غزة- رزق الغرابلي- صفا
لا يرى المحلل السياسي والاقتصادي عادل سمارة في خدمات الاتحاد الأوروبي في فلسطين سوى "محاولة للتأثير الثقافي على المواطنين لكي يشعر المواطن وكأنه بدون أوروبا لمات جوعًا"، عادًا أن المال الذي يبذله الاتحاد الأوروبي مخصص للغزو الثقافي والفكري.
وعلى مدار الشهر الماضي، لاحظ المواطنون في الضفة وغزة انتشارًا مكثفًا للوحات ضخمة، أسندها "الاتحاد الأوروبي" على مفترقات الشوارع الرئيسية الكبرى، تحمل ترويجا "للخدمات" التي يقدمها للفلسطينيين.
ويُركِّز مضمون هذه اللوحات الدعائية على نشاطات الاتحاد الاجتماعية والغذائية والاقتصادية في فلسطين، وشحت بشعار "أولوياتكم هي أولوياتنا"، يظهر في كل منها صورة لمسئول أو مواطن أوروبي يساعد الفلسطينيين في أحد مجالات الحياة المختلفة.
وبينما يرى مواطنون أنها خدمات جيدة تسهم في مساعدة الفلسطينيين في ظل الحصار الإسرائيلي، يرى آخرون أنها محاولة لذر الرماد في العيون.
رسالة دعم
لكن مسئول الإعلام والاتصال في المفوضية الأوروبية في القدس المحتلة شادي عثمان قال لـ"صفا": "نريد من خلال هذه اللوحات إيصال رسالة للفلسطينيين بدور الاتحاد واهتماماته التي تنسجم مع اهتمامات وأولويات الشعب الفلسطيني".
وأوضح أن هذه الخدمات هي تأسيس لمرحلة تطبيق الموقف السياسي الأوروبي تجاه الحقوق الفلسطينية، وأضاف "الموقف السياسي الأوروبي الآن متقدم، الاتحاد قال أنه مع حل واضح بحدود
وتابع "لكي تصل لهذا الهدف يجب أن تبني مؤسسات الدولة، والاتحاد يعمل على ذلك، وكنا المانح الرئيسي لذلك، حتى تستطيع أن تصل للحل السياسي، لا بد أن تبني المؤسسات، وأولوية المؤسسات الآن هي التعليم والصحة والزراعة، وغيرها".
وضعنا حديث عثمان أمام عادل سمارة، فرد قائلا: "هذه أنشطة جاسوسية في الحقيقة وليست اقتصادية، العالم الغربي هو عالم رأسمالي لا يمكن أن يتبرع بأي شيء قبل أن يقوم بعمل دراسة جدوى اقتصادية سياسية واستراتيجية وثقافية".
وأضاف لـ"صفا" "كما أنها جزء من عملية التطبيع مع الدول الغربية المعادية"، وتساءل "لماذا تقوم السلطة بالترويج لهذه الأنشطة؟ لأن السلطة عمليا هي جزء من عملية التطبيع، وهذا هو استخدام للمال في الغزو الثقافي والفكري،".
ومضى متسائلا "كيف يمكن أن تبني دولة من خلال المساعدات الأجنبية وهي من دول معادية، هذه المساعدات لا علاقة لها بإقامة دولة، لأن ما يحصل عبارة عن ترقيع، والمؤسسات تقام بإنشاء كوادر نظيفة وقوية متعلمة ومخلصة، وليس بالترقيع".
واختتم بالقول: "عملية الترقيع بهذا الشكل هي كذبة كبيرة، "أولوياتكم أولوياتنا" نعم هذا ما يريدونه هم، يريدون أولوياتنا كما يريدون هم، هذا هو الاستشراق أن أصنعك كما أريد أنا" على حد تقديره.
خدمات جيدة.. ولكن!
ورغم كل ما قاله سمارة، رأى محمود عبد الكريم من مدينة خان يونس جنوب القطاع، في هذه الخدمات أمرا جيدا، بل والفلسطينيون في أمس الحاجة إليها"، وأضاف "لكن لا بد ألا تكون هذه الخدمات مسيسة".
ودعا الاتحاد الأوروبي إلى "أن يكمل معروفه وأن يدين جرائم الاحتلال في غزة والضفة والقدس، وأن يعمل على حماية المواطنين، فالخدمات الإنسانية وحدها لا تكفي".
ولا يمكن لأي باحث في السياسة الخارجية الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية أن يتغاضى أن الأوروبيين سواء كانوا مندمجين في اتحاد أو متفرقين في دول مستقلة، يتحملون مسؤولية تاريخية وأخلاقية وقانونية عن المعاناة الفلسطينية وقيام "إسرائيل" بشكل مخالف لمبادئ القانون الدولي.
فمنذ وعد بلفور وبعدها السياسات التي اتبعها الانتداب في الأراضي الفلسطينية، مرورًا بقرار التقسيم وإعلان قيام "إسرائيل" عام 1948، كل ذلك يشير إلى مدى "الدعم غير المسبوق الذي كانت تسديه أوروبا لإسرائيل"، بالرغم من كل الإهانات التي يوجهها ليبرمان وغيره من الإسرائيليين لأوروبا.
ولكن في المقابل، لا يمكن إغفال الدور المتطور الذي بات يعلنه الاتحاد الأوروبي ويقوم به حيال مناصرة بعض الحقوق الفلسطينية، وإعلان قبوله المبدئي بدولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وغير ذلك.
المقاومة والتحرير أولوياتنا
"أولوياتنا أيها الاتحاد المتواطئ مع الاحتلال كنس هذا الكيان قريبا إن شاء الله"، بهذه العبارة عقب المواطن سعيد الغرابلي من مدينة غزة على يافطة كبيرة كنا نستظل بظلها موشحة بصورة كبيرة لعضو يتبع الاتحاد الأوروبي يعاون مزارعين في زراعة أشتال من الزيتون.
وتابع "أوروبا في كل جلسات مجلس الأمن تقف إلى جانب إسرائيل، حتى وإن تصلحت مواقفها في الفترة الأخيرة، لكنها لا تقف علنا إلى جانب الحق الفلسطيني" حسب تقديره.
ودعا الاتحاد الأوروبي أن "يعلن صراحة قبوله بدولة فلسطينية كاملة السيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، هذا الأمر لن يحل المشكلة، لكنها أقل ما يمكن أن نقبل به".
لذلك، وبابتسامة، حاولت المواطنة عبير ساق الله من مدينة غزة التوفيق ما بين الحانقين والمؤيدين لخدمات الاتحاد، فقالت: "هذه أمور جيدة، وأتمنى أن تكون مقدمة لتحقيق باقي أولوياتنا وهي إنهاء الاحتلال وتحقيق الوحدة الوطنية وحقنا في المقاومة وتحرير أرضنا".
واكتفت ساق الله بهذه العبارة، لتغادر مسرعة وهي تعبر عن امتعاضها من السياسة الخارجية برمتها، والتي خذلت القضية الفلسطينية منذ النكبة وقبلها وبعدها.
نشاط تضامني
وفي مقابل هذه السياسة الأوروبية الرسمية، بدا التضامن الأوروبي الشعبي مع الشعب الفلسطيني، من خلال المتضامنين الذين توافدوا إلى غزة على مرِّ أيام الحصار الإسرائيلي الغاشم، تجسيدًا إنسانيًا واضحًا لوقوف المواطنين الأوروبيين مع الشعب، وتفهمهم لمعاناته.
وشارك هؤلاء بقوافل وأساطيل بحرية وبرية رعاها ناشطون وسياسيون وبرلمانيون أوروبيون بارزون، ومن الناشطين من أصيب واستشهد بفعل قرصنة الاحتلال.
وشارك المتضامنون المواطنين بغزة والضفة زراعة الزيتون وتعمير المناطق المدمرة ونقاط التماس مع الصيادين، ونقلوا معاناة غزة والضفة والقدس للعالم.
كما يضطلع صحفيون أوروبيون بمهمة إنسانية راقية من خلال نقل انتهاكات الاحتلال إلى وسائل الإعلام الغربية التي يحاول اللوبي الصهيوني أن يحرف صورتها، وأن يشوه صورة الفلسطينيين ويبرز وجها حسنا للاحتلال.
التعليقات (0)