الكومبيوتر ضيف ثقيل..
هل يؤدي الى العزلة وفقدان مهارات الاتصال بالناس؟
شيركو شاهين
sher_argh@yahoo.com
إذا سألت شابا هذه الأيام عن أعز أصدقائه فلا تتعجب إن كانت الإجابة هي الكمبيوتر!! وإذا سألت طبيبا نفسيا عن أشد المؤثرات السلبية على نفسية الشباب, وعلى مهاراتهم الاجتماعية فلا تندهش إن قال لك : الكمبيوتر !!, وإذا سألت وزيرا أو مسؤولا أو متخصصا في المعلوماتية عن المستقبل وفرص الشباب للحصول على وظيفة وتحقيق تطلعاتهم العملية, فلا تستغرب إن ربط كل ذلك أيضا بمهارات الكمبيوتر.
يقول أشرف محمد علي (موظف): تقريبا.. الكمبيوتر هو صديقي الوحيد, علاقتي به بدأت منذ خمس سنوات قبل أن يوافق أبي علي شرائه لي، ففي الإجازة الصيفية حصلت على دورة في الحاسبات داخل الكلية التي كنت أدرس فيها, فأعجبت بهذا الكائن صاحب الآفاق اللا محدودة وأصبحت أكثر ميلا إلى القراءة عنه, ومعرفة كل أسراره, وازداد شغفي به واعجابي مع دخول خدمة الانترنت الى الجامعات قبل اكثر من اربع سنوات فبدأت أتردد على مركز الإنترنت الملحق بالكلية فازداد به حين ذاك انبهاري به, وأصبح مطلبي الملح من والدي هو شراء جهاز كمبيوتر خاص بي في المنزل.
ويضيف قائلا : وجاءت الفرصة فاشتريت واحدا, ومن وقتها بدأت علاقاتي بمن حولي - في المنزل وخارجه - تقل تدريجيا , لدرجة أنني أصبحت تقريبا لا أجلس معهم ولا أتناول معهم الطعام في مواعيده بل يأتيني طعامي وأنا أستخدم الكمبيوتر, ورغم أنني لا أستطيع الدخول إلى الإنترنت كثيرا وأنا في المنزل, لأن أبي وأمي يتشاجران معي لأنهما يحتاجان الهاتف إلا أنني مع ذلك أجد في برامج الكمبيوتر عالما ساحرا لا يمكن الملل منه, فأنا أحصل دائما على أحدث البرامج وأقوم بتحميلها على الجهاز والتدريب عليها حتي أصبحت على معرفة عالية بعدد كبير من هذه البرامج، وإن كان هذا على حساب علاقاتي بالأسرة. وانا اليوم اشتغل في مجال الكومبيوتر لاني لا أستطيع أن أعيش من دونه!
أما هشام سمير حامد (تدريسي) مادة الكمبيوتر يحكي عن حالة التوحد التي بينه وبين الكمبيوتر فيقول: لا أستطيع النوم عندما يكون الكمبيوتر مريضا!! أي عندما يكون هناك عطل في الكمبيوتر - سواء في السوفت وير أو الهارد وير - فإنني أبيت الليل كله أحاول إصلاحه, وفي مرات يؤدي ذلك إلى ذهابي إلي عملي, وأنا غير قادر علي فتح عيني.. بالطبع المسألة ليست مجرد تعاطف مع هذه الآلة, ولكني أشعر أنه تحد لقدرتي على إصلاحه, وخاصة أن الأعطال في الكمبيوتر ليست مثل ما يحدث في غيره من الأجهزة الكهربائية, فأحيانا يتعطل دون معرفة السبب وأحار أياما لأكتشف بعد ذلك السبب لأجد أنه في غاية البساطة وأشعر أنني أصبحت أكثر تفوقا على أقراني.
وتقول مها فوزي طالبة بكلية العلوم السياسية : قبل شراء الكمبيوتر كانت شكوى أبي وأمي مني هي أنني اجتماعية وأسرف في استخدام التليفون وتبادل الزيارات (ايام كان الامان وكانت الزيارات امراً عاديا), وبعد شرائي للكمبيوتر تدربت على عمليات استخدامه والاستفادة من خدمة الانترنت, الا اني اؤكد ان حالي انقلب بشكل كبير فلم اعد اهتم كثيرا بهموم الاسرة وأصبحت منعزلة بدرجة يشكون منها.
وتضيف مها : لست منعزلة كما يتصورون, فقد أقمت علاقات وصداقات عديدة عبر الإنترنت ومواقع الدردشة, وكثير من صديقاتي القدامى يمتلكن أيضا أجهزة كمبيوتر ونتحدث طوال الوقت عبر الإنترنت ويشاركنا الحديث آخرون... حقيقة لم نعد نلتقي كثيرا أو نتحدث في شؤون خاصة، ولكنني مازلت قادرة علي إقامة علاقات بالناس, فلماذا القلق؟
ويرى حسام زكريا صاحب مكتب لتجهيز الحاسبات-شارع الصناعة-: أن معظم استخدامات الشباب للكمبيوتر تركز على جوانبه السلبية, فهم يضيعون فيه وقتهم, ولكنهم لا يتعلمون ما يمكن أن يكون مفيدا لهم, بعضهم لا يستخدمه إلا في تصفح الإنترنت سواء في المواقع الإباحية أو للدردشة في مواضيع تافهة, وفريق يستخدمونه في الاستماع إلى الأغاني أو مشاهدة أفلام الفيديو المسروقة, وآخرون لا يعرفون عن الكمبيوتر إلا أداة لتشغيل الألعاب الإلكترونية.
ويتفق معه في الرأي المهندس وليد الحديدي (هندسة نظم ومعلومات) -الجامعة التكنولوجية- ويقول: أنا أعشق الكمبيوتر بشدة, ولكني لا أسمح له أن يستغرقني, ففي وقت العمل أجلس إليه بانتباه شديد, وحرص على استكشاف الجديد, ولكني لست مدمنا للإنترنت دون فائدة, ولا أهوى الشات ولكني أمارسه في حدود احتياجي العملي, وأفضل دائما لقاء أصدقائي, وأتمنى لو فهم الشباب أن الكمبيوتر هو وسيلة للاحتكار المفيد بالعلم, ولتسهيل الأعمال, وأن يكون الإقبال عليه بهذا الهدف.
وعن موقف علم الاجتماع من تلك العلاقة التي تتوطد يوما بعد يوم مع الكمبيوتر يقول الدكتور احمد العلي أستاذ علم الاجتماع: الكمبيوتر مثل غيره من الاجهزة ينبغي استخدامه في المجالات المفيدة دون إفراط وإذا استخدمناه بالصورة السليمة, فهو أداة تواصل تدعم العلاقات الاجتماعية, ولكن اذا أفرطنا في استخدامه فإنه يتحول الى ادمان يحتاج الى علاج, ويتحول- علي العكس مما هو مفروض- الى وسيلة لقطع العلاقات بين الناس.
ويضيف الدكتور أحمد علي من الجامعة المستنصرية قائلا: الكمبيوتر مثلا يسمح لنا بالتواصل مع أصدقاء وأقارب غائبين أو مسافرين بعيدا عنا بشكل رخيص وسهل, فيمكن أن نحدث أصدقاءنا وأقاربنا في اليابان وأمريكا واستراليا وكندا.. الخ دون تكاليف زائدة, ويمكننا مراسلتهم دائما لتصل رسائلنا اليهم في دقائق , وهنا فنحن نتحرك في إطار تواصل اجتماعي محمود وصلة رحم أمر بها الله سبحانه وتعالى, وبالمثل فإذا استخدمناه في تسهيل أعمالنا وارسال رسائلنا فإنه يعد تطورا كبيرا في تسهيل التواصل بين الناس, وكذلك اذا استخدمنا الانترنت في الحصول على معلومات جديدة نحتاج اليها لزيادة معارفنا فإنه يكون وسيلة ثقافية ممتازة. ولكن الامر ينقلب الى ضده اذا كان الكمبيوتر يأخذنا ممن حولنا ويقطع صلتنا بهم, وهو أمر أثبتته الدراسات الاجتماعية الاجنبية, حيث كشفت عن ان الكمبيوتر دفع الى مزيد من العزلة الاجتماعية , وأفقد الجيل الجديد الكثير من مهارات الاتصال بالناس والتكيف معهم, بل وزاد التفكك في الروابط الاسرية سواء بين الاباء وأبنائهم في حدود معينة لدرجة أن كثيرا من الازواج يشكون هذا الجهاز الذي أصبح حاجزا بينهم, وتسبب في حدوث كثير من المشاكل الاجتماعية, وقد سمعت أن أحد الشباب في أوروبا قرر اعتزال الناس في منطقة نائية ليس فيها إلا هو والكمبيوتر.. وهنا لا يمكننا القول إلا أن الكمبيوتر أصبح ادمانا خطيرا يمكن أن يعرقل مسيرة الحياة والعلاقات الطبيعية بين البشر التي تضيف للانسان خبرات, وتدعم ثقته بذاته وإحساسه بأهميته, وتدفع إلى التراحم.
أما الدكتور (م.ع) (أستاذ الطب النفسي بجامعة بغداد) فيقول: ان الكمبيوتر يؤثر على الجهاز العصبي للإنسان, وله دور كبير في تزايد حالات الاكتئاب والقلق في السنوات الأخيرة, وإذا تركنا ذلك فإن له تأثيرا قويا على بصر الإنسان وكفاءة عينيه بسبب الساعات الطويلة التي يجلسها ناظرا إلى الشاشة, وهو أيضا السبب في تراجع الكفاءة البدنية عموما لأنه يدفع الإنسان إلي المزيد من الجلوس, والبعد عن الأنشطة البدنية والرياضية التي تحافظ على كفاءة الجسد في القيام بوظائفه.
ويرى الدكتور عادل شفيق أخصائي طب العيون: ان استخدام الكمبيوتر وألعاب الفيديو يزيد من مشاكل الذين يعانون من أمراض العيون البسيطة مثل طول أو قصر النظر حيث إن العينين تحاولان أن تتكيفا لاستخدام الكمبيوتر (تحاول مساعدتك في الرؤية الواضحة) وخلال عملية التكيف هذه تتعرض العينان للاجهاد والتعب الزائدين والذي يكون حسب رأي خبراء صحة العيون كما يلي: المصابون بطول النظر يتعرضون لحالات تعتيم جزئي وعدم الرؤية الواضحة والتعب والاجهاد في العينين بشكل أكيد أثناء استخدام الكمبيوتر مقارنة بالأشخاص العاديين أو حتي من يعانون من قصر النظر والذين بإمكانهم رؤية الأشياء القريبة أكثر مقارنة بالأشياء البعيدة.
أما الأفراد الذين يعانون من مرض العيون المعروف باسم Astigmatismوالذي يقلل من قدرة العينين علي عكس الضوء مباشرة علي شبكية العين) يتعرضون عند استخدام أجهزة الكمبيوتر وألعاب الفيديو لحالات صداع شديد مصحوب بآلام وتعب عام في الجسم, وهذا بدوره يضاف الى العبء النفسي المصاحب لاستخدام الكمبيوتر بغض النظر عن نوع هذه الأخطاء, كما أن الاستخدام الطويل لأجهزة الكمبيوتر وألعاب الفيديو يؤدي الي اجهاد العينين عند الأفراد الأصحاء والذين لا يعانون من مشاكل في النظر.
كما يمكن أن يكون لدى مستخدم الكمبيوتر جفاف بسيط في دموع العين تزداد حدته مع القراءة أو مشاهدة التلفزيون, حيث إن سرعة الرمش تقل في هذه الحالات دون أن ينتبه الإنسان لانشغاله بما يعمل أو يتابع، ويمكن في هذه الحالة استعمال القطرات المرطبة أو ما يماثلها مرتين يوميا لتخفيف الاجهاد.
وفي النهاية يقدم الدكتور عادل شفيق خمس نصائح لحصر وخفض درجة الاجهاد والتعب التي تتعرض له العينان أثناء استخدام الأجهزة وهي:
1- استخدام إضاءة غير مباشرة في غرفة الكمبيوتر.
2- حجب ضوء الشمس الزائد علي شاشة المنعكس علي شاشة العرض باستخدام ساتر خاص لشاشة العرض.
3- على قدر الامكان أعمل على المحافظة على ان تكون خلفية الصورة في الشاشة متعارضة تماما مع الوان الأحرف, أو الأشياء المعروضة.
4- بعد استخدام ساعتين, حاول أن تأخذ فترة راحة مؤقتة لمدة ربع ساعة (15 دقيقة) ومن الأفضل مغادرة كرسي الجلوس والذهاب لمكان آخر تدخله الشمس أو أي إضاءة عادية والقيام بتمرينات إطالة ومرونة للجسم وبشكل خاص الظهر والساقين والرقبة وأصابع ورسغ اليدين. واستخدم كرسيا مناسبا لطولك.
5- العمل في مكان يسمح بوضع لوحة المفاتيحkey boardفي مكان مريح للاستخدام بالنسبة لك , استخدم Copy Holderيمكن تعديله حيث يساعد هذا النوع علي وضع النسخة الأصلية قريبا من الشاشة حيث يخفف هذا الاجراء من الاجهاد الناجم عن كثرة تحريك الرأس والعينين ما بين النسخة الاصلية وشاشة العرض.
نشر بتاريخ ((30/07/2006))
التعليقات (0)