الكنيسة القبطية بين نارين
بقلم : حنان بكير
يطرح موضوع ألكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وقرار المحكمة، ألذي يلزم الكنيسة بالسماح، للمطلّق بالزواج مرة ثانية... الكثير من الجدل والمناقشات، من كافة الناس سواء أكانوا مسلمين أومسيحيين..
بداية، إن ما يلفت الاتنباه في هذه المناقشات، هو أن كل طرف، ينطلق من معتقداته الدينية، كمسلمات ثابتة وملزمة ، دون مراعاة، أن معتقد كل طرف إتما يعنيه وحده، ولا يلزم الطرف الآخر.. ولا يحق لشريعة أن تفرض نفسها على غير أتباعها..
فمن زاوية إنسانية بحتة، من الظلم، عدم السماح لمطلق بالزواج مرة ثانية، وكأن على الانسان، أن يعاقب مدى الحياة ، بسبب تعثر وسوء حظه وكأنها نهاية الدنيا.. لكن من وجهة نظر العقائد الدينية، فلا يمكننا مناقشة الأمر، لأنه من اختصاص رجال الدين... وأن يأتي القرار، من محكمة تستند إلى الشريعة الإسلامية في أحكامها، وتريد إلزام الكنيسة بتغيير عقيدة ما، فهذا أمر سيؤدي إلى تعقيد الإشكالات الدينية الحاصلة أساسا بين المسلمين والأقباط ، ويأتي قرار المحكمة في توقيت غير مناسب، كما أشار إلى ذلك البابا شنوده.. وأن مثل هذا الأمر كان من الممكن مناقشته، عبر الجهات المختصة، وليس في المحاكم، رغم تقدم أحد الأقباط برفع قضية بهذا الشأن، وكان من الممكن النظر إليها كدعوة فردية، ولا تلزم بتغيير العقيدة..
ولنطرح السؤال التالي: ماذا كان سيحصل لو أن المحكمة، أصدرت قرارا بمنع تعدد الزوجات مثلا ؟ فمن وجهة نظر إنسانية، أيضا، هو انتهاك لحقوق المرأة ويمسّ مشاعرها وكرامتها، وان تعدد الزوجات أو الطلاق المجحف من طرف واحد وهو طرف الرجل بالطبع، هو انتهاك لحقوق الإنسان وامتهان لكرامته.. والدليل على ذلك هو عدم تقبل المرأة لهذا الأمر، رغم تدينها ومعرفتها بهذا الحق المعطى لزوجها! بل هي تثور وتغضب، رغم علمها بأن هذا الرفض والغضب إنما يصب في خانة معارضة ما أحلّه الله.... وما زال الإعلام مشغولا بتلك المرأة الكويتية التي أحرقت خيمة عرس زوجها وحكم عليها بالإعدام، بينما تخفف العقوبة على الرجل إذا ما ارتكب جريمة تمسّ كرامته !!!
قد يجد الإنسان الفرد لنفسه مخرجا من مآزقه.. إمّا بالتحوّل إلى دين آخر، بداعي المصلحة، أو عبر الزواج المدني.. وهذا ما يوفر على الدولة والكنيسة الإحراج، والدخول في متاهات لا تؤدي إلا إلى إذكاء الصراعات الدينية بين أبناء الشعب الواحد..
وهنا تحضرني قصة قديمة، تعود لخمسينات القرن الماضي، حيث امرأة مسلمة متزوجة من طبيب مثقف.. لكنه معروف في أوساطه بشراسة أخلاقه، وصعوبة التعامل معه.. وعندما طفح كيل الزوجة، التي أصرت على طلب الطلاق لكن دون جدوى، بسبب تعنت الزوج ورفضه ذلك، وذهبت أدراج الرياح توسلات المرأة للقاضي.. إلى أن صرخت بوجهه.. إن لم تطلقني فسوف أتحوّل إلى المسيحية وأنزع غطاء رأسي.. ثم بادرت إلى نزع غطاء رأسها أمام القاضي، فما كان منه إلا أن طلقها في التوّ والساعة، على أن لا تخبر قصتها لأحد خشية أن تحذو النساء حذوها...
معروف أن موضوع الزنا في المسيحية أكثر تعقيدا وتشددا منه في الإسلام، حيث لا يمكن إثبات علّة الزنا، بينما في المسيحية فان مجرد الاشتهاء بالنظر يعتبر زنا.. لكن الغرب المسيحي قد تجاوز ذلك بتطبيق قوانين مدنية، دون المسّ بتعاليم المسيحية.
لذلك فان الطراز الأنسب من الحكم في المجتمعات المتعددة الديانات والطوائف ، إنما هو طراز الدولة المدنية ولا نقول العلمانية لما تثيره هذه الكلمة من حساسيات لدى الكثيرين، وحيث يتساوى المواطنون أمام القانون، وتصان حريات العبادة، وإلا فإن مجتمعاتنا ستظل تغلي على مرجل الأحقاد الدينية، والتي تشكل بدورها مناخا مناسبا لتوالد الأصوليات المتصارعة.
التعليقات (0)