(1) مثل مغربي معناه يخافون ولا يستحيون
لم يعد يخفى على أحد أن انعكاسات الزيارات الملكية تكون خيرا وبردا وسلاما على ساكنة المنطقة أو المدينة التي تفوز بهذه الحظوة، حيث يضطر القيّمون على الأمور للاضطلاع بمهامهم بتفاني مؤقت غير مسبوق، علما أنه من المفروض أن يكونوا على هذا الحال دائما وأبدا. وهذا ما تبيّن بجلاء بمناسبة الزيارة الملكية لمدينة القنيطرة التي أضحت بين عشية وضحاها مدينة نظيفة بطريقة لم يسبق لها مثيل في تاريخا، وتم تنقيتها من الزبال المتراكمة في أكثر من زاوية، كما تم الالتفات للكثير من الفضاءات الخضراء التي أهملت بل ودُمّرت تدميرا على امتداد عقود، وهناك شوارع وأزقة بل وأحياء لم يسبق أن لمستها من قبل مكنسة عمال النظافة، أصبحت بقدرة قادر تحظى بأهمية هؤلاء العمال. وقس على ذلك الحفر ومتلاشيات البناء المتناثرة في كل أرجاء المدينة، تمّ التخلص منها في رمشة عين. كما أن المتسولون وأطفال الشوارع – وما أكثرهم بمدينة القنيطرة – لم يعد يظهر لهم أثر في مناطق دأبوا على الاستيطان بها . هذا جميل جدا، علما أنه هو العمل اليومي الذي من المفروض أن يقوم به القيّمون على أمورنا طول السنة وبانتظام دون انقطاع، وليس مؤقتا مرتبطا بالزيارة الملكية وسرعان ما تعود حليمة لعادتها القديمة. هل القيّمون على أمورنا "تايخفوا ما يحشموا"ا وتراهم في الصفوف الأولى في الغُنم وفي آخر الصفوف عند الغُرم، لذلك يعتمدون النفاق نهجا في عملهم وفي الاضطلاع بالمهام الموكولة لهم؟
ليس مخفيا على أحد ما أصبحت عليه مدينة القنيطرة و المناطق المجاورة لها ، منذ انتشار خبر الزيارة الملكية. حيث أضحت كخليه نحل أو مملكة نمل ، تعج بالحركية و النشاط بين ليلة و ضحاها ، ولاحظ المواطن العادي الكرم الحاتمي في الاهتمام بالشأن العام اليومي وروح المسؤولية والضمير المهني والتفاني في الاهتمام بالمرافق العمومية، الذي نزل فجأة على مسئولينا المحليين .
لا محالة أن الغريب عن المدينة وغير العارف بالزيارة الملكية لها سينبهر بما عليها من نظافة وتنظيم واهتمام بالمرفق العام، وقد يُعجب أيما إعجاب بالمسئولين الذين وهبهم الله تعالى لهذه لمدينة القنيطرة وساكنتها من أجل التفاني في خدمتهما، لكن عندما تنكشف المستور ويعلم السبب الكامن وراء ذلك سرعان ما يُغيّر رأيه وقد يصفهم بأبشع أوصاف الانتهازية غياب الضمير.
وما يحز في القلب حقا هو قدوم القيّمين على الأمور المحليين على "ترقيع" واجهة مدينة القنيطرة فقط لاستقبال الملك، عندما تكون القاعدة المعتمدة هي الإهمال عموما، مادام ستعود دار لقمان لحالها. لقد لاحظنا حثيث خطوات المسئولين و جيوش عمال النظافة والترميم والبستانيين وغيرهم قبيل الزيارة الملكية وخلالها ، كأنهم كانوا قبل هذا الوقت في سبات شتوي "مستدام".
على حين غرة أصبحت جملة من شوارع مدينة القنيطرة مزفتة و مصبوغة ، واجهة المؤسسات و المنازل المتواجدة بالمركز أيضا يتم صباغتها ، أشجار كاملة النمو يتم استقدامها عبر شاحنات ليتم انتصابها في فضاءات خضراء كانت قاحلة سابقا بفاعل الإهمال، وأغلب هذا تم تحت جناح ظلام الليل الدامس ، لتصبح المدينة بعد شروق شمس الغد الموال، كتلك المرأة التي دأبت على إهمال إهمال نفسها لتقرر على حين غرة التزيين بكل المساحيق الممكنة لـ "تضرب مشاهدها على الشعة" كما يُقال، علما أنه لا يدوم إلا المعقول.
مع هذه التصرفات –وغيرها كثير - من المسئولين فإن المواطن البسيط يشعر بنوع من الغبن ، كيف يعقل أن يعيش طول السنة، بل على امتداد أعوام، في إهمال المرافق العامة والقمامة والأوحال و الظلمة و المتاعب الأخرى ، وفجأة بقدرة قادر، يجد نفسه في مدينة نظيفة أنيقة بسبب الزيارة الملكية ، وبعد انتهاء الزيارة تعود حليمة لعادتها القديمة. أليس هذا استخفاف بالمواطن البسيط ونوع من أنواع استبلاده وضحك على الذقون، علما أنه يدفع الضرائب – والكثيرون يقتطعونها من جوعهم - من أجل تحسين شروط عيشه و محيطه وبيئته. ومهما يكن من أمر لن تنطلي مثل هذه الحيل على المواطنين الذين لن ينسيهم هذا "الجمال الوردي العارض والطارئ" لواقع مدينتهم المزري. لأنهم يعلمون علم اليقين أنه زور بالمظاهر والنفاق والرياء يقترفه القيّمين المحليين على الأمور تهافتوا عليه محاولة منهم لتغيير الحقيقة المرّة لحين. وفي هذا المضمار تساءل متسائل قائلا: كيف للقيّمين على الأمور أن تسوّل لهم أنفسهم محاولة تضليل الملك وخداعه بهذه الطريقة؟ ماذا لو رأى الملك الوجه الحقيقي للمدينة العاري من "الزواق" والنفاق؟
ويقول قائل عليم بخبايا الأمور إنه منذ تأكدت الزيارة الملكية لمدينة القنيطرة وضواحيها دبّت حرارة غريبة في المسئولين المحليين وقضّ الخوف مضاجعهم- لا سيما ألائك الذين في "بطنهم العجينة أو بعضها"- لذلك حلّت بهم "التلفة والضوخة" لا يعرفون ما يقدمون ويؤخرون مع اقتراب موعد الزيارة الملكية لأن المدينة في وضع لا تحسد عليه، لذلك لم يبق أمامهم إلا نهج "الروتوش والترقيع" عبر تجنيد عمال البلدية والإنعاش وأعوان السلطة وطلاء بعض الحيطان والأرصفة وترحيل الحمقى والمعتوهين... وذلك بفعل اهتراء البنية الطرقية، وغياب الإنارة العمومية في الكثير من الأحياء ومناطق المدينة، وتردي وضعية ما يسمى بالفضاءات الخضراء، وتراجع خدمات جمع النفايات والكثير من الأماكن...
إذن من الطبيعي أن يبتهج المواطن البسيط ،أكثر من غيره، بالزيارة الملكية ويرغب في تكرارها خلال السنة، لأنها تخدم مصالحه – رغم أنف القيّمين على الأمور المحليين- ومصالح مدينته وقريته ومدشره، كما أنها تهزّ هزّا كيان الفاسدين والمفسدين وناهبي المال العام والانتهازيين ومن لا ضمير مهني ولا غيرة وطنية صادقة لهم.
ويبدو أن قاعدة : (القيّمون على أمورنا "تايخافوا ما يحشموا") لا تقتصر على المسئولين المحليين وإنما تطال أيضا المسئولين المركزيين، وهذا ما كشف بعض جوانبه تصريحات "خوان مانديز"، المقرر الأممي المكلف بالتعذيب- المعتقل السياسي الأرجنتيني السابق- الذي تمكن من الوصول بدون عائق يذكر إلى مراكز الاعتقال، وأجرى لقاءات مع المعتقلين دون عراقيل وفي خصوصية تامة. إذ أقرّ أن الاستعدادات بدت واضحة لاستقباله في كل تحركاته، وأن التحضيرات التي أجريت على الأماكن التي زارها لم تسمح له برؤية الأشياء بشكل تلقائي. و أن المؤسسات السجنية التي زارها استفادت من الصباغة والطلاء و الأسرّة والأفرشة الجديدة.. وتمنى أن تحظى كل السجون التي لم يزرها بنفس الاهتمام والتحسينات و ذات الاهتمام. كما تأسف "مانديز" على ما وصفه بــ "عمليات الرصد" التي كانت مصاحبة للزيارات التي قام بها لعدد من فعاليات المجتمع المدني، حيث كشف بوضوح أن لقاءاته ببعض فعاليات المجتمع المدني كانت موضوع ترصد من طرف السلطات، حيث كانت الكاميرات و الوسائل المتعددة للاتصال تنتظر قدومه في كل مكان، مما خلق نوعا من أجواء التخويف والترهيب، خاصة أنه اعتبر، أن هذا الرصد لم يكن من طرف وسائل الإعلام. لذا
اتصل المقرر الأممي المكلف بالتعذيب بمسئولين حكوميين حتى "لا يتم التنكيل" (حسب تعبيره) بمن التقى بهم خلال زيارته، وأكّد أنّ السلطات التزمت فعلا بذلك.
وأكد "خوان مانديز"، أنه وقف على شهادات بشأن التعرض لضغوط بدنية ونفسية خلال عملية التحقيق، وصفها بـالمتكررة والمستمرة، تنوعت بين الضرب باللكمات والصعق الكهربائي والحرق بأعقاب السجائر والتهديد بالاغتصاب... لذا اعتبر أن اعترافات لدى الضابطة القضائية لا تكفي وحدها لإدانة المتهمين بالمغرب، مشددا على ضرورة احترام حقوق من بينها اتصال المتهمين بمحاميهم، خاصة في ملفات الإرهاب والأمن القومي التي لمس فيها نوعا من التقصير في ضمان هذا الحق.. مشيرا إلى أنه لم يقف على أية حالة تم فيها استبعاد اعتراف أخذ تحت الإكراه، أو إحالة مسئول على المساءلة جراء ثبوت تورطه في هذا النوع من الخروقات.
ومن المعلوم،أن "خوان مانديز" سيقدم تقريرا مفصلا حول زيارته للحكومة المغربية بـشكل سري لتمكينها من الإجابة على الاستفسارات والملاحظات، وأن خلاصات الزيارة سيتم تقديمها في غضون شهر فبراير من العام المقبل، في تقرير للمفوضية السامية لحقوق الإنسان.
التعليقات (0)