الكتاب سلالة معرضة للإنقراض!!!
للكاتب الدكتور محسن الصفار
لا يخفى على أحد أن الكتاب هو من أهم مصادر تزويد المجتمعات بالثقافة والعلم والمعرفة وكان الكتاب دوماً خير جليس للإنسان كما وصفه العرب وتبارت الامم في نشر الكتب وإقامة المكتبات وكرمت الأدباء والكتاب وكان العرب من أول من ترجم كتب الحضارات اليونانية والرومانية الى العربية وكانت مكتبة دار الحكمة في بغداد أكبر مكتبة عرفها العالم في زمانها حتى أن بعض الخلفاء كان يكافيء كل من يكتب كتاباً أو يترجمه الى العربية وزن الكتاب ذهباً وفضة.
وفي عصر الطباعة وإزدهار الكتاب في العالم كان للعرب أيضاً نصيب وافر منه وكانت مطابع القاهرة وبيروت تطبع الكتب بلا توقف ليلاً ونهاراً وكانت الكتب تصدر بكميات هائلة الى باقي الدول العربية.
أما الكتاب اليوم في العالم العربي فهو مهجور ومظلوم ومتروك فبينما يطبع من أي كتاب في أمريكا بالملايين وترى المؤلفين يكونون ثروات خيالية من جراء نشرهم لكتبهم وترى الناس تستغل كل فرصة لقراءة كتاب حتى في الباصات او وسائط النقل العام او المطاعم نجد أن ما من كتاب في العالم العربي اليوم تطبع منه أكثر من 3 آلاف أو 5 آلاف ما لم يكن كتاب طبخ أو قراءة الطالع أو الأبراج!!! اما المؤلف فهو بالكاد يحصل على اي شيئ كنتيجة لتعبه وفكره وان كان هناك من ارباح فهي تذهب للمطبعة والموزعين , فياللحسرة على ما وصل إليه الكتاب في العالم العربي من غربة ووحشة حيث يندر ان ترى شخصا يمسك كتابا بيديه ويقرا فيه مالم يكن مضطرا لذلك حتى أن الكتاب كاد يصبح فصيلة معرضة للإنقراض في عالمنا العربي .
ولو تحدثنا عن البحرين بشكل خاص فسنجد أن المشكلة هي أضعاف ما عليه في باقي الدول العربية ففي البحرين ليس هناك مركز توزيع نشر وتوزيع اي بعبارة اخرى من يريد ان ينشر كتابا فعليه ان يطبعه ويوزعه بنفسه وعلى نفقته الخاصة وليست هناك مكتبة وطنية تعني بنشر الكتب بشكل لائق ومشجع فالمكتبات التي تعد على أصابع اليد تتعامل مع الكتّاب بفوقية وتعالي وترفض أكثر من نصف الكتب التي تأتي إليها بحجة عدم وجود مكان للعرض! وبعض المكتبات في البحرين كما ذكرت سالفاً لا تقبل إلا كتب الطبخ والتنجيم وترفض ما سواها من الكتب الأخرى حتى ان من يريد شراء اي كتاب علمي او تقني او طبي فليس لديه خيار سوى الذهاب الى دبي وشراء الكتاب والعودة .
إن تجربتي الخاصة عندما اصررت على نشر كتابي الاخير في البحرين وليس اي بلد اخر هي مادعتني الى كتابة هذا المقال فبين مأساة عدم وجود اي دور نشر تتبنى اي كتاب وعدم وجود اي دور توزيع تتولى بيع الكتاب في البحرين وخارجها تتحول تجربة نشر كتاب الى كابوس مرعب يجعل اي مبدع يفكر الف مرة قبل ان يؤلف اي كتاب مالم يكن كتاب طبخ !!! ان هذه الاوضاع تؤثر على رغبة المبدعين البحرينيين أو المقيمين فيها في نشر أي كتاب في البحرين و تجعلهم يؤثرون أن ينشروا كتبهم في دول أخرى مثل سوريا أو لبنان أو مصر أو حتى دبي التي أصبحت تتمتع بمكتبات راقية يسر كل زائر أن يدخل إليها ويتفرج او يشتري الكتب المعروضة فيها.
إن من واجب وزارة الإعلام وقطاع الثقافة وقطاع النشر في البحرين السعي لإنشاء مراكز لبيع الكتب في البحرين وكذلك مساعدة المؤلفين والناشرين على توزيع كتبهم خارج البحرين فليس من المعقول ترك الفكر والكتاب تحت رحمة اصحاب البرادات يقررون مايجب ان يباع مما لايجب !! فكل كتاب يؤلف ويطبع وينشر في البحرين هو إنجاز ثقافي للمملكة لا يجب الإغفال عنه ويجب تشجيع الابدعات والمواهب في الكتابة عبر انشاء دار وطنية للنشر والتوزيع على مستوى عالمي تتبنى الكتب الجيدة وتقوم بطباعتها بشكل لائق وتوزيعها في البحرين والمشاركة في جميع المعارض العربية والدولية للكتاب لنشر هذه الكتب والتعريف بها وعدم ترك الكتب وعصارة الفكر البحريني تذهب ببساطة الى دول أخرى.
إنني أتمنى ان أرى حملة وطنية لتشجيع الكتاب في البحرين قراءة ونشراً وتأليفاً وتوزيعاً اذ ان الكتاب هو وقود الفكر وعمود الحضارة ولاتتقدم امة من الامم الا بمقدار قربها من الكتاب وحبها له واتمنى أن يعامل الكتاب مثله كمثل سائر الفصائل المعرضة للإنقراض وحمايته.
mohsensaffar@gmail.com
التعليقات (0)