لـ/أحمد الرازحي
بعد رجوع الإمام علي رضي الله عنه من صفين وبحاضرين أوصى إبنه الحسن(يابني أجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك ،فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك وأكره لهُ ماتكره لها )(ودع القول فيما لاتعرف والخطاب فيما لم تُكلف وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته فإن الكفَ عند حيرة الضَلال خيرٌ من ركوب الأهوال)(ولاتقل ما لاتعلم وإن قل َما تعلم ولاتقل ما لاتحب أن يُقال لك) حملني على إستذكار هذا ما نمر به من أخطاء قد تكون نتيجة لعاطفتنا السريعة تجاه الأحداث والمتغيرات،بحسن نية وبدون.
فليس من الضرورة أن نقول فيما لانعرف ونكلف أنفسنا في الخوض في معترك الشخصنة وخضم فضاء الأخر ،كما لايعني من هذا تكميم الأفواه والإستسلام لثقافة الصمت غير الحكيمة ،إنما دعوة لتصحيح مسار نهجنا الإعلامي لنرقى به نحو خطاب يعايش الحاضر لمعالجته،ويبذر للمستقبل ،خطاب يتجاوز النقد الهدام لنحمل الأخر كما يجب أن يُحمل ،وننشر ثقافة التأويلات السليمة .
فلربما نقع في فخ الندم نتيجة لتحجيم ما لا يُحجم ،وتصغير ما لا يُصغر،والخوض في قضايا الصمتُ فيها أحجى ،أورسم صورة بشعة لشخصِ ما قد يبدوا ملاكاً عندما تتبدد الحُجب ويزول ذلك الجدار الفولاذي بينك وبين الشخص الذي وقع تحت رصاص قلمك ،وسيل كلماتك الغثة والسليمة ،والفاظك الجارحة،وقاموس أبجدياتك التي تتعدى حدود الادب ومهنية الصحافة .
ماذا يكون موقفك إن لم تكن ميت الضمير ،عندما تضع نفسك في مكان ذلك الشخص الإستغلالي والإنتهازي ،المروج لإيهامات وشكوك لا تبحث عن يقين ،وإنما تُحلق فوق نقاط الشكوك والضنون السيئة التي لا تؤدي الى تغيير سلوك وتُقوم إعوجاج .
من هنا ،أخاطب الضمير الحي الذي يتأنب لظلم شخصِ ما،ولاتمنعه كبرياء الذات من الإعتذار وطلب الصفح والإعتراف بالخطاء وتوضيح الأسباب والدوافع التي جعلت القلم ينحت إنتقاداً قد يبدوا موجعاً ومؤلماً للشخص
المُنتقد،ذاكم الشخص الذي يتألم كما نتألم ويشعر كما نشعر،فما كل من نُقد متسامحاً فهناكم الجلادون ،الذين يجلدون الذات ويوخزون الضمير الذي يُعد الأكثر الماً من الجلد با لسوط. لابد من نشر ثقافة الحب بمعيار النفس(فأحبب لغيرك ماتحب لنفسك ) لا بمقياس ريختر ،لنرسم معالم طريق يخطو خطوات منظمة ومدروسة ،والحد من القلم الأحمر بطرفيه التلميعي الذي لا يصلح إلا لشفاه السيدات ،وتحسين القبيح،والطرف الجهنمي ذو الكتابة النارية والنفخ في الكير ، نحن بحاجة الرجوع الى الذات لنحدد أين موقعنا من وحل النقد الهدام ومستنقع الكتابة غير البناءة ،حتى لانضيف بؤرة من بؤر الفساد الأخلاقي ،ونكرر أخطاء وسلوك نضيق لها حالاً ونكره أن تُلصق بنا ، فلو رجعنا الى ذواتنا وحددنا الكلام البناء والهدَام،لما رأينا بعض المتشدقين من أوقعونا في ردة الفعل غير المدروسة ،يدعوننا اليوم بجلد الذات ،وترسيخ مفهوم الجلد الذي يعد من طبائع الإستبداد وثقافة المتسلطين ومصطلح الدكتاتور ،فنحن ندعوا الى الرجوع الى الذات،حتى نكتب ما نعرف ونقول ما نعلم.
التعليقات (0)