبدالناصر، فهو الزعيم العربي الذي ساند وجود الكويت في أول عهدها بالاستقلال ضد أطماع الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم وأرسل القوات العربية المشتركة لتحل محل القوات البريطانية طوال أزمة الكويت، ودعم دخول دولة الكويت إلى الجامعة العربية عضواً فاعلاً فيها،وساندها بنفوذه العالمي للاعتراف بها دولة في منظومة الأمم المتحدة، وكأي قطر عربي يحلم بتحقيق الوحدة العربية في الخمسينيات والستينيات مثل الزعيم جمال عبدالناصر رمز هذه الوحدة. وإطلاق اسمه على أحد شوارع الكويت يأتي كنوع من العرفان الرمزي لما قام به. وتوجد هناك حديقة تحمل اسمه أيضاً وتعد من أكبر حدائق الكويت وتقع في منطقة الروضة. وشارع جمال عبدالناصر تقع عليه جامعة الكويت ومجمعات مستشفيات المنطقة الصحية في البلاد. قصة حب قديمة قبل أن تفتح جامعة الكويت أبوابها سنة 1966م كان المئات من طلبة الكويت يدرسون في جامعات القاهرة والإسكندرية وبيروت وبغداد، وقد حملوا معهم عندما عادوا لبلدهم محبة خالصة لأشقائهم العرب، كانت عبارة عن قيمة مضافة لما هو موجود في الكويت من حب جارف للقومية العربية. وقد ترجمت الكويت رسميا وشعبيا هذه المحبة بأشكال متعددة من خلال تفاعلها مع محيطها العربي، ففي حروب العرب أقدمت وشاركت في معاركها وتحملت نصيبها من شهدائها وفي أيام السلم أمطرت مما أفاء الله عليها منحا ومساعدات ومشاريع للتنمية، وحينما يقع الخصام تداوي الجروح بين الأشقاء، وتحرص على وحدتهم ولم شملهم. وليس مستغربا أن تكون غالبية طواقم التدريس في جميع مدارس الكويت من المدرسين العرب. وأول رئيسين لجامعة الكويت من العرب، وقضاة الكويت من العرب ومحترفو كرة القدم من العرب وحتى أول رئيسين لمجلة العربي من العرب. ولم تكن أسماء الشوارع سوى وردة واحدة من باقة أزهار، ولكنها وردة مميزة لأن الشوارع تبقى شاهدا أبديا مهما تغير الزمان ومهما تبدلت الأحوال.
التعليقات (0)