مواضيع اليوم

القول السديد في نفي المجاز في القديم والجديد

abdulaziz alfadli

2017-07-20 04:45:04

0

- [ ] القول السديد في نفي المجاز في القديم والجديد 

 

 

 

- [ ] ذهبت الماتريدية كغيرها من الفرق الكلامية إلى القول بأن المجاز واقع في اللغة والقرآن والحديث ، قال ابن الهمام : " المجاز واقع في اللغة والقرآن والحديث وقد نص على هذا غير واحد من أئمتهم وعلمائهم وهو أصل منهجي يعتمدون عليه في تقرير العقيدة وأصول الفقه  

- [ ] فهم يقسمون الألفاظ الدالة على معانيها إلى حقيقة ومجاز ويقصدون بالحقيقة اللفظ المستعمل فيما وضع له وبالمجاز اللفظ المستعمل في غير ما وضع له فالمجاز عندهم هو قسيم الحقيقة أي بمعنى الشيء المقابل للحقيقة والمجاز بهذا الاصطلاح كان له دور كبير في عقيدة الماتريدية ومن قبلها المعتزلة حيث اعتمدوا عليه في تأويلهم للنصوص والذي دفعهم لهذا:-

- [ ]  هو اعتقادهم بأن حمل النصوص على معانيها الحقيقية يستلزم التجسيم والتشبيه لذلك نجدهم يستدلون على قولهم بالمجاز بقوله تعالى: (اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)  ونحوها من الآيات ويقولون بأن الاستهزاء حقيقة لا يتصور منه تعالى فهو مجاز عن الجزاء المشابه له .

 

- [ ] •قال البياضي في (إشارات المرام) : " لما لم يكن حمل تلك النصوص على معانيها الحقيقية من الجوارح الجسمانية والتحيز والانفعالات النفسانية لمنع البراهين القطعية ولم يجز إبطال الأصل لعدم درك حقيقة الوصف بلا كيفية تحمل على المجاز من الصفات بلا كيفية ...." وقال أيضا : " وإنما قالوا بالمجاز نفيا لوهم التجسيم والتشبيه..."  

- [ ] •والقول بالمجاز على اصطلاحهم قول مبتدع محدث لا أصل له فأئمة اللغة المتقدمون كالخليل بن أحمد وسيبويه وأبي عمرو بن العلاء لم يتكلموا فيه ولا يوجد فيما وصل إلينا من كتبهم وكلامهم أدنى إشارة إلى هذا الاصطلاح أو حتى إلى تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز .

- [ ] •كما لا يوجد هذا التقسيم عند أئمة الفقهاء والأصوليين فالشافعي رحمه الله أول من تكلم في علم الأصول وقد وصل إلينا أهم كتبه في هذا العلم وهو (الرسالة) ولا يوجد في كتابه هذا أدنى إشارة إلى هذا التقسيم لا من قريب ولا من بعيد وكذلك الإمام محمد بن الحسن الشيباني في كتابه الجامع الكبير لم يتكلم فيه بلفظ الحقيقة والمجاز كما أنه لم ينقل هذا التقسيم عن أي واحد من الأئمة كمالك وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي وغيرهم. 

- [ ] •وأما قول الإمام أحمد رحمه الله في كتابه (الرد على الجهمية): "أما قوله تعالى : إِنَّا مَعَكْمْ فهذا في مجاز اللغة ..." فإنه لم يقصد به المجاز الذي هو قسيم الحقيقة إنما قصد به أنه مما يجوز في اللغة والدليل على هذا قوله رحمه الله بعد كلامه هذا : " وأما قوله :  (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)  فهو جائز في اللغة يقول الرجل الواحد للرجل سأجري عليك رزقك أو سأفعل بك خيرا". 

- [ ] •فمن يقول إن الإمام أحمد قال بالمجاز وبالتأويل بناء على ذلك فقد أخطأ ونسب إلى الإمام ما لم يقله والمطلع على مذهب الإمام أحمد وأصحابه المتقدمين يعرف خطأ من يقول بهذا. 

- [ ] •وما ذكره أبو عبيد في كتابه (مجاز القرآن) كذلك لم يقصد به المجاز الذي اصطلح عليه المتكلمون بل الذي قصده هو ما يجوز أن يعبر به عن الآية في اللغة فهو يستخدم المجاز بمعنى التفسير فهو يقول في قوله( ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ ) مجازه يعرضون وهكذا فكتابه إذا ما هو إلا تفسير لغريب القرآن.

 

- [ ] •وعلى هذا فمن قال بأن الأئمة أو أهل اللغة المتقدمين قد نصوا على أن اللفظ ينقسم إلى حقيقة ومجاز قد افترى عليهم وتكلم بغير علم .

 

- [ ] •قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "من قال من الأصوليين ...إنه يعرف الحقيقة من المجاز بطرق منها نص أهل اللغة على ذلك بأن يقولوا هذا حقيقة وهذا مجاز فقد تكلم بلا علم فإنه ظن أن أهل اللغة قالوا هذا ولم يقل ذلك أحد من أهل اللغة ولا من سلف الأمة وعلمائها ...". 

- [ ] فالقول بالمجاز الذي هو قسيم الحقيقة قول محدث وقد حدث بعد القرون المفضلة وكان منشؤه من جهة المعتزلة كما نص على هذا شيخ الإسلام وتلميذه الإمام ابن القيم قال شيخ الإسلام بعد كلامه السابق: "وإنما هذا اصطلاح حادث والغالب أنه كان من جهة المعتزلة ونحوهم من المتكلمين ...". 

 

- [ ] •وقال ابن القيم : " وإذا علم أن تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز ليس تقسيما شرعيا ولا عقليا ولا لغويا فهو اصطلاح محض وهو اصطلاح حدث بعد القرون الثلاثة المفضلة بالنص وكان منشؤه من جهة المعتزلة والجهمية ومن سلك طريقهم من المتكلمين....". 

 

- [ ] •ولعل أول من عرف عنه القول بالمجاز هو الجاحظ كما يشير إلى ذلك الشريف الرضى في كتابه (تلخيص البيان في مجازات القرآن)  كما نجد الجاحظ يستخدم المجاز بمعنى الشيء المقابل للحقيقة في عدة مواضع من كتابه (الحيوان) بل إن ابن جني يرى أن أكثر اللغة مجاز وهذا في غاية الفساد. 

- [ ] • ومما يبين عدم صحة القول بالمجاز أصل وضع اللغة فالعرب كما يقول الإمام الشاطبي: " إنما عنايتها بالمعاني وإنما أصلحت الألفاظ من أجلها وهذا الأصل معلوم عند أهل العربية فاللفظ إنما هو وسيلة إلى تحصيل المعنى المراد والمعنى هو المقصود ولا  أيضا كل المعاني فإن المعنى الإفرادي قد لا يعبأ به إذا كان المعنى التركيبي مفهوما دونه ... ولهذا أصل في الشريعة صحيح نبه عليه قوله تعالى : (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) إلى آخر الآية فلو كان فهم اللفظ الإفرادي يتوقف عليه فهم التركيبي لم يكن تكلفا بل هو مضطر إليه ...

- [ ] فإذا كان الأمر هكذا فاللازم الاعتناء بفهم معنى الخطاب لأنه المقصود والمراد وعليه يبنى الخطاب ابتداء ". 

 

- [ ] •والقول بالمجاز يصح كما يقول شيخ الإسلام " لو علم أن الألفاظ العربية وضعت أولا لمعان ثم بعد ذلك استعملت فيها فيكون لها وضع متقدم على الاستعمال وهذا إنما يصح على قول من يجعل اللغات اصطلاحية فيدعي أن قوما من العقلاء اجتمعوا واصطلحوا على أن يسموا هذا بكذا وهذا بكذا ويجعل هذا عاما في جميع اللغات وهذا القول لا نعرف أحدا من المسلمين قاله قبل أبي هاشم الجبائي. 

- [ ] •والمقصود هنا أنه لا يمكن أحدا أن ينقل عن العرب بل ولا عن أمة من الأمم أنه اجتمع جماعة فوضعوا جميع هذه الأسماء الموجودة في اللغة ثم استعملوها بعد الوضع وإنما المعروف المنقول بالتواتر استعمال هذه الألفاظ فيما عنوه بها من المعاني ... فالمولود إذا ظهر منه التمييز سمع أبويه أو من يربيه ينطق باللفظ ويشير إلى المعنى أي أراد المتكلم به ذلك المعنى ثم هذا يسمع لفظا بعد لفظ حتى يعرف لغة القوم الذين نشأ بينهم من غير أن يكونوا قد اصطلحوا معه على وضع متقدم.  

 

- [ ] •ومما يدل على فساد القول بالمجاز قول القائلين به " أن كل مجاز يجوز نفيه ويكون نافيه صادقا في نفس الأمر فتقول لمن قال رأيت أسدا يرمي ليس هو بأسد وإنما هو رجل شجاع فيلزم على القول بأن في القرآن مجازا أن في القرآن ما يجوز نفيه.

- [ ] ولا شك أنه لا يجوز نفي شيء من القرآن وهذا اللزوم اليقيني الواقع بين القول بالمجاز في القرآن وبين جواز نفي بعض القرآن قد شوهدت في الخارج صحته وأنه كان ذريعة إلى نفي كثير من صفات الكمال والجلال الثابتة لله في القرآن العظيم.

- [ ] وعن طريق القول بالمجاز توصل المعطلون لنفي ذلك فقالوا لا يد ولا استواء ولا نزول ونحو ذلك في كثير من آيات الصفات لأن هذه الصفات لم ترد حقائقها بل هي عندهم مجازات فاليد مستعملة عندهم في النعمة أو القدرة والاستواء في الاستيلاء والنزول نزول أمره ونحو ذلك فنفوا هذه الصفات الثابتة بالوحي عن طريق القول بالمجاز. 

 

- [ ] •وأما زعمهم أن حمل النصوص على معانيها الحقيقية يستلزم التجسيم والتشبيه فلا ريب في بطلانه إذ إنه من المعلوم لكل مسلم أن " كل ما أخبر به الله يستحيل أن يلزم عليه باطل ... ولا يخفى على أحد أن الذي يقول إن الاستواء على العرش يلزمه مشابهة الحوادث أن إلزامه هذا اعتراض صريح على من أخبر بالاستواء وهو الله عز وجل .

- [ ] فليعلم مدعي لزوم الباطل لظاهر آيات الصفات أن اعتراضه على ربه ومن ظن أن ظواهر آيات الصفات دالة على اتصافه تعالى بصفات تشبه صفات الخلق فهو جاهل مفتر بل ظاهرها اتصافه بتلك الصفات المنزهة عن مشابهة صفات الحوادث.

 

- [ ] •ومن أوضح الأدلة على أن آيات الصفات لم يرد بها شيء من المعاني التي يحملها عليه المتأولون أنها لو كان يراد بها ذلك لبادر النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيانه لأنه لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة إليه كما تقرر في الأصول ولا سيما في العقائد. 

- [ ] ورحم الله الإمام ابن حزم إذ يقول : " كيف يظن به عليه السلام أن يخبر عن ربه خبرا يكلفنا فهمه وهو بخلاف ما يفهم ويعقل ويشاهد ويحس ما ينسب هذا إليه صلى الله عليه وسلم إلا ملحد في الدين كائد. 

- [ ] فالقول بالمجاز على اصطلاح هؤلاء في القرآن أو الحديث أو اللغة قول مبتدع محدث لا أصل له لا في اللغة ولا في الشرع والقوم قالوا به ليتخذوه مطية لتعطيل النصوص عما دلت عليه من المعاني .

- [ ] والذين يقولون من أهل السنة بجواز وقوع المجاز في القرآن أو الحديث أو اللغة من الأصوليين واللغويين وغيرهم لم يدركوا حقيقة المسألة وأصل نشأتها وبعدها العقدي وهم في قولهم هذا مخالفون لمنهج أهل السنة والجماعة موافقون لمنهج المتكلمة من المعتزلة وغيرهم . 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !