القيادة التي لا تقيم حقًا، ولا تدفع باطلًا لا تساوي نعلًا عند الأعلم.
بقلم: محمد جابر
قال عبد الله بن عباس: « دخلت على أمير المؤمنين بذي قار وهو يخصف نعله فقال لي: ما قيمة هذه النعل؟ فقلت لا قيمة لها. فقال: والله لهي أحب إلي من إمرتكم إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا»، (نهج البلاغة: 1 / 80).
ابن عباس يتعجب حينما رأى الأعلم الخليفة والرئيس والحاكم والقائد علي- عليه السلام- يخصف نعله بيده، لأن هذا يخالف سيرة الحكام والملوك والقادة...
أجأبه الأعلم- عليه السلام- بجوابٍ يُعدُّ أبلغ رسالة تربوية ومنهجية عملية كتبها وجسَّدها الإمام علي- عليه السلام- للبشرية، اختصر فيها قيمة وواجبات القيادة، أو الخلافة، أو الزعامة، أو الإمرة، أو الرئاسة، أو الحكم، فهي في منظوره- عليه السلام- لا قيمة لها الا أنْ يُقيم حقًا، أو يدفع باطلًا، فقيمتها بقدر ما يستطيع أنْ يُقيم فيها مِنْ حقٍ، أو يدفع من باطلٍ،
التفت: الإمبراطورية الإسلامية بعظمتها واتساع مساحاتها والتي تجاوزت بلاد العرب لا تساوي عند الأعلم علي- عليه السلام- قيمة نعله الا أنْ يُقيم حقًا، أو يدفع باطلًا.
إذن فهي ليست تشريف وتعالي على الناس واستعبادهم، وتحكُّم بمصيرهم ومقدراتهم، بل هي إقامة الحق ودفع الباطل، كما وصفها سيد البلغاء والمتكلمين عليه السلام.
فعليٌّ الخليفة الرئيس الأعلم الذي يخصف نعله بيده عندما طالب بحقه وطرح نفسه خليفةً مُنصَّبا مِنْ الله بالدليل العلمي الشرعي الأخلاقي، ليس مِنْ أجل المنصب والكرسي والزعامة كما يروج لذلك النواصب المارقة، بل انَّما مِنْ أجل أنْ يُقيم حقًا أو يدفع باطلًا، ونعله أحبُّ اليه مِنْ الحكم الذي لا يُقيم حقًا ولا يدفع باطلًا.
ولذلك ينقل لنا التأريخ أنَّ عليًا- عليه السلام- لم يساوم على الخلافة، ولم يقبل العروض وأنصاف الحلول التي طُرحت عليه، لأنَّه يرى أنَّ الخلافة، أو الرئاسة التي تأتي عن طريق المساومات والإملاءات لا تُقيم حقًا أو تدفع باطلًا.
هذه الرسالة والمنهجية العلوية الحيدرية ترجمها وجسَّدها الأستاذ المُعلم الصرخي بقوله: « لو كنت أعلم بأعلمية غيري لما تحمَّلت وزر التصدي للمرجعية، ولو وجدت المصلحة بالإشارة إلى غيري وتوجيه الناس إليه بالرغم من عدم علمنا بأعلميته لفعلنا، ولكن نفعل ما فيه المصلحة بحسب التكليف الشرعي المقدس الذي نعلم أو نطمئن به».
فالقيادة في منظور الأعلم- على طول الخط- لا قيمة لها الا أنْ يُقيم حقًا ويدفع باطلًا، الا أنْ يعمل ما فيه مصلحة الناس، وهذا هو الترجمان الحقيقي لرؤية ومنهجية الإمام الأعلم علي- عليه السلام- في القيادة والزعامة.
التعليقات (0)