الكرامة الإنسانية.. بين النظرية والواقع
د. كلثم جبر ..
كثيرا ما نقرأ آراء وأفكاراً ونظريات تتحدث عن الكرامة الإنسانية، وقد أصبح هذا المصطلح غريبا بعد أن كثرت الانتهاكات لكرامة الإنسان، وحظيت الحيوانات في بعض البلدان بعناية أكثر مما يحظى به الإنسان في بلدان أخرى، وهذه الممارسات تدل على مدى المهانة التي وصل إليها الإنسان ومدى الظلم الذي يتعرض له على يد أخيه الإنسان، رغم أن كل الأديان حفظت له كرامته وصانت نفسه وعرضه وماله من أي انتهاكات قد يتعرض لها على أيدي من تحالفوا مع الشيطان، وكانوا عونا له في نشر الظلم والفساد بين الشعوب المغلوبة على أمرها بعد أن خضعت للسيطرة الأجنبية الغاشمة التي استغلت ثرواتها أبشع استغلال، ومرغت كرامة أبنائها في الوحل، من أجل ذلك تعقد المؤتمرات، وتنظم الندوات والحلقات الدراسية، وتقام الاحتفاليات الموسمية في أيام عالمية تسهم في حفظ حقوق الإنسان وصيانة كرامته، وما ذلك كله سوى اعتراف واضح بأن كرامة الإنسان مازالت تعاني من الانتهاكات في أكثر من جزء من هذا العالم المهدد بسوء العاقبة نتيجة التدهور الأخلاقي والانحراف السلوكي، ما لم تنقذه القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة، وما لم تتحدد وتتحقق أهداف تلك المؤتمرات والندوات وغيرها من مظاهر الدعوة لصيانة كرامة الإنسان.
ومع الإجماع العالمي على صيانة كرامة وحقوق الإنسان.. فإن ثمة التباسا يعتري الطرح لهذا الموضوع الشائك عندما يفهم ويفسر الهدف من مناقشه حفظ كرامة الإنسان على غير حقيقته، فالدول الكبرى المقتدرة على تجاوز الأنظمة والقوانين الدولية ترى الأمر من ناحية مصالح مواطنيها فقط ولا تهتم بالآخرين من قريب أو من بعيد، ودون أن تحرص على تلميع صورتها في الخارج رغم ما يكتنف سمعتها في الخارج من سوء، لكن النقيض يأتي من الدول النامية التي ترى في الأمر عكس ذلك عندما تحرص على تلميع صورتها في الخارج على حساب مواطنيها، فهي تحرص على كرامة العاملين لديها من الوافدين أكثر من حرصها على كرامة مواطنيها، لأنها قادرة على قمع مواطنيها لكنها غير قادرة على قمع أي تشويه قد يلحق سمعتها في الخارج إذا أبدت أي تقصير تجاه الوافدين، وهذا التناقض في الموقفين بين الدول الغنية والدول النامية يظهر البون الشاسع في فهم الأهداف المتوخاة من أي مؤتمر أو ندوة أو أي نشاط إنساني يسعى لحفظ كرامة الإنسان، وحينها تختفي نصوص دساتيرها الوطنية خلف مظاهر المحافظة على السمعة الخارجية، ومحاولة إرضاء الجهات المسؤولة عن حقوق وكرامة الإنسان، ولو أنصفت ونظرت إلى الأمر بواقعية أكثر لعرفت أن تلك الجهات يهمها في الدرجة الأولى أن تحافظ الدولة على مصالح مواطنيها دون أن تتجاهل حقوق الوافدين إليها، كما أن كرامة الإنسان لا تتجزأ أينما كان، لكن التزام الدولة بمواطنيها يأتي في المقام الأول لاهتماماتها وهمومها حين تقف مباشرة أمام مسؤولياتها التي وضعت لتنفيذها القوانين والأنظمة الهادفة لمصالح أولئك المواطنين.
جريدة الراية القطرية 22/2/2010
التعليقات (0)