مواضيع اليوم

الكوميديا الريفية ـ المواريث والعادات في الموت والمآتم ـ

عوني قاسم

2012-05-06 08:51:15

0

كان الناس عندنا يتشاءمون من تجمع عددا من النسوة والعجائز في مكان واحد ويقولون ( الله لا يجمعكن ببيت صديق ) لأنه عادة ومن كثرة ألأعمال المطلوبة من المرأة في الريف فإنه لا تجتمع النسوة بعد الغروب إلا بسبب مرض أو عزاء والعزاء في الريف له طقوسا خاصة تبدأ بإعلان حالة الوفاة ولكنه يختلف إذا كان من القرية أو من قرية مجاورة ، فإذا كان الميت من القرية يهب الرجال والشباب ويذهبون إلى المقبرة لحفر القبر بينما يذهب الشيوخ إلى بيت الميت أو بيت أحد أقاربه أو إلى الديوان الخاص بالحمولة فتدار القهوة السادة وينتظرون حتى يتم غسل الميت وتجهيزه للدفن ويقوم بهذا العمل إما شيخ القرية أو أحد الرجال المتخصصين بهذا العمل إذا كان هذا الميت ذكر أما إذا كانت أنثى فتقوم بذلك امرأة أو شيخه حيث يتم غسل الميت ثم يعطر ويكفن ويوضع الحناء في جوانب الكفن ثم يوضع في النعش ويحمل النعش قبل صلاة الظهر أو العصر للصلاة عليه صلاة الجنازة بعد الصلاة المفروضة ثم يحمل إلى المقبرة ويسير الحضور خلف النعش يكبرون ويذكرون اسم الله ويتسابق الشباب لحمل النعش كسبا للأجر ثم يوارى الجثمان التراب ويقرأ شيخ القرية وصايا خاصة بالميت وعبرة للحي منها : يا عبد الله وابن عبده وأمته اعلم أنه إذا جاءك ملكان رحيمان طيبان على من أطاع الله ، شديدان غليظان على من عصى الله ، فإن أجلساك وسألاك من إلاهك فقل لهما الكافي لي ولكم الله ويرددها ثلاثا وإن سألاك من نبيك فقل لهما إني عشت ومت على شهادة لا إله ألا الله محمدا رسول الله ثم يدعو للميت ما تيسر وما هو معروف من السنة ثم يقرأ الجميع الفاتحة والكل جلوس ثم يقف الشيخ فيقف الناس ويقول عظم الله أجركم فيجيبونه أجرك عند الله عظيم فيحدد مكان بيت العزاء ( بيت ألأجر ) ثم يقف أهل الميت لتقبل العزاء على المقبرة من الغرباء من أهل القرى المجاورة ثم يرجع الناس إلى بيوتهم ويبقى بعض أهل الميت مدة قصيرة على القبر لقراءة سورة ياسين بعد أن يذهب الناس وذلك حتى لا يكون الميت لوحده عند سؤال الملكين . وبعد رجوع الجميع إلى البيت يحضر جيران أهل الميت الطعام السريع( من حواضر البيت ) مثل المقالي والبيض المقلي والألبان والجبن والمربيات والخبز ويقعد الجيران وأهل الميت لتناول الطعام مجاملة لأهل الميت وقد يجتمع عدد من ألأطباق يزيد عن العشرين ويسمى هذا الطعام جميعه ( الخروج ) ، وحاليا صار يدعى أهل الميت إلى طعام بعد الدفن في بيت أحد ألأقارب أو ألأنسباء أو الجيران حيث يذهب الرجال لتناول الطعام في بيت الداعي في حين تحمل النسوة الطعام للنساء إلى بيت الميت ويقمن بإجبارهن ومشاركتهن في ألأكل حتى لا يبتن جائعات حزنا على الفقيد ويستمر ذلك لمدة ثلاث أيام كل يوم في بيت قريب آخر ، وعادة تقدم أطباق الخروج لمدة ثلاث أيام من قبل المعارف والجيران ، وقد كانت بيوت ألأجر سابقا تفتح لمدة أسبوع كامل للرجال ولا بيوت أجر للنساء ، ولكن في ألآونة ألأخيرة صار يتساوى الرجال والنساء ولمدة ثلاث أيام فيقدم في بيوت ألأجر القهوة السادة والتمر ، وكان يقدم كذلك السجائر والأراكيل ولكن الناس حديثا أبطلوا هذه العادة .
في السابق كان إذا الميت من قرية مجاورة فإن أهله يبلغون أهل القرى القريبة بواسطة رسالة يحملها شخص على حصان إلى أقرب إنسان عليهم في هذه القرى حيث يقوم هذا الشخص بإبلاغ أقاربه أولا ثم بعض أهل القرية ويذهب جميعهم للاشتراك في مراسم الجنازة فإذا كان المكان قريبا ركبوا خيولهم أو مشيا على ألأقدام ثم صاروا أخيرا يستعملون السيارات وبعد الدفن ورجوعهم إلى قراهم كانوا يرسلون لأهل الميت أكياس ألأرز والذبائح ويبلغونهم أنهم سيحضرون للعزاء في مساء يوم معين وخلال ألأسبوع ألأول بعد الدفن فيقوم أهل الميت بإعداد وليمة للمعزين فيحضرون على خيولهم عند المساء ويبيتون في المضافة أو يتوزعون على بيوت أقارب أهل الميت حتى صباح اليوم التالي فيصلون الفجر ويزورون قبر الميت لقراءة الفاتحة ثم يعودون إلى قراهم . وكذلك النسوة من القرى المجاورة يذهبن في المساء إلى بلد الميت ويشاركن في حلقات النواح والنعي والتعداد واللطم حيث تجتمع النسوة في حلقة دائرية ثم يأخذن بالدوران والحجل ويشحن بالمناديل ويلطمن وجوههن وصدورهن ويرددن أقوالا كأنها أغان حزينة يعددن فضائل الميت ومنهن من يغمى عليها من الحزن والكل يلبس ألأسود ، وإن كان الميت شابا وله أطفال يضعن ألأطفال في وسط الحلقة مظهرات الحزن والجزع الشديد لما حصل وقد يستمر هذا لمدة أسبوع كامل أو ربما أكثر ، ويعتبر هذا ألأمر دينا بين النساء ، ويقلن ( كل شيء قرضه ودين حتى دموع العينين ) وكل يوم يزرن القبر في الصباح الباكر وبعد صلاة العصر وطول ألأسبوع ألأول وتسمى هذه الزيارة ( فكة الوحدة ) وتقوم أخوات الميت وزوجته وبناته بإظهار الحزن الشديد والجزع أمام الجارات وزائرات القبر وقد تأخذ إحداهن من تراب القبر وتعفر به شعرها ووجهها . وكان أهل الميت في نهاية ألأسبوع ألأول يذبحون الذبائح ويقيمون وليمة كبيرة عن روح الفقيد يدعى إليها ألأقارب والجيران والفقراء من أهل القرية من الرجال ثم يوزع باقي ألأكل على المعارف ، وحسب العرف لا يجوز أن يبات في بيت أهل الميت من طعام الوليمة أي شيء وفي الآونة ألأخيرة صاروا يذبحون ويوزعون مقدارا من اللحم النيئ للأهل والجيران والفقراء وفي ألأربعين تقام وليمة وتوزع الحلوى عن روح الميت ويتساوى بذلك المسلمون والمسيحيون في الريف . وكانت العادة أن تستمر زيارة الميت من قبل النساء كل يوم اثنين وخميس وحتى ألأربعين وبعدها لا تتم الزيارة الجماعية إلا في يومي عيد الفطر وعيد ألضحى حيث تقوم النساء بقراءة القرآن عند القبر لمن تحسن القراءة وإلا فهناك أولاد متكسبون يقرؤون لهن وتدفع لهم بضعة قروش أو بعض الحلوى الحافة والتي أعدت خصيصا لهذه المناسبة وتتم الزيارة عادة في الصباح الباكر وقبل خروج الرجال من صلاة العيد حيث يقوم الرجال بعد الصلاة بزيارة المقبرة ولا يدخلونها بل يقفون في الساحة على مدخلها ويقرؤون الفاتحة والدعاء للأموات جماعة ويقولون آمين على ما دعاء شيخ الجامع الذي صلى بهم صلاة العيد ، وقد تتم زيارة الميت في مواسم معينة مثل خميس ألأموات ورأس السنة الهجرية ففي هذا اليوم يتم تحضير أنواع من الحلوى والفطائر ويسلق البيض ويوزع عن روح الميت .
ومن البكائيات والنواح الذي تردده النسوة في حلقات الردح والنواح ما يتنوع حسب سن الميت وجنسه ودرجة القرابة والمركز الاجتماعي ، فإذا كان الميت شيخ الحمولة أو كبير العائلة فيقال في حلقة الردح عن طريق النسوة ما يلي :ــ
ياساحة دارهم يا ديرة الخيلي قهوتهم إكثيره ما لها كيله
يا ساحة دارهم يا ديرة الفدان قهوتهم إكثيره مالهاش عيار
في دارهم وقع الجمل واتكسر في دارهم حول مأمور العسكر
في دارهم صاح الجمل يا راسي في دارهم تسمع طخ ارصاصي
عباة أبو فلان بايد الدلال اريتها يا حوف قلبي ليش ما شريتها
عباة أبو فلان بايد الدلال اعرفتها يا حيف قلبي ليش ما أخذتها

اما إذا كان الفقيد زوجا وترك أطفالا صغارا فيقال :
ما أمر تربات العمام حنونين دايمين الإحسان
ما وصاك يا عمنا أبونا بزيارتنا والطله علينا
وامعودي بالدلال من أبوها وامدللي لا تنهروها
حيشاكم يا اولاد الدلال تتربو عن العم والخال
ما همنا يا ولد ولا همك من كثر شوقك لأبوك تمشي ورى همك
يا همنا يا ولد ويا همنا حالك من كثر شوقك لأبوك تمشي ورى خالك
وين أبو اليتامى يركب الخيل من بعد ما مات أبوهم طالهم
الضيم 
أما إذا كان الميت هو ألأب لبنات متزوجات فيقال : ــ
من قال أخوي مثل أبوي يكذب ولا يصدق عليي
عبرت على بيت أخوي لا تزعلي يا مرت اخوي
لا همك زوار إحنا مش حرادى

أما إذا كان الميت شاب صغير السن لم يتزوج فيقال : ــ
يا نايحه قولي عليه بالحلقه شواربه خط القلم بالورقة
يا حسرتي روحوا الدفاني
يا نايحه قولي عليه بالدوره شواربه خط الرسم بالصوره
يا حسرتي روحوا الدفاني
يا قايلي نوحي عليه نوحي شوابه خط القلم عاللوحي
يا حسرتي روحوا الدفاني

ويقال أيضا : ــ
افتحوا الصندوق خلينا اندوسه ورجوا العريس على كسوة عروسه
إفتحوا الصندوق بروس ألإبر ورجوا العريس بدلات السهر
يا شاب يا محروم شم الريحه والقبر ما فيهوش بدلات امليحه
يا شاب يا محروم شمات الهوا القبر ما فيهوش عرايس للغوى

وأما إذا مات الشخص في الغربة فإن أمه وزوجته وأخواته هن أكثر ما يحملن حزنه فيقال :
يا قبر الغريب على جنب الطريق اينوح بدو دليل بدو على بلاده ايروح
يا قبر الغريب على جنب الطريق بيكي بدو دليل بدو عالبلد يمشي
قبر الغريب أنا بعرف علاماته الشوك عطاه من قلة زياراته
في المقبره ميت بنادي أنا غريب مين ايوصلني على ابلادي
اكثر نواحي وقولي عالغريب انقطعت اخباره وانقطعت المكاتيب
وأنا اكثر نوحي عالفراق انقطعت إخبارهم وانقطعت الأوراق
مال الغريبه ناطره الدار اهل الغريبه اليوم خطار
مال الغريبه ناطره الحوش أهل الغريبه اليوم ماجوش
مال الغريبه ناطره الباب أهل الغريبه اليوم غياب
مال الغريبه ناطره عالحيط أهل الغريبه ماتوا بالكويت

أما إذا كان الميت قتيلا فيقال :
ياريت ضرابك ضربني ضربني وغمق بالحشا
مقتول وامغطى بعباته يا حزنكن يا خواته
مقتول اومغطى بحرام والعيش بعدكم حرام
مقتول وامغطى بشالي يا حسرتي على هالحال
مقتولين ومتروكين وبالدم ألأحمر غارقين
عقبكم ما نتهنا بعيش رحتوا وخليتونا ضايعين
يا حسرتي يا حسرتي رحتوا وابعدتوا لوين

وإن كانت الميتة إما لبنات فيقال :
ياقبر أجت بنتي علي تبكي وافتح بابك يا قبر لما تصل عندي
يا قبر أجت بنتي عليا اتنوح وافتح بابك يا قبر لما تجي واتروح
يا قبر أجت بنتي علي اتقول وافتح بابك يا قبر بلكي الهم ايزول
يا حبيبتي يا إم الجدايل خليتينا تحت الجمايل
يا حبيبتي يا إم الجديله خليتينا تحت إجميله
يا حبيبتي يا إم القلاده لمين خليتي البنات ولولادي
أما إذا كانت الميتة بنتا شابة فيقال :
يا صبيه يا فتيه يا عود الكزبره جسمك ما طاق الثوب كيف ايطيق المقبره
يا صبيه يا فتيه يا عود الخيزران جسمك ما طاق الثوب كيف ايطيق القبر اينام
إم الزنود بالشوب نامت ذرعانها البيض يا حسرتي من الحر مالت
يا حبيبتي يا بنتي يا ام الجديله اوصارت غيبتك عني طويلي
يا حبيبتي يا بنتي يا إم الجدايل العمر قصير والسفر طايل
يا حبيبتي يا بنتي يا إم الخدود العمر قصير والموت ما منه مردود

أما هذا كانت الميتة أما وتركت أطفالا صغارا فيقال :
يا خالتي كوني بدل أمي وإن غابت إمي إسألي عني
يا خالتي أنا طفلي صغيري ماتت إمي وظليت تحت الجميلي
يا خالتي حني عليي ماتت إمي وما حدا ظل ليي
يا خالتي صعب الفراق وإن ما حنيتي إنتي اتحن النواق
يا خالتي يا حنوني ماتت إمي لمين تتركوني

والتراث عندنا يزخر بالكثير من هذه البكائيات وإنما هذه أمثلة استطعت جمعها على ذلك ومن خالات رفضن بإصرار ذكر أسماءهن . ولا تنسى ذكرى الميت على مدار السنين وإنما هناك أياما في السنة مثل خميس ألأموات في شعر نيسان ويوم رأس السنة الهجرية يتم طبخ أفضل ما تستطيع ألأسرة إعداده ويتم إهداء بعض من هذا الطعام للجيران إتتقادا أن هناك ملاكا يدور على البيوت ويفتش أواني الطبخ ليرى ما طبخت العائلة ويقول ( دايمة ) حسب نوع الطبيخ الموجود في الحلل أي أدام الله ذلك على العائلة مدار العام أن كان جيدا أم لا ويطلق على هذا الملاك إسم ( مفتشة القدر ) والقدرة هو وعاء الطبخ وتصنع من الفخار ولتلك المناسبة رهبة خاصة عند ربات البيوت فيقمن بإعداد أفضل ألأطعمة ليلة رأس السنة وترش حبة البركة (القزحة ) على عتبات البيوت ويعلق غصن أخضر في مدخل البيت فحبة البركة لتهرب منها الشياطين وأما الغصن ألأخضر فمن أجل استقبال الملائكة وحتى تبقى السنة خضراء على أهل البيت والمسلم عادة يتيامن باللون ألأخضر . وفي ذكرى المولد النبوي تطبخ عادة أكلة خاصة من اللحم واللبن الرائب وألأرز وتسمى ( لبنية ) تؤكل غموسا وقوامها شديد قليلا كالمهلبية وتسمى ألأكلات التي تؤكل غموسا بواسطة الخبز كاللبنية والعصائد والخبيزة مع ألأرز حيث يجر الشخص لقمته جرا ويحمل بها شيئا من الغموس ليوصلها إلى فمه ( مجر اللقمة ) . ومن المناسبات ايضا خميس الحلاوات وفي شهر نيسان أيضا وتشترى فيه ثلاث أنواع من الحلاوة وهى حلاوة القرع وحلاوة الجزر والحلاوة البيضاء وتكون جميعها مخلوطة بالجوز ، وبسبب شدة حلاوة الحلاوة البيضاء تعجن بدقيق القمح وتؤكل معه لكسر حدة حلاوتها ، وقد قيل عن أحد الأشخاص أنه كان في المرعى مع غنمه فترك له أهله قطعة من الحلاوة البيضاء علي الطحين في وعاء من القش يستعمل لوضع الخميرة ليوم آخر(الترويج ) وعند عودته في المساء قالوا له ان نصيبه من الحلاوة موجود على الطحين بالترويج فذهب وأكلها ورجع قائلا أنه لم يذق في حياته مثل هذه الحلاوة الحامضة في هذه السنة فذهبوا إلى حيث الحلاوة فوجدوه قد أكل الخميرة حيث كانت في ترويج آخر بجانب الحلاوة . وكانت العادة أن يترك جزء من عجين يوم سابق لليوم الذي بعده من أجل تخمير العجين الجديد .
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !