مواضيع اليوم

الكاتب وليد إخلاصي .. لقاء خاص ـ 3 ـ القسم الأول

يوسف رشيد

2010-10-03 15:04:38

0

الساعة الثالثة :
حلب ـ 8ـ13/8/1993

قبل البدء ، سأعتذر من السادة القراء سلفا ، لأنني مضطر لتقسيم هذه الساعة إلى قسمين ، نظرا للكم الكبير الذي يحتويه هذا الشريط ..
القسم الأول :
ـ أرجو أن تحدثني الآن عن الينابيع الثقافية التي استقيْتَ منها ، في بداياتك ، اهتمامَك بالثقافة : الكتب التي قرأتها .. الأشعار .. كيف تعاطفتَ مع الأدب الذي أحببْتَه ؟ من الذي فتح لكَ آفاقا واسعة في حياتكَ الأدبية .. في فكرك .. في وعيك ..
ـ أنا ذكرت بعض الأسماء ، خصوصا في قضايا القصة ، والمسرح ، والرواية .. واهتممت كثيرا ـ وما زلت ـ يأسرني المنهج العلمي .. مثلا : إذا خيِّرتُ الآن أو سابقا ، بين قراءة كتاب في الفلسفة ، جميل بشكل ما ، وبين رواية .. فالرواية تأتي في المقام الثاني ..
في الشعر ، لي مزاج خاص في قراءة الشعر ..
مثال : من الشعراء القدامى ، كنت أحب طرَفَة بن العبد كثيرا .. بعدئذ ، اكتشفت السبب .. فالحسّ التراجيدي ، كان عظيما عند طرَفة ..
مثلا : أبو تمام .. بعض أشعاره ساحرة ..
المتنبي : لم أكن أحبه كثيرا ..
ـ كنتَ وما زلتَ ؟ أم كنتَ ؟
ـ إذا سئلتُ اليوم ـ وهذا رأيٌ ليس للنشر كي لا أرجَم بالحجارة ـ مثلا ، فأنا الآن أرى أن محمود درويش ، أشعرُ من المتنبي .. لكن هذا لا يعني أن المتنبي ليس عظيما .. فله أشعار أحفظها ..
في الشعر الجاهلي ، عندما كنت أفهم مفرداته ، كان أعظم كثيرا من شعر صدر الإسلام . . أنا لا أحب البوصيري .. فالذي كان يلفت نظري أبو نواس .. كان شاعرا عظيما عندي ..
قد يكون خرْقه للمألوف وللمتعارف عليه ، هو سبب لفت نظري ..
المتنبي ، له أشعار عظيمة .. وهو شاعر عظيم ..
لكن ، متى أستمتع ؟؟
أنا اكتشفت أن محمد الماغوط شاعر جدُّ مهم في تاريخ الشعر العربي ..
منْ هو الشاعر العظيم ؟؟
كنت أسأل نفسي ذلك السؤال .. قد لا تتوفر لي الإجابة ..
فسؤال مثل : لماذا أحببت تشيخوف ؟؟
دانتي ، قرأته مبكرا ( الكوميديا الإلهية ) .. هو شاعر عظيم .. لكن ، لم يحفر في أعماقي كما حفرت قصة صغيرة لتشيخوف ..
أحببتُ شيكسبير كثيرا .. لأنه ذا غنائية غير مجانية ..
ـ ماذا تعني ؟؟
ـ يعني : كان ساحرًا .. اللغة العظيمة لها مدلولها ..
ـ قرأتَـَه بالعربية ؟؟
ـ طبعا ..
من الكتاب الذين لا علاقة لهم بالفن : أبو حيان التوحيدي .. لعب دورا كبيرا .. قرأت مبكرا : الهوامل والشوامل ، للحوار الذي قام بين ابن مسكويه ، وأبي حيان التوحيدي .. أصِبت بالدهشة ، فكيف يستطيع إنسان واحد أن يرد على جميع الأسئلة ، مهما تنوعت ؟؟!!
إذن ، عندما كنا نسأل أستاذ العربي سؤالا ، كان يمكن أن يوازن بين أبي تمام والمتنبي ، لكنه ، هل يمكنه أن يقيم موازنة بين المتنبي وآينشتاين ؟؟!! ليس بينهما علاقة ..
أنا ابتدأت الحوارات الثقافية في ذهني على هذا المنوال ..
دائما ، كان السؤال التالي يشغل بالي : من الذي صنعه وجدان العالم ؟؟
عندما قرأت ( لاوتسي ) في ( طريق الفضيلة ) ، أحسست أنه أقرب لي بكثير من ابن تيمية مثلا ، وبعض المفكرين الإسلاميين .. لكن ابن عربي ، سحرني ..
القراءات الدينية ، لم أكن أحبها كثيرا .. السبب : لأنني أكرهتُ عليها .. قرأت ( إحياء علوم الدين ) ، وأنا صغير .. وعندما قرأت ( نهج البلاغة ) ، سحرني إيقاع اللغة .. تصورت أن مجمع حكماء يصدر في كل سطر قانونا جديدا للحياة وللعلاقة ..
أنا الآن ، لا أحفظ شيئا من نهج البلاغة ، لأنه مضى وقت طويل عليها .. لكني ما زلت إلى الآن ، أحمل هذا الطنين البلاغي ، ذا المعنى العميق ، الذي لعب دورا هاما في اتباعي منهج الاقتصاد اللغوي .. وكذلك القرآن الكريم ..
أنا أصل إلى المعنى ، بأقل قدر من الكلمات ، ولذلك ، أكتشف بعد قراءتي للمنفلوطي ، في شبابي الأول ، أنه ( يطلـِّع الروح ) .. كان الناس معجبين بأحمد حسن الزيات ، ولم أعجب به أنا .. وفريد وجدي كذلك ..
أعجبت بالمازني كثيرا .. وبطه حسين ، وخصوصا عندما سمعت حديث طه حسين ..
للآن ، صوته يهز روحي ، وهو يلقي الكلام ، وليس هناك من حرف زائد ، أو ناقص ..
أنا أكنُّ كراهية فظيعة للشعراء الذين يحكون كلاما ..
ـ مثل ؟
ـ أسماء كثيرة ، ولاسيما المُحْدَثون ، وبعض شعراء التفعيلة السخفاء .. يحكون كلاما فارغا ، لا يعني شيئا ..
إذا كان هناك اجتماع رسمي ، في المهنة ، أو في اتحاد الكتاب ، فعندما يصير الكلام فارغا ، أتململ .. وأنسحب .. ثم أتغيب عن الاجتماع التالي ، لأنني لا أستطيع الاحتمال..
فاللغة جِدُّ مقدّسة عندي .. ولها وظيفة يجب أن تظهر مفاتن المعنى .. فعندما تكون اللغة فضفاضة ، لا يظهر الصدر أو العجز ، بالمعنى الجميل .. أريد اللغة على قدِّ المعنى تماما .. فعندما أقرأ ( راسل ) ـ الفيلسوف الإنجليزي ـ يعجبني وأستمتع في قراءته ، أكثر مما أستمتع بقراءة إحسان عبد القدوس ، رغم أن هذا روائي مهم ، لكني أحس أن لغته ( فضفاضة ) ، كثيرا ..
الذي أدهشني ، وتابعته من الروائيين : نجيب محفوظ .. رجل يصل إلى المعنى بخط مباشر ، بالرغم من رمزيته التي ليس لها حدود في إدهاشك ..
أنا وصلت الآن إلى قناعة : أنني لا أكمل قراءة الكتاب الذي لا تعجبني صفحاته العشرون الأولى ..
لم يعد يهمني ذلك كثيرا ، لأن وقتي مشغول ، وغير قادر على احتمال الكلام الفارغ ..
وقد أدهشني العلايلي ، الشيخ عبد الله .. رأسا استعدْتُ عَظمَة القدَ .. اللغة على قدّ المعنى .. وسبب أهميته : أن منهجه ، علمي ..
أنا أتصور : لو أن علي بن أبي طالب حي الآن ، يجوز ألا يستخدم نفس الشكل اللغوي ، لكنه لن يكون ثرثارا بأي حال من الأحوال .. لن يكون ثرثارا ..
أنا أستغرب من رجل في بيئة بدوية ، يستطيع أن يستخدم المنهج العلمي ، في تلبيس اللغة للمعنى بهذه الطريقة !! مدهش ، وغير طبيعي ..
في زماننا ، كان الطاغي : جبران .. أحبه كثيرا أنا .. ولم يفقد أهميته ، لأنه خلصني من المنفلوطي ..وهو تأسيس لحركة الحداثة والتجديد ، وغير ذلك ..
فأنا أكره أن أعطيَ حكمة .. يعني : عندما أكتب ، لا أريد أن أعطي للقارئ حكمة ، أو موعظة ..
فهناك التعالي السياسي ، وهناك التعالي اللغوي أيضا .. إن إنسانا يجعل من نفسه نبيا في هذا العصر .. لا أقبل ذلك .. فأنا أقرأ ( النبي ) ـ لجبران ـ بين فترة وأخرى ، وأستمتع ..
فالتكنيك الأساسي في الفن ، هو أن لا تتعالى ، ولا تفرض نفسك ..
أنا في ذاتي ، أكون سعيدا عندما أؤثر في الآخرين ..
بريخت .. رغم إعجابي الشخصي به ـ لأنه أحدَثَ إضافة ـ لكني أكره الجانب التعليمي فيه .. لماذا تعلمني ؟؟!! اتركني ..
آرثر ميللر .. كاتب معاصر ، يطرح قضية دونما تعليم ..
جورج شحادة .. يسحرني .. ساحر .. في نهاية الفصل ، لا يقول لك كذا ..
ـ " رسول حمزاتوف "
هذا ستعتبره طفلا جميلا جدا .. لكن ، عندما يبلغ الوعي ، ويقول : حبّوا بعضكم .. لا أقبضه ..
بشكل عام ، هو طفل موهوب ونقي جدا .. لكنه أحيانا ينسى ، ويتصور نفسَه عضوا في اللجنة المركزية ، ويعطي إيحاء .. يضايقني هذا .. فالمباشرة ، والتعليمية ، والترغيب ، والترهيب ..لا أحبها .. هذا احتقار لذكائي ..
ـ " جينكيز آيتماتوف "
فنان .. كاتب عظيم .. فنان كبير .. هذا لا يعني أن حمزاتوف ليس فنانا .. كلا .. لكن جينكيز ، ليس مكسيم غوركي الذي يكتب ليعلمك .. مكسيم ، أيضا ، كاتب عظيم .. وهذا مزاجي الشخصي أنا ..
أحب موباسان جدا .. فهو كاتب ، فنان .. وبالأخير ، أنت الذي تستخلص الموعظة ..
أنا ، لي رؤية في العملية .. طبعا ، ليست رؤيتي الشخصية ، إنما استقيتها من الطبيعة ..
الفن مثل الزجاج ( البللور) .. كلما ازداد رُقيُّه ، يتحول إلى كريستال ..
الكريستال ـ الذي هو تقليد للألماس ـ متعدد السطوح .. يأتيه الشعاع ، فيعكسه بجميع الاتجاهات .. فأنت ترى الاتجاه الذي تريد ..
عندما يصبح الفن ذا سطح واحد ، لا يعكس لك سوى ما جاءه .. هذا هو التعليم المباشر ، الذي لا يعنيني شخصيا ..
فأهمية الكريستال ، أنه يعطيك فرصة لترى الحقيقة على أكثر من وجه ، وترى الجمال على أكثر من وجه .. وهذا الشيء ، لعب دورا في كتابتي ..
رغم أن لي مواقف في الحياة ، لكن ، لا أريد أن أمْليَها بشكل مباشر .. فليست مهمتي تعليم الناس الفضيلة ..
الفن عندما يصل إلى كماله ، ليس له سوى وظيفة جميلة فقط ..
ـ هل كان للأسماء التالية تأثير عليك : غوغول ، بوشكين ، دوستويفسكي ، تولستوي ؟؟
تولستوي : فنان عظيم ..
غوغول : مدهش .. هؤلاء مدهشون ..
أنا لا أخفيك .. إنني لم أستطع إكمال رواية ( الدون الهادئ ) لميخائيل شولوخوف ..
ـ لماذا ؟؟
أنا لا أريد لمن يبني لي بيتي ، أن يأخذني برحلة إلى مقلع الحجر ، وأشهد العملية منذ لحظة البدء ، بقطع الحجر ، فتسويتها ، فبنائها ..... أنا أريده ـ رأسا ـ أن يضع لي حجرا فوق حجر ، ويمضي .. (إذن ، على مبدأ الإسراف اللغوي ) .. بالضبط ..
ـ هل يستوي دوستويفسكي مع شولوخوف في ذلك ؟؟
ـ لا .. لا .. دوستويفسكي ، استطراده اللغوي ، يمليه لا وعيه العجيب .. وأنا واثق ، أنه لا يعي ما كان يكتب .. هذا شعوري ..
الآن ، تجد التكنيك الروائي الجديد ، أخطر بكثير من التكنيك الروائي القديم ..
إذا أخذنا ماركيز .. من هو ماركيز ؟؟ هو عودة سلفية ، بعبقرية .. ما السلفية هنا ؟؟ يعني أن تنبش الأسطورة لمجتمع ما ، ذلك أصلا ، عملية سلفية ، ولكن الوسائل المدهشة تعطي للأسطورة شكلا جديدا .. يعني : ليس ميثولوجيا ..
فالميثولوجيون : يقدمون لك الأسطورة بحفريات .. هذا لا ..
يحفر بأعماق الإنسان ، وأعماق المجتمع ، بطريقته الشخصية ، ويأخذ الأسطورة ، أو الشكل ، أو الخرافة ، ويصوغها بطريقته الجديدة .. هذا هو الخَلق ..
ـ لكني لم أستطع أن أقرأ ماركيز ..
هذا وارد .. لستَ أنتَ وحدك .. فكثير من الناس أيضا ، لم يستطيعوا قراءته .. والسبب : أنه نمط غير مألوف .. ولم نعتدْ نحن أن نقرأ هذا النمط .. وربما هناك أسباب أخرى .. وإذا لم تقرأ ماركيز ، فهذا ليس حكما عليك ..
أنا تعذبت بقراءته في البداية .. بعدئذٍ ، اكتشفت : بالرغم من أنه يتحدث عن أمريكيا اللاتينية ، إلا أنه قريب مني ، ومن حياتي .. فمثلا : ( خريف البطريرك ) : واحدة من أهم أعماله .. وهي أعظم عمل روائي في تشريح الأنظمة الديكتاتورية .. ولا يعادله شيء .. ولكن ، كأنما عجوز ثرثارة هي التي تتكلم .. ولكنكَ إذا أصغيْتَ لها ، تبدأ أنتَ بترتيب الأفكار ، وتمشي في السياق ..
ـ يعني : هي ثرثرة ، تحتاج إلى تنسيق ..
بالضبط .. ولكنه عبقرية خاصة .. وليست قضية مدرسة .. إنما هو بداية أسلوب جديد في أسطرة الواقع ..
ـ هل سبقه أحد إلى هذه الأسطرة ؟؟
نعم .. في الأدب العربي القديم .. في الأدب الهندي .. الصيني ..
مشكلتنا التي بدأتُ أعيها الآن ، أن المركزية الغربية هيمنت علينا ، لدرجة أننا لم نأخذ بالثقافة إلا الآتية إلينا من الغرب .. لكن ، لا .. يوجد في الشر ق كنوز هائلة .. حتى هنا ، يوجد الكثير دون أن ندري ..
فإذا قرأت كتابا للمتصوف الكبير فريد الدين العطار النيسابوري : ( منطق الطير ) : وهو كتاب صوفي ، فيه تكنيك روائي مدهش ، وفيه غرائبية ، وكأنما ماركيز ، استفاد من ذلك ..
الآن ، نحن لسنا بصدد: من الأهم ، ومن الأخطر؟؟
لكن ، يوجد شيء مهم : إن الإبداع الحقيقي لا يكرر ما قبله .. ففي كل عصر يوجد من يرفع اللواء ..
حتى نجيب محفوظ ، بعظمته ، يجب أن يظهر من يتجاوزه في المستقبل .. وإذا لم يظهر ، فتلك مصيبة ، وعقم ثقافي ..
ـ هل هناك بوادر لمن يتجاوز ؟؟
طبعا .. يوجد بعض النماذج الروائية المهمة جدا ..
ـ جمال الغيطاني ، مثلا ؟؟
جمال له عمل جيد جدا ..
ـ يوسف القعيد ؟؟
يوسف يدهشك ، لكنه لا يتجاوز نجيب محفوظ ..
ـ جبرا إبراهيم جبرا ؟؟
جبرا .. علم قائم بذاته .. هو حالة ثقافية نادرة ، تألق في أعمال ، وتفذلك في أجزاء منها .. لكنه تألق .. مثلا : (البحث عن وليد مسعود ) ، مهمة جدا .. لكن ( السفينة ) ، أهم .. لأن فيها روحا روائية .. أما البحث عن وليد مسعود ، ففيها روح ثقافية ..
ـ صاحب ( الأشجار واغتيال مرزوق ) عبد الرحمن منيف ؟؟
هذه الرواية بالذات ، فيها فذلكة سياسية .. تألق أكثر في ( مدن الملح ) .. وهو روائي ..
في نشأة روايتي ، على سبيل المثال ، أذكر في الثمانينيات ما حدث من أشياء في سورية .. وبالذات في حلب .. وهذه مازالت تحفر في ذاكرتي ، ولم تستوف بعد ..
الحدث الاجتماعي السياسي الذي حدث ، كان أكبر من الأعمال التي كتبتها ، وما زالت تعيش في ذاكرتي .. وفي وجداني ..
ـ تريد أن تقول : إن ما كتبته لم يفِ ، أو لم يعبر عما يجول في خاطرك ، وعما خلفته في نفسك أحداث 1980 ؟؟
بالضبط .. بالضبط ..الموضوع : مازلت أحس أنني استجبت عاطفيا ، ولم أكن دارسا استوفى الحدث ..
لما حدثت الفوضى المريعة ، في حلب بالذات ، وأصبحت شعبوية الشارع مسيطرة على كل شيء ، وهجمة الإخوان المسلمين ، وردة الفعل العنيفة أيضا من السلطة ، خلفت عندي شعورا .. لم يكن هناك منع للتجول ، لكن مُنِعَ التجول فترة قصيرة .. ولكن ، امتدت فترة طويلة من الإحساس بالغربة عندي ، لإحساسي بأن ما قد يصيبني شخصيا ، قد يكون خطرا جدا ..
أذكر في تلك الأحداث ، كنت في زيارة إلى دمشق ، وفي الطريق ، عانيت كثيرا من الحواجز ، ومن التفتيش .. وخطر في بالي : ماذا يحدث لو قسِّمَتْ سورية ؟؟!!
هذا الإحساس جعلني أتمسك كثيرا بالإحساس بأنني سأفقد شيئا ثمينا .. وظللت فترة ، لا أستطيع الذهاب إلى العمل ، أو إلى السوق .. ظللت فترة حبيس البيت ..
آنذاك ، استيقظت بي ذكريات الطفولة .. قضيت جزءا من طفولتي ، نلعب ، ونزور كثيرا دارا كبيرة تقع في حي الفرافرة ، أمام خان الوزير .. يسكنها عديد من العائلات ، ويسمى هذا المكان بالمنصورية .. والسبب : أن جدتي لأمي ، هي من عائلة المنصوري .. فعندما كنا أطفالا ، كنا نلعب في هذه الدار التي يسكنها أكثر من ست عائلات .. رجالها إخوة ، وتقوم الأم على رعاية الجميع .. وكنا نهابها ، بالرغم من أننا أقرباء .. وكانت لطيفة جدا ، لكن ، كانت صاحبة قرار .. تقول : كفوا عن اللعب ، نكف عن اللعب ..
عندما يأتي العيد ، أول بيت نزوره ، كان بيت هذه العائلة .. وكان هناك كثير من الشباب والصبايا من جيلي .. الشيء الذي لا أنساه ، هو وجود ثلاثة قبور قائمة في أرض الحوش .. هذه القبور هي بالتتابع لأجداد العائلة .. وكان هناك أيضا في غرفةٍ مقفلةٍ ، قبرٌ اعتبر وليّا ، هو الأب الأكبر لهذه العائلة ..
هناك مكان تجسّدت فيه تقريبا دورة الحياة والموت ..
الطفولة .. الحياة المشتركة .. الأموات ، وهم يعيشون وسط الناس .. وهذه الحالة ، لم أجدْها في مكان آخر .. هذا المكان استدعى مني أن أعود لأعيشه من جديد ..
في تلك الفترة من حياة سورية ، وحياة حلب بالذات ، ألحّت عليّ ذكرياتي في تلك الدار .. بالرغم من أن آخر مرة زرت فيها الدار ، كانت عندما توفيت إحدى الصبايا في حادث ..
الآن ، الدار خاوية ، لا يسكنها أحد ..
استيقظت الدار .. المكان .. وظهرت فجأة أحداث رواية : زهرة الصندل ..
مكان المنصورية الذي سميته في الرواية : الأنصارية .. من خلفها ، كان يوجد دار ( الكواكبي ) .. من أصدقائي أيام الطفولة شخص اسمه : هيثم كواكبي .. والآن من أصدقائي ، أخوه الكبير .. هيثم كان رفيقا في مدرسة الحمدانية التي كانت موجودة في حي الفرافرة .. جَدُّ هيثم هو عبد الرحمن الكواكبي ، الذي لا أعرفه أنا طبعا .. ولكن ، كنا نزور دار الكواكبي ، وما تزال فيها مهابة عبد الرحمن الكواكبي موجودة .. وحملتها معي من أيام طفولتي .. وعندما قرأت للكواكبي ( طبائع الاستبداد ) و ( أم القرى ) ارتبط مكان دار الكواكبي بالمنصورية .. فصار هناك خلط .. وابتدأت تتحول المنطقة كلها إلى نوع من الرمز ، أو الدلالة على حلب كلها .. وبالرغم من أن بيتنا كان في منطقة أخرى ، لكني كثيرا ما كنت أحسّ بالانتماء إلى هذه البقعة أكثر من بيتنا ..
دائما ، حتى في أحلامي ، وعندما كنت طفلا ، ألعب بلعبة ( الاستغماية ) .. كنا نختبئ في القبر الخشبي المنفرد للولي ..

ـ غدا ، القسم الثاني من الساعة الثالثة ..

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !