تظاهرات المصريين (المسلمين) التي انطلقت من الإسكندرية .. وكذلك من مسجد الفتح بميدان رمسيس بالقاهرة.. ومن مسجد النور بالعباسية على مرمى حجر من المقر الرسمي للبابا شنودة بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية ..
هذه التظاهرات والتي نادت لأول مرة في التاريخ المصري المعاصر ليس فقط بعزل البابا شنودة ولكن أيضاً بالقبض عليه ومحاكمته على ما اقترف في حق مصر مسلميها وأيضاً مسيحييها من تصرفات وأفعال عدها المتظاهرون جرائم خطيرة تمس الأمن القومي المصري.. وكذا تبث الفرقة والبغضاء والفتنة والشقاق في النسيج المصري المسيحي والمسلم والذي ظل على متانته وسلامته وقوته مئات السنين إلى أن جاء شنودة وفعل ما لم يستطع أن يفعله أعتى المستعمرين وألد أعداء المصريين ..
كانت هذه التظاهرات بمثابة الشرارة الأولى وبشائر الحصاد ونتائج غراس سياسة شنودة نظير منذ أن صدر القرار الأشهر من الرئيس الراحل محمد أنور السادات باعتقال البابا شنودة وعزله عن منصب البابوية وإيداعه وتحديد إقامته بأحد الأديرة وذلك ضمن قرارات سبتمبر المعروفة والتي صدرت بغية السيطرة على بذور الفتنة التي لحظتها عين السادات وبدأت تطفو على السطح .. و إثر مقتل السادات على أيدي إحدى الجماعات الإسلامية (أعلنت ندمها وتسرعها مؤخراً على قتلها للسادات ) ..فقد رفض القضاء المصري تظلم البابا شنودة من واقعة عزله وأيد القضاء قرار الرئيس السادات واصفاً إياه أنه جاء مطابقاً لصحيح القانون ..
ثم أصدر الرئيس مبارك قراراً جمهورية بإعادة البابا شنودة إلى منصبه البابوي في عام 1984 تقريباً ومنذ هذا التاريخ حتى يومنا هذا جرت في أيام مصر مياه كثيرة كان للبابا شنودة دور البطولة الأول فيها وذلك نتيجة لسياسته المعتمدة على الحرص على إبقاء الملف المسيحي مفتوحاً وساخناً على أجندة الأحداث الجارية تارة بتصعيد ملف بناء الكنائس واتخاذ سياسة الأمر الواقع لإحراج النظام وتارة أخرى بتنشيط سياسة توسيع الأديرة عن طرق ضم أكبر مساحة ممكنة من الأراضي المحيطة بها والتي تبلغ أحيانا عشرات بل ومئات الأفدنة من أراضي الدولة واعتبارها تابعة لأملاك الكنيسة .. وكذا مد خط التواصل والتنسيق و"التعاون" الوثيق بطرق "غير مباشرة" مع آلاف المسيحيين المصريين بالخارج وخاصة أمريكا والذين كونوا ما يشله اللوبي الخارجي الضاغط على النظام المصري عن طريق مهاجمة رئيس مصر في زياراته الرسمية الخارجية بقصد إحراجه وإضطراره للرضوخ لمطالب
الكنيسة داخل مصر وذلك عن طريق التصيد لأحداث عنف أو جرائم فردية أحد أطرافيها مسيحي وترويجها في الخارج وتصويره على أنه إضطهاد وعنصرية وتصفية عرقية من المسلمين ضد المسيحيين في مصر مع المطالبة بالتدخل الدولي ضد النظام المصري بقصد حماية المسيحيين "المضطهدين" واستخدام هذه الورقة للضغط للاستجابة لمطالب الكنيسة برئاسة البابا شنودة .. وأخيراً العمل على إلهاب مشاعر المسيحيين وإيقاظ النعرة الخطيرة بأن المسيحيين هم فقط من يحملون وصف (الأقباط) وهم أصحاب البلد الأصليون بينما المصريون المسلمون هم غزاة وعرب غرباء ومستعمرون ومغتصبون للتاريخ المصري (المسيحي) وصبغه بغير الحقيقة والواقع باللون الإسلامي الدخيل .. هذه النعرة ظهرت بوضوح وأفصحت عن نفسها بقوة في كلمة الأنبا توماس أسقف القوصية في محاضرة له بأمريكا وتحديدا في معهد هادسون في العام 2008 والتي استهلها بشكه للقائمين هناك على نشر الوعي ثم قال في كلمته التي نقتطف منها بالنص :
(فعندما جاء العرب إلى مصر أو احتلوها لم يستطيعوا أن ينطقوا كلمة "ايجيبتوس"ذلك بسبب الاختلاف اللغوي لذا فقد نطقوها "قبط)
وقال:
(فالشخص القبطي يشعر بالإهانة إذا قلت له إنك عربي، فنحن لسنا عرباً بل مصريين.وإنني سعيد للغاية لكوني مصريا ولا أقبل أن أكون عربياً،)
وقال:
( فقد تم تهميش الثقافة المصرية القديمة،هذا يعني أن عملية التعريب ما زالت مستمرة في دولتنا منذ عدة قرون أي منذ القرن السابع الميلادي)
وقال:
( السؤال هو ما الذي يجعل المصري غير قبطي؟هذا ببساطة نتج بسبب التحول الذي حدث بمصر منذ أن أحتلها العرب،)
وقال:
(هذا يعني أنك إذا حاولت أن تدرس لغتك في مدرسة عامة فليس لك الحق في فعل ذلك.مما يجعل الكنيسة تقوم بمسئوليتها للحفاظ على هذا التراث, والعمل من اجل ذلك, فهي تقوم بدور الحاضنة الجيدة لذلك التراث.إلى أن يحين الوقت الذي يحدث فيه انفتاح وتنوير وتعود دولتنا لجذورها وتعلو عليه)
وعن فن الزخرفة "الأرابيسك" الذي قال أنه فن مصري تم تعريبه وأسلمته قال الأنبا توماس:
(هذا يعني أن ثقافتنا قد تم سرقتها فجأة سميت بأسماء أخرى,وهي عملية سطو تاريخي ما زالت مستمرة حتى الآن)
وقال:
(عندما تدرس التاريخ عليك دراسة تاريخ المعارك والفتوحات الإسلامية, مما يعني أن على الطفل الصغير أن يمجد القوات العربية التي أتت إلى بلده وكيف يكون شعوره)
وقال:
(سنأخذ أمثلة قليلة فهناك الكثير ولكني سأعطي أمثلة فيما يكتب وينشر في وسائل الإعلام فهناك مثال لما كتب بمناسبة هجوم مجموعة على الرهبان في دير أبو فانا بملوي,الذي حدث أن 7 رهبان تم اختطافهم وتعذيبهم وقد كتبت بعض وسائل الإعلام عن محاولة استنطاقهم شهادة الإسلام حسب ما قاله الرهبان في مقابلاتهم لوسائل الإعلام, ونعرف ما هو رد الفعل لذلك؟ كان رد الفعل هو استدعاء المفهوم الديني وتصوير الموقف على أنه نزاع على أرض، فالقضية الأساسية كانت أكثر من نزاع على أرض فالنزاع كان مجرد قضية فرعية, فالقضية كانت احتجاز رهبان وخطفهم وتعذيبهم وهو ما لم يؤخذ في الاعتبار.وهو ما يخلط الأمور فهناك صورة وهناك واقع)
وقال:
( وما أريد أن أقوله بأنه مهما واجهتنا مثل تلك الصعوبات لكن ما زال لدينا القوة, لان الحق هو القوة والحب هو القوة, وكذلك الأمل قوة, وهو ما يجعل المسيحيين في مصر مستمرين بالرغم من الهجرة الكثيرة لهذا البلد,لكنني لست قلقاً من هذه الهجرة فنحن أقل من دول كثيرة في منطقتنا)
هذه المحاضرة التي ألقاها الأنبا توماس أسقف القوصية بصعيد مصر في أمريكا في 2008 ثم عاد بسلامة الله وأمنه إلى (بلاده) آمنا مطمئناً لم يخدش أحد ذيل جلبابه الكهنوتي ولم يسائله أحد على خطابه الذي بقدر ما يصب في خانة التطرف وبث الفرقة والفتنة فإنه يسير في ذات السياسة التي انتهجها القائد الرمز .. وهذه المقتطفات تعبر عن الخطاب الشنودي وقيادته للكنيسة في إطاره على مدة أكثر من ثلاثين عاماً شهدت تظاهرات للمسيحيين واحتجاجات واتهامات للطرف الآخر بالخطف والسرقة والتخريب والتدمير والإجبار على "الأسلمة" أي التحول للإسلام والتهجير إلى حد إستعمال ألفاظ ومصطلحات من قبيل التطهير العرقي والعنصرية وما شابهه .. كل تلك الأحداث كان طرفاها الوحيدان الكنيسة ممثلة في رأسها البابا شنودة وبين السلطة والحكومة ممثلة في النظام .. بينما الغالبية الكاسحة من المصريين المسيحيين والمسلمين لا زالت تعيش في علاقتها التاريخية من حيث الود والإخاء والتعايش والتواصل والمحبة دون إكتراث أو على الأقل التداخل في المعركة القائمة والتي لا تهدأ بين شنودة ومن خلفه كهنته وبين النظام ... حتى جاءت حكاية كاميليا شحاتة زوجة كاهن ملوي التي تحولت إلى الإسلام وما صحب ذلك من تجييش وحشد المسيحيين للتظاهر بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية "كالعادة" ثم قيام السلطات بالقبض عليها وتسليمها كمثل سابقاتها "وفاء قسطنطين" زوجة كاهن آخر وغيرها للكنيسة ليقوم البابا شنودة بحبسها وإخفائها في أحد الأديرة التابعة للكنيسة ويصدر قراراً بعدم رؤية أي منهن النور وربما الحياة إلى الأبد وهو ما أهاج منظمات حقوق الإنسان وتواتر البلاغات إلى النائب العام ضد البابا شنودة باعتباره ارتكب بذلك جرائم جنائية منها الخطف والحبس دون سند قانوني والتعذيب والإخفاء وربما القتل حيث راجت شائعات عن مقتل وفاء قسطنطين تعذيباً بالدير .. والأهم من ذلك إهاجة الشعب المصري المسلم إزاء استفزاز تصرفات البابا شنودة وضربه بالشعور الشعبي عرض الحائط وكذا الغمز المتصاعد بالاستقواء بالخارج
وأخيراً صدمة ضبط السلطات بميناء بورسعيد لسفينة محملة بأسلحة وذخائر مرت قبل قدومها على إسرائيل والقبض على مالكها الذي اتضح أنه إبن لكاهن إحدى الكنائس ببورسعيد ولخطورة هذا الحدث القصوى فقد تم إعتقاله مما أضاف ملحاً على الجراح وهز جنبات الشعب المصري بأسره وفي ظل هذه الأجواء الملتهبة التي تطل منها صورة البابا شنودة بقوة وبشدة في إثارة حفيظة المصريين .. الذين ما عرفوا وما شهدوا من قبل مثل هذه التصدعات والتشققات في جدار الوحدة ولا مثل هذه المرارة وهذا العلقم في فم المصريين مسلمين ومسيحيين ..
وهو الأمر الذي اندلعت على إثره تلك الشرارات الأولى التي تمثلت في التظاهرات "الرمزية " للمصريين المسلمين
في القاهرة والإسكندرية والتي تطالب بعزل ومحاكمة البابا شنودة حيث راجت على الإنترت وعلى اليوتيوب قرارات سبتمبر التي أصدرها "بقوة" الرئيس الراحل محمد أنور السادات وأخصها قراره الأشهر بعزل البابا شنودة واعتقاله وتحيد إقامته بأحد الأديرة وتكوين لجنة خماسية من الكهنة لإدارة الكنيسة الأرثوذكسية المصرية على رأسها الراحل الأنبا متى المسكين الذي كان وما زال يتمتع بحب جارف واحترام كبير من كافة طوائف المصريين مسلمين و مسيحيين .. ولتكون هذه الشرارة بداية حصاد البابا شنودة المر لما غرسته يداه على مدار الثلاثين عاما الأخيرة ...
التعليقات (0)