الكـائـن والأجــدر بين السودان ومصر
الذي لفت الإنتباه من خلال الأزمة التي صاحبت قرب موعد توقيع أربعة من دول المنبع على إتفاقية إعادة توزيع الأنصبة من ماء النيل هو أن الحكومة المصرية وبدلا من محاولة كسب ود الحكومة السودانية بطريقة دبلوماسية تتسم بالندية والإحترام ؛ إذا بها تحاول لي ذراع الخرطوم على إعتبار أنها الحيطة الهابطة التي تـُعـتلى بسهولة في أي لحظة يريدونها . أو كأنّ السودان حديقتها الخلفية التي تكب فيها كل النفايات والمخلفات.
مقرن النيلين في مدينة الخرطوم لاحظ تغير لون "الذهب الأزرق" بعد إقتران النيلين الأبيض والأزرق بمسافة غير طويلة .... فهل سيتحول إلى "أصفر فاقع لونه يسر الناظرين" عقب وصوله إسرائيل؟
وبالطبع فقد كان ولا يزال الحاجز الجغرافي بين مصر وبين أثيوبيا ويوغندا ورواندا وتنزانيا يحول دون أن تفكر الحكومة المصرية في إستباق إراداة هذه الدول بتهديد عسكري وأمني أو سياسي . أو بما يؤدي إلى إثارة عوامل عدم الإستقرار الداخلي مثل ما هو متاح بالنسبة لها في علاقتها بالسودان ، الذي ما أن يختلف معها في كبيرة أو صغيرة إلا وتبادر إلى تصرف ينم على الإبتزاز والضرب تحت الحزام ، مستغلة في ذلك ما هو متاح لها على قفا من يشيل من عملاء وجواسيس في السودان كنتيجة طبيعية لعلاقات وتداخلات أزلية سكانية.
والمصيبة أن كل من ما تفعله الحكومات المصرية من كيد للخرطوم نجده وعبر التاريخ يصب في نهاية الأمر ضد مصلحة الطرفين معا .. أو كأنّ الأسلحة التي تسخدمها الحكومات المصرية المتعاقبة ضد السودان ليست سوى سلاح ذو حدين في حقيقة الأمر ؛ يطعن صدر الخرطوم أولا ثم يرتد منفلت العيار ليطعن صدر مصر ثانياً وربما بقوة وإمتداد تأثير أشد مما جرى لصدر الخرطوم ...
والأمثلة على ذلك كثيرة متعددة لا حصر لها منذ عصور ما قبل الميلاد .. ولكن نكتفي كشاهد على ذلك بالأحداث المعاصرة حتى يكون الأمر أكثر وضوحا وقناعة .
على سبيل المثال وكنتيجة لرعاية الحكومة المصرية لحركة جون قرنق وإستقبالها له ولمساعديه ومنحهم حق فتح مكاتب تمثيلية لهم في القاهرة والإسكندرية وأسوان في نهج لا يتسم بالعقلانية ؛ فقد أدى ذلك إلى سهولة تقديم الحركة الشعبية نفسها إلى البعثات الدبلوماسية ووكالات الأنباء العالمية المتواجدة بكثرة في القاهرة وتكوين علاقات عامة سمحت في المستقبل بتثبيت أركانها وأقدامها وبتنامي قوة الحركة السياسية وتلقيها معونات مالية سخية وشحنات أسلحة متنوعة حديثة ، مما أدى إلى إنفصال الجنوب على النحو الذي سيجري في يناير 2011م ....
ومن نافلة القول أن إنفصال الجنوب وإن كان يشكل نهاية للحرب الأهلية بينه وبين الشمال ؛ إلا أنه يعني بالنسبة لمصر مزيد من المسافة بينها وبين منابع النيل . ومزيد من دول حوض النيل التي لا تأبه بفرحها أو غضبها.
والطريف أن الوفد المصري برئاسة وزير الخارجية ومدير المخابرات الذي زار الخرطوم مؤخرا (لغرض ماء النيل) فقوبل بفتور بسبب دور مصر في إفشال إتفاق الدوحة .. غادر هذا الوفد الخرطوم إلى جوبا فوجد هناك إستقبالا أبرد من صقيع سيبيريا ، مما حدا بمدير المخابرات المصرية إلى القول بأن سيلفا كير يتبنى نفس رؤية وموقف حكومة الخرطوم لأنه يرى أنها لا تمانع في فصل الجنوب .......
ويبدو أن الحكومة المصرية لم تكن لتدري مغبة ما قدمته لجون قرنق من دعم ومساعدات ... وأنها حين فوجئت بمدى فداحة ما إرتكبته يداها إذا بها تسارع وتحاول اللعب في الوقت الضائع مثلها مثل دول العالم الثالث التي لا تحسن التمييز بين الإستراتيجيات والتكتيك. وتخلط جميع الأوراق مكتفية بسياسة ردود الأفعال وتكسير العظام . فتدرك بعد فوات الأوان مغبة وفداحة ما جنت ولسان حالها يردد " يا ريت .. يا ريت .. ياااا ريت " على رأي أم كلثوم وقد سبق السيف العذل .
ولاشك أنه من أسوأ الإنطباعات في العلاقات بين طرفين أن ينتظر طرف ما من الطرف الآخر الإستعداد ليكون رهن إشارته وتحت تصرفه والتنازل له عن طيب خاطر على طول الخط . وهو عين ما يدور في خاطر مصر في علاقاتها مع السودان ....
وربما كانت سيول العواطف الجياشة الساخنة التي تتعامل بها الخرطوم مع القاهرة منذ عام 1924م ، وإعتياد القاهرة على هذا السقف من المعاملة هو السبب في تراكم هذا الإرث الذي بدأ وكأن المصري قد جعله حقا مكتسبا من حقوقه "التاريخية" ليس على إستعداد حتى للتفكير بالتنازل عنه أو إبتلاع وتفهم مغزى كلمة "لا" قد تصدر من نظام سياسي يحكم السودان.
حتى الإنتصار الجزائري في كرة القدم على مصر جرى تحميل ذنبه على السودان.... وكأنّ السوداني هو هـــندي وادي النيل
وفي هذا السياق فإن التساؤل البريء الذي يطرح نفسه هو : أنه وفي ظل إحتضان القاهرة لحركات التمرد السودانية منذ زمان مضى وإيواء زعمائها وقادتها وكوادرها وحتى أنصارها وتوفير كل الدعم والنفقات المالية لهم على حساب خزينتها ...... ترى ماذا سيكون موقف القاهرة لو أقدمت الخرطوم على معاملتها بالمثل وإحتضنت العديد من أذرع وتنظيمات المعارضة المصرية وتنظيماتها وفتحت لها شقق إستخباراتها المفروشة، وأثثت لها المكاتب التمثيلية في الخرطوم؟
ومن أكبر الأدلة على ضيق أفق مجال التفكير لدى بعض أركان الحكومة المصرية في علاقتهم مع السودان ؛ أن وزير خارجيتها أبو الغيط حين سئل بعد توقيع إتفاقية نيفاشا عن ماذا سيكون عليه الحال في حالة إنفصل جنوب السودان عن الشمال؟ فإذا به يجيب ببرود ودون قراءة صحيحة للعواقب بالنسبة لمصر:
- سيصبح عدد دول حوض النيل 11 بدلا من عشرة.
وربما كان الأجدر به أن يقول :
- سيفصل مصر عن منابع النيل في بحيرة فكتوريا دولتان إحداهما عربية ..... والأخرى مسيحية أفريقية صرفة يدعمها الفاتيكان والولايات المتحدة وإسرائيل ومتحررة من أية قيود وإلتزامات تاريخية وأدبية تجاه مصر أو القضايا العربية المصيرية.
وكان الأجدر بأبي الغيط أن يدرك أنه كلما بعدت الشقة والمسافة وتعددت الدول التي تفصل بين مصر وبين منابع النيل ، كلما قلل ذلك من قدرات مصر على المناورة والتلويح بأية أنواع من ردود الأفعال الموجعة تجاه دول المنبع . آخذين في الإعتبار أن مصر هي في النهاية دولة عادية من دول العالم الثالث ذوات الإمكانات العسكرية والسياسية والإقتصادية واللوجستية المحدودة والقصيرة النفس ..... وأنه إذا كانت مصر لم تنجح في ممارسة ضغوط فعالة أو فرض حلول قسرية على حركة حماس في قطاع غزة الفقير الصغير اللصيق بحدودها ، والمحاصر من جوانبه الأخرى بواسطة إسرائيل العدو اللدود الشرس ؛ فما بالك بقدرتها على فرض شروط على دول حرة ذات سيادة ؛ تبعد عنها آلاف الأميال وتتحكم في شريان حياتها من الماء هي أثيوبيا ويوغندا وكينيا وتنزانيا ولواندا والكونغو مجتمعين؟!
ويبدو أن الساسة المصريين لا يتعلمون كثيرا من دروس الماضي والحاضر معا .... فبعد أن ساهموا لمجرد رد الصاع صاعين وإشفاء الغليل من حكومة الصادق المهدي بعد الإنتفاضة و هيمنة تيار الترابي خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي بتدعيم مركز جون قرنق السياسي والعسكري واللوجستي وما أدى إليه في النهاية من إنفصال الجنوب وزيادة الشقة بين مصر وبين منابع النيل .. إذا بهم ولمجرد حفظ حقوقهم التاريخية المزعومة في السودان (حسب ظنهم) وما يعني ذلك من الاحتفاظ (حفاظا على ماء الوجه) بأوراق للضغط على حكومة الخرطوم . وإمساك خيط رفيع لترميم علاقتها المتدهورة مع دولة قطر بسبب موقفها من العمالة المصرية لديها ومشاكسات وشفافية قناة الجزيرة العالمية ....... إذا بهم يفعلون المستحيل لإفشال إتفاق الدوحة بين الحكومة السودانية ومتمردي حركة العدل والمساواة ......
خليل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور
وغدا إذا ساهمت مصر في إنفصال إقليم دارفور فلا نرى سوى أنها ستدفع هي الأخرى الثمن الكثير إلى جانب ليبيا . خاصة وأن إقليم دارفور إذا سيطرت عليه حركة العدل والمساواة سيكون تبعا لتشاد وليس لمصر أو ليبيا التي تتميز علاقتها مع تشاد بالتوتر وتضارب المصالح....
ومن جهة أخرى فإن إقليم دارفور يسبح برغم رماله الظاهرة على وجهه فوق مياه جوفية ضخمة تمد مياه النيل في مجراه بعد خزان مروي شمال الخرطوم .. تمده بالكثير من الماء كما تمد أحواض دارفور المائية الجوفية النهر الليبي العظيم بمعظم مياهه ..... وأن إقليم دارفور - ولمصالحها المرتبطة مع تشاد - إذا تم إنفصاله عن السودان ربما يمهد لتعاون إقتصادي وتكامل يكون فيه تزويد تشاد بحاجتها الماسة من هذه المياه الجوفية العذبة أهم بنود للتعاون تحت ظل رعاية وحماية وغطاء فرنسا الدولي ، وبوصفها متعطشة من ناحية أخرى لإقامة مشاريع بنية اساسية في افريقيا تعيد الدفء إلى عروق إقتصادها الباردة وتنقذ شركاتها من الإفلاس.
عبد الواحد نور ... زعيم فصيل متمرد في دارفور موالي صراحةً لإسرائيل
كما أن شمال دارفور سيكون مرتعا خصبا لإسرائيل نظرا للعلاقة القوية التي تربطها بعبد الواحد نور الذي ينتمي إلى قبائل الفور الأقدم في هذا الإقليم .
إن على الحكومة المصرية قبل أن تقدم على أية حماقات على هيئة ردود أفعال غير محسوبة العواقب فيما يتعلق بتصعيد مشكلة إقليم دارفور ..... عليها أن تراجع التاريخ ودفاتر ووثائق حكومة أسرة محمد علي أغا باشا الخديوية الألبانية الأصل التي حكمت مصر بإسم تركيا العثمانية ، لتعرف لماذا حاول محمد على أغا باشا ضم دارفور لأملاكه رغم فشله الذريع في ذلك .. ولماذا رقص حفيده الخديوي إسماعيل باشا فيما بعد فرحا عندما أسقط له الملك السوداني الزبير باشا رحمة سلطنة دارفور عام 1874م وقدمها إليه على طبق من ذهب بنقاء 24 قيراط ؟
الزبير باشا رحمة بالجلباب السوداني عند حضوره لمصر
ولتأكيد نظريتي بأن السهم الذي تطلقه القاهرة نحو صدر الخرطوم سرعان ما يرتد إليها . فإننا لا نزال نستحضر أنه حين لجأت الحكومة المصرية في سبيل لي ذراع الخرطوم إلى إستقبال الآلاف من لاجئي دارفور عن طيب خاطر رغم تحذيرات السودانيين من حلفائها .... وكما توقع الجميع فقد إرتد السهم إلى نحر الحكومة المصرية بعكس ماتخيلت . وباتت مشكلة هؤلاء اللاجئين في مصر تستفحل وتكبر ككرة الثلج في ميادين وأحياء وشوارع وطرقات وأسواق القاهرة ومدنها . وعلى الحدود مع إسرائيل في سيناء ، وزوارق الموت عبر البحر الأبيض المتوسط إلى إيطاليا . وجعلت الحكومة المصرية في نهاية المطاف هدفا يوميا مفضلا لإحتجاجات وشجب وتنديد وإدانات منظمات حقوق الإنسان وغوث اللاجئين والمجتمع الدولي المدني ........
إن مراجعة سريعة لطبيعة العلاقات الإقليمية في المنطقة توضح أن الضغوط التي تفرضها دول العالم الثالث المتخلفة على بعضها البعض بحكم الجوار اللصيق مستغلة التفاوت النوعي البسيط بينها في القدرات ؛ لا يأتي في النهاية سوى بالوبال على الدول التي تحاول فرض نفسها كشرطي أو قوى إقليمية مهيمنة "على قــدّ حالها" .....
بل وفي حالات متعددة فشلت حتى الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي في المضي حتى نهاية الشوط ضد قناعات وإرادة أفقر الشعوب في أفغانستان وفيتنام وكوبا وكوريا ... إلخ.
لقد ضغطت إسرائيل والولايات المتحدة على مصر فأدخلت مصر عبد الناصر الإتحاد السوفيتي للمنطقة ... وكذا فعلت سوريا آنذاك في مواجهة إسرائيل وتركيا ....
وضغطت إسرائيل على لبنان وأشعلت فيه الفتنة والحرب الأهلية وإحتلت جنوبه ظنا منها أنها تؤمن بذلك حدودها الشمالية ضد المقاومة الفلسطينية فنبت من وسط الركام ومن تراب أرض الجنوب حزب الله اللبناني وأدخل إيران الطائفية والثورية على الحدود مع شمال إسرائيل ....
وضغطت مصر وبعض العرب وإسرائيل معا على حركة حماس فدخلت إيران الثورية قطاع غزة من بابه الواسع وباتت جارة لمصر بالوكالة .....
وقبل ذلك ضغطت الولايات المتحدة وحلفائها معا على إقتصاد السودان في حصار غير معلن . فتوجه "تيار الترابي الحاكم وقتها" إلى الصين التي أخرجت وصدرت البترول ...
وفي غياب مصر على ايام الترابي عاش السودان "أحلى شهور العسل" مع أديس أبابا وإكتشف الجانبان لأول مرة مدى القدرات الهائلة التي يمكن أن تثمر عن تعاونهما الإقتصادي والسياسي ... وإستغلت أثيوبيا الفرصة فشيدت خلال هذا العناق العاطفي عدة سدود مائية أغمض السودان عينيه عنها وضرب صفحا عن طيب خاطر لأجل خاطر الحبيب الذي يبادله الشعور والإهتمام والإحترام ..... وحيث يؤكد معظم خبراء السودان الإقتصاديين والمائيين على الجدوى المثالية للتعاون الإقتصادي والأمني بين البلدين ... وأن سدود أثيوبيا المائية تعتبر الأصلح جدوى للسودان منها لأثيوبيا .
وحذاري من أن تذهب مصر بعيدا في ضغوطها على السودان إلى ما لا نهاية حتى لا تضطر الحكومة السودانية إلى مصافحة يد "إيران الثورية" الممدودة إليها بدفء وسخاء .... وحيث لا يخفى على أحد أن "إيران الطائفية" موجودة بحوزاتها الجعفرية الخمينية بالفعل في السودان ... ويعمل مبشروا قـُمْ بصمت حثيث لنشر المذهب الشيعي وسط الشباب السوداني الشمالي والذين بلغ من إتبع المذهب الشيعي الجعفري منهم عدة آلاف حتى تاريخه.....
ولكن التشيـّع ليس وحده المقصود أو المهم لدى ساسة إيران الثوريين وقادتها العسكريين بقدر ما يحلمون بالإطلالة على سواحل البحر الأحمر وبقرب بنحو أو بآخر من حدود مصر ، ونصب صواريخهم القصيرة والبعيدة المدى على مسافة ليست بالقريبة أو البعيدة من إسرائيل التي تعتبر بمثابة الذراع الذي يوجع الولايات المتحدة.
ومثلما أفلحت إيران في إحتلال جزر طمب الكبرى والصغرى دون أن يحرك العرب ساكنا .. وأفلحت في الإنتشار وسط الحوثيين شمال اليمن وعلى الحدود المتاخمة لجنوب السعودية وفعلت هناك ما فعلت والجميع نيام بعد أن أكلوا وشربوا واستمتعوا . ومثلما دخلت قطاع غزة وجنوب لبنان والعراق وشكلت حلفا إستراتيجيا مع سوريا. فإن ابواب ونوافذ السودان ربما لن تظل مغلقة إلى الأبد في وجهها ولو من باب "المضطر يركب الصعب".
كل شيء يمكن أن يحدث .. جميع الخيارات مفتوحة .... ولا يدري أحد ماذا تدبر إسرائيل لمصر في إطار البعد الإستراتيجي للعلاقة معها .. وحيث عودتنا إسرائيل أنها لا تبني سياساتها على العواطف وردود الأفعال بقدر ما تعمد إلى بناء الإستراتيجيات وتمهيد الأجواء بذكاء لتمرير ما ترغب به ... وربما من السفه والعته والبله أن يظن البعض أن إسرائيل مطمئنة إلى ديمومة علاقتها السلمية مع مصر ، آخذين في الإعتبار أن الشعب المصري يرفض حتى الآن التطبيع مع إسرائيل ..... وفضلا عن أن إسرائيل لا تطمئن لأحد فإنها لا تدري أي حرب تخوض ومن يحكم مصر غـدا ..
وربما تكون الخيارات مفتوحة أمام سيناريوهات أكثر دراماتيكية وحِدّة ما لم يتوخى الجميع الحذر ويحسب موقع خطواته وفق الزمان الحاضر، فمعظم الدول منفردة أو متكتلة تعاني من ذيول الأزمة المالية وشبح الإفلاس في أسوأ كارثة مالية يمر بها العالم، وقد بلغ حجم الدين الداخلي في الولايات المتحدة 10% من إجمالي الناتج القومي .......
وعلى ضوء ذلك وبوصف أن مصر تصنف حاليا على أنها من أكثر دول العالم الثالث إعتمادا على المساعدات والمعونات الغربية والأمريكية . فلا أقل من أن تحاول صيانة علاقتها الإستراتيجية مع الخرطوم من منطلق الندية والمصالح المتبادلة قبل المتقاطعة . وكسب ثقـة الشعب السوداني لتأصيل علاقات تتسم بالتعاون الإقتصادي الجامع في ظل الحريات الأربع وليس الإملاءات الأمنية .
لقطة من فيلم البيه البواب يظهر فيها أحمد زكي وعن يمينه ويساره وأمامه ممثلين يرمزون للجنسية السودانية .. في إصرار مصري مقيت (ضرره أكبر من نفعه) على غرس الإنطباع لدى شعبها بأن السودانيين ليسوا سوى بوابين جهلة مما أدى إلى نشأة حاجز نفسي لا يستهان به بين الشعبين اللذان يفترض أن تتأسس العلاقة بينهما على مبدأ إحترام علاقات ومصالح وحساسية الجوار اللصيق وليس السخرية المتبادلة وتقليل القيمة والحط من المقامات .... وعلى جهاز رقابة المصنفات الفنية التابع للحكومة المصرية أن يدرك ويتحمل مسؤوليته في منع مثل هذا الإستهزاء المتكرر.
لقد ظلت الإستراتيجية المصرية منذ عهد محمد علي أغا باشا تتعامل مع الشعب السوداني وكأنّه ليس سوى قطيع من الأغنام يقوده بضعة رعاة أجلاف ويحرسه حثالة بوّابين من الساسة الطائفيين والحزبيين والمايويين يسهل رشوتهم وإرضائهم مثل ما كان عليه الحال في السابق بحفنة جنيهات وشقق مفروشة وشاليهات على البلاج وزجاجات ويسكي وراقصات وليالي حمراء .
ثم إن على الحكومة المصرية الحالية وحكوماتها المتعاقبة أن تقتنع بأنها لن تستطيع أن تزيح الشعب السوداني إلى ركن سحيق في الأدغال ... تماما كما لن تفكر الحكومات السودانية بأن ترمي شعب مصر في البحر الأبيض المتوسط .
التعليقات (0)