مواضيع اليوم

الكأس

متوكل ابو اسامة

2012-12-10 05:24:16

0

 

 

في فيلم frist blood الجزء الثاني ، كانت تسأل رفيقة رامبو رامبو وهما في الغابة فيما معناه إذ إنَّ ذاكرتي لا تسعفني بالسؤال تحديداً ، كانت تسأله : مالذي يحزنك أو يؤلمك أو يغضبك في حياتك ؟ وكانت إجابته : أن يدعوني أحدهم إلى حفلة ولا أحضر ولا يشكّل ذلك فارقاً بالنسبة له أو لها .
 

اما أنا وعلى جانب أخر فما يؤلمني أن يشعرني إنسان ما برغبته في لقائي وما أن يرتب اللقاء وبشكل حاتمي حتى يختفي دون أن يظهر من جديد وبشكل مأساوي ومؤلم لدرجة تجعلك تسهر مع كأس ، تمسك به وكأنه يد حبيبة بكلتا يديك ، تحاوره ، يسمع منك بصمت وتسمع منه بحميمية ، بل وتُخلق علاقة بطلها كأس زجاجي كل قيمته إنه يملأ رأسي بسحب من الحكايات ويفرّغه من أورام تكاد تفجّره .
 

كنتُ قد هاتفت مدير المكان بأن يجهز مكاناً لشخصين وأن يهتم بالأمر ، وكان صديقاً لي لسنوات مضت ، فقال : كما العادة؟ قلت كما العادة إلا إن برفقتي أحدهم .
 

حضرت إلى المكان ، جلست في مكان قصي فيه ، بعيداً عن هرج ومرج الداخلين والخارجين ، أقبل المدير صديقي ، سلم علي وسأل : أين ضيفك ؟ قلت قادم . قال أحضر لك شيئاً ؟ قلت : كأس .

بدا الكأس هذه المرة كأساً مختلفاً ، لا أدري قبل هذا بأنه سيكون نديمي ، وبأنه سيخلق لي مشاكل وبعض إحراجات ، لكنه رغم كل ذلك أحبني وأحببته ، وفي الحب يصبح ما هو غير معقول معقولاً ، وما هو غير غير طبيعي طبيعياً .

بدأت أرقب الساعة وعيني على الكأس وهو في قبضتي الأثنتين ،أتحسس الوقت كما أتحسس الكأس وأتساءل : ماباله قد تأخر ؟
أهمُّ بالإتصال عليه وأتريث ، وأعود لهواجس قد إستقبلتني على سجّادة فارسية فاخرة .

 

بدأ التوجس يزحف على المكان الضيّق الذي يأويني . وبدأت أزحف معه حول أماكن وأزمنة صادفت بعضها في سياق زمني فائت وأخرى سيستحضرها الكأس . هنا الكأس لا يمثل أنية زجاجية مملؤة فقط ، بل نديم أخاطبه ويخاطبني دون حواجز إفتراضية أو وهمية . كنتُ أسأله بين فينةً وأخرى : هل سيحضر ؟ هل أتصل وأستعلم عن سبب تأخيره ؟ وكان كل مرة يهز صمته نحو الأعلى ونحو الأسفل ، وكأنه حكيم يتأمل في شيء ما .. بدأ التوتر ينسج خيوطه على المكان حتى بتُ في لحظات معينة أشعر أن كل العيون التي في وجوه الجالسين والمارين في فسحات المكان ترقبني بل وتلك اللوحة التي تتسمر أمامي أشعر أن من بداخلها يرقبني ويرقب توتري .

أنهيت الكأس الأول وإذا بالنادلة بجانبي تسألني : هل من مزيد ؟ وكأنها كانت هي الأخرى ترقبني وترقب نديمي الزجاجي . قلت لها نعم لكن لا تغيري الكأس ، إملأي نفس الكأس وعودي به إليّ . فنظرت لي بغرابة وأبتسمت ثم ذهبت وعادت بكأس مملوء . قلت لها لحظة ، أمسكت بالكأس بيدي أتحسس دفئه فوجدته ما زال دافئاً رغم برودة ما بداخله .. شكرتها بطريقة جمّة جداً وناولتها دينارين بحرينيين ومضت .

هأنا مع كأسي الحميمي من جديد . شعرت في لحظات كثيرة أن له عينين جميلتين وأنف وشفتين لكن لا يراها إلا أنا .. بدأت أستحضر معه ما مرّ بي في حياتي .. خصوصاً في السنين القريبة التي مضت .. قلت له : هل تعرف يا صديقي أن لي حبيبة لم أقابلها .. لم ألتقيها .. وإنها من ذوات الوعود الكاذبة .. والإعترافات الكاذبة .. بل والأدهى إن كل ما قالته وما سوف تقوله لا يبدو من الأشياء الكاذبة .. إذ كانت تقول الأشياء ،الكلمة وكأنها كلمة نزلت من السماء ، والسماء لا تكذب إلا في حالة واحدة أن تبرق وترعد ثم لا تُنزل المطر . كانت كالسماء .

ولأن السماء لم تمطر تلك الليلة ومكرت ظللتُ بصحبة نديمي الزجاجي الذي أونسني وسبب لي الحرج . قررتُ في لحظة تصادمت فيها خلايا مخي وسببت إنقلابات مأساوية أن أتصل عليه وألعن سلسفيل اللي جابه . ترن ترن ترن .. حتى تنتهي الترنات ولا من مجيب ! مرة أخرى وثالثة ونفس الرد الذي جعل المكان يغلي . أرسلت رسالة موجزة : ليس لدي مشكلة الا تأتي البتة ، المشكلة لدي الا تعتذر إذا لم ترد المجئ أو تطمئنني عليك .. هذا كل ما هناك !

أغلقت الجوال بعدها وأكملت سهرتي مع نديمي الزجاجي .. بُعيد لحظات ستبدأ أم المشاكل ..فبينما كان كأسي على وشك النفاد تزامنت حاجتي للذهاب لحلاّل الأزمات .. وبينما كنتُ أهم بالذهاب وإذا بنادلة تؤمئ بأصبعها : هل أجلب لك أخراً ؟ فاومأت لها وأنا مسرعاً " يب " . لم تكن تلك النادلة التي أخبرتها الا تغير الكأس . وحينما عدت من الحمام وجلست وأمسكت بالكأس شعرت بأنه غريب علي .. قربته إلى أنفي أشمه .. لا رائحة .. أين تلك الرائحة التي كلّما قربته من شفتاي شممتها ؟ أين رائحة ما لصق به من سجائري ؟ .. أمسكت من جديد بكلتا يدي وأحسسته بارداً فاتراً خارجه كداخله .. غضبت وناديت على النادلة وأتت . سألتها : هل ملئتِ لي المشروب بنفس الكأس السابق ؟ قالت : لا سيدي .. قلت وأين كأسي السابق ؟ قالت وضعته مع عدد كبير من الكؤوس تمهيداً لإدخالها لماكينة الغسيل والتطهير . ويح هذه النادلة! قلتُ لها سارعي إلى المدير وأطلبيه .. أتى مسرعاً صديقي الجميل ورأى في وجهي ما يسوؤه .. فسألني ما بك ؟ وحكيتُ له .. قال تعال وأبحث عنه.

ذهبنا سوياً وأدخلني مع العاملين وقال إبحث . عما ماذا أبحث ؟ كؤوس كثيرة مصطفة قريبة من المغسلة بإنتظار أن تُزف لماكينة التطهير .. وأمامي على البار يجلس الندماء .. أي حرج أنا فيه ؟!

بدأت بإشتمام كأس وراء أخر وكأني كلب بوليسي لنظام عربي لعين .. وبين فينة وأخرى أسمع : لو سمحت .. كأس .. من كل اللغات واللهجات .. وكأني " بارتندر " ينتظرون منه أن يسارع بخدمتهم .. أحدهم تطاول إلى درجة أن قال : هيه .. هيه أنت .. ولما رأني إنني لم أرد عليه .. قال هيه يا حمار الا تسمعني ؟ نظرت إليه بغضب وبيدي أحد الكؤوس وقلت : تبين أصبخك بالكأس ذا .. كنتُ خائفاً من ردة فعله كونه " درنك " لكني في المقابل لست بأحسن حال منه .. المفاجأة أنه ضحك بصوت عال وقام وشدني وقبلني وأعتذر .. ثم تركني ولم تتركني عيونه وأنا بين الكؤوس أنضح قهراً ..يبدو الا فائدة .. عدت لطاولتي محطماً مهشم الأماني ملعوناً للجدف .. وطلبت تكيله وكانت المرة الأولى التي أشربها .. واحدة تلو الأخرى حتى صرت لا أرى ما أمامي .. غفوت ولا أعرف متى غفوت ولا كيف غفوت ولا من أخذني ووضعني بسيارتي وأرخى الكرسي لي ونمت لأصحو في الصباح وأنا في مواقف الفندق بين لفيف من السيارات المركونة فيه . ما زال الغضب يعتصرني بسبب ذلك الذي واعدني ولم يأتي .. كنتُ بحاجة شديدة لكوب قهوة ومنهك جداً .. فرأيت بالقرب مني منظف السيارات وناديته وقلت له : طالبك تروح للكوفي شب وتجيبلي كوب قهوة بدون سكر وخذ الـــ 5 دنانير والباقي لك .. ركض الرجل وما هي إلا دقائق ويأتيني بكوب قهوة بلاستيكي الله أعلم من وين جابه ؟ يمكن من قهوته الخاصة به .. المهم إنها بدون سكر كي لا تفقد القهوة نكهتها .. كانت أقرب للنسكافيه لا للقهوة التي رغبتها .. شربتها وأشعلت سيجارة .. ومززتها بعمق ونفثت الدخان على شكل دوائر وكأنها تشبه الدوائر التي قولبتني الليلة الفائتة . أدرت السيارة وبدأت طريق العودة .. وصلتُ للبيت بعد حوالي الساعة ويزيد .. ودخلت الغرفة وألقيت بنفسي على السرير ونمت .. نمت أكثر من أثني عشر ساعة وصحوت بعدها نشيطاً وكان أول ما تذكرت إني بحاجته ماء بارد فذهبت للثلاجة وشربت حتى إرتويت وعملت قهوة تركية مرة وشربتها ثم جلست وإذا بهاتفي يرن . كان ذلك الذي واعدني ونكث .. أقفلت الهاتف لفترة وبعد أن فتحته كانت رسالة منه : أسف أخذتني نومة .
 
 

 

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !