أ.د.نصيف جاسم
لاشك ان الكتابة فن جميل يستهوي الكثيرين مذ بدأ التدوين، ولولا ثلة من الكتاب الذين قاموا بتدوين الاحداث والوقائع ماعرفنا شيء عن تلكم القرون والسنوات والايام وما مر بها من مشاهد اشتملت افرادا ومجتمعات، ويحكي لنا تاريخ التدوين والكتابة كثير من الحكايات التي ربطت مابين الكتابة والكاتب وبين احداث جرت وما كان الموقف من تلك الاحداث ،وافرز لنا هذا السجل انواعا من الكتاب،منهم من ارتضى ان يكون لسان حال السلطة،او المؤسسة التي يعمل لصالحها ،فتراه مدافعا عنها في الحق وفي الباطل، محولا قلمه الى يراع لقطع اوصال الحقائق ،والى مقابر لدفن الاحداث ،مع علمه بأن منهجه وضيع غير علمي ولاانساني، فضلا على انه يفهم مع من يعمل وعن من يدافع،وهناك نمط اخر اتخذ موقفا مهادنا وسطيا لاتعرف منه حق ولاباطل ،سطر يكتب لهذا واخر يكتب لذاك ،مسلحا بدرع المجاملة التي كثيرا ماتجره الى مطبات لاتحمد عقباها ،منها، ان منهجه مفضوح بالمستطاع امتطائه،اما النوع الثالث فهو الذي جعل من افكاره وقلمه ميدانا للدفاع عن الحقوق والمظالم وتعرية سلبيات السلطان ،او المؤسسات التي يعمل لصالحها ،وهذا النوع رغم قلته في اوساط الكتابة الادبية او الصحفية على مستوى العالم الا انه ينجح هنا ويفشل في مواضع اخرى ،ويسرد لنا التاريخ الصحافي بعضا من حكايات الكتبة في احداث فيتنام او مايجري في دول تعيش اياما ساخنة الذين نقلوا كثير من الحقائق التي شوهها الاعلام المؤسساتي ،وكيف انهم تعرضوا الى ضغوطات منها عدم النشر وطلب مصادر المعلومات ،الى غير ذلك ،مايعني ان العمل الكتابي صار امام حقائق التاريخ من حيث تاكيد الدور المنوط بالكاتب ازاء الاحداث التي تمر في بلده ،وما الذي يمكن ان يؤديه مهما كانت الصعوبات التي تجابهه ،ان كانت مادية او معنوية ،والاهم ان لايتحول الى قلم سلبي نحو مايجري ،سلبي في قراءته للاحداث ،سلبي في تحليلاته وتجلياته لايعجبه العجب ،خاصة في القضايا التي تمس سمعة وطنه او مواطنيه ،وبطبيعة الحال لانريد كاتبا ملمعا للمؤسسة ورجالاتها، ولسانا يردد صداها،ومن يطلع على الاحداث التي تجري في الدول المجاورة نجد ما افرزته الاحداث من نتاجات كثير من الكتاب الذين مازالوا يعيشون زمن الانظمة التي كنسها التاريخ ،يرددون مدافعون عن ترهات تلك الانظمة، رغم الحقائق الجديدة التي لايمكن ان يغفلها ذو بصيرة ،وبالمقابل نجد من يكتب وهو يعرف انما يكتب في زمن ساخن ،وفي موقف ساخن يتطلب الاناة والصبر والحكمة وتقصي الوقائع وقول الصحيح بعيدا عن تقولات من يتقول ،ولاشك ان الكاتب له الحرية في مايريد ان يكتب وهو حق مكفول ،شرط ان يكون نتاجه نافعا مفيدا في مجتمعات لها تقاليدها وتراثها ، ولاتسمح مساحة الحرية لكي يتحول الكاتب ونتاجه الى معول هدم للمجتمع ،خاصة في الامكنة الحساسة التي تمس الحياء والاخلاق والدين،واشياء الناس ذات الصلة ،وحصول العكس يعني ان الغاية الابداعية تحولت الى سفاهة وتخريب ليس منه مراد،ولاباس ان يطرح الكاتب شؤون المجتمع وهواجسه وانشغالاته بروح الباحث عن الحقيقة والنتائج ،وليكن رومانسيا او واقعيا او تجريديا في طروحاته، فهذه مساحته التي يبدع فيها ،بالعكس فهنا يكمن جوهر الابداع الكتابي الذي نتمناه ولنا في نتاجات الادباء والمثقفين والشعراء امثلة حية على اسلوبية تناول المشكلات الانسانية والصياغات الفنية التي عملوها، وهناك الكثير،من هنا فأن الكاتب معني قبل غيره بالحفاظ على تراث جيل من الكتاب المبدعين الذين عملوا في ظروف صعبة ساخنة لكنهم استطاعوا ان يقدموا اشياء مهمة ونافعة،بل ان عددا لايستهان به دفع حياته ثمنا ازاء مايؤمن به.
http://www.beladitoday.com/index.php?aa=news&id22=2677
التعليقات (0)