القنبلة التي لم تنفجر بعد!
شعر : حسن توفيق
ماذا دهاكِ لكي تحبي عالماً ما عاد فيه لنا سوى بعض التراب!
تأتين حيث تثرثرين عن البنوك فهل أبوك هو الثريُّ الأجنبيّ
وتُسَبحين بحمد أصحاب العمارات التي استندتْ على كتف السحاب
فهل ارتدوا - في الحلم - أردية الصفاء الشاعريّ؟!
أم أن أوحالَ المدينه
قد طوقتك وجمدتْ إشراقَ روحك فانجرفتِ
وشربت من كأس مهينه
كأس تقول: قد انتُهكْتِ؟!
يا بنتَ من تعبوا كثيرا
وتذوقوا الخبز المبلل بالدموع وحوصروا طول المدى ببحار هَمّ
إذ أنهم فقراء هذا العالم المتصنع الملتف كالأفعى على أعناقهم في كل يوم
فتفرقوا مستضعفين مُطَارَدين إلى أن انهدّوا هنا ورقاً نثيرا
حملته أمزجةُ الرياح بكل أرض مجحفه
فالأرض قنبلةُ يصم دويها الآذان من بدء الخليقة حين تشوى نارُهَا جثثَ الضحايا
والناس فوق ترابها وصخورها المتعجرفه
يتساقطون على دروب القهر طول الأزمنه
لكنهم لا يسكتون على المجازر والرزايا
ويواجهون القهر بالطوفان مكتسحاً جميع الأمكنه
ويسائلون الصبح حين ينوِرُ الطرقاتِ مبتسما بروحٍ طيبّه:
الأرض للبسطاء والعشاق.. أم للأغربه؟!
ماذا دهاكِ إذن؟ لكي تتنكري لعوالم الخبز المبلل بالدموع
يا بنتَ من تعبوا كثيرا
هو وجهكِ المتطلعُ القسمات للعربات والسرقات، فانطوت الضلوع
في ظلمة الفوضى على أحلامك المتعجلات، فَزخرفي جسداً أجيرا
واستقبلي العربات حيث يطل وجهُ القاتل المخمور منقضّا برغبه
وتبجحي بالحب، وامضي جيفةً متعطره
كي ترفعي بالزور نخبه
ومع اجتياح النار نامي قطةً متنمره
يا صورة العصر الزريّ
فالحبُّ أن تتواثب اللغة الدنيئةُ للمغانم والنقود، فلا عطاء
في جعبة القلب الشقيّ
غير احتشادك ِ بالسلاح الأنثويِ الزئبقيّ
وتمزق الجسد الذي يُدْمي صباه الأدعياء
بعد استكانةِ روحك العطشى إلى وهم الثراء
الحب أن تَستشعرِي دفء الجيوب اليومَ، لادفء القلوب الصافيه
الحبّ.. صار الحب أن تتسابق الشيكات باسمك في البنوك الأجنبيه
لترى الليالي الآتيه
أحلامك المتعجلات وقد أطلت كُلّها، ونراك رمز العنجهيه
فالحب في أيامنا المستسلمات خرافةُ ثلجيةُ.. شبحٌ.. ومات
وتناثرت ذكراه زوراً في كلام الأغنيات!!
بيني وبينك غابة الكتب المصادرة التي لم تجرئي أن تعرفيها
ما أوغلتْ عيناكِ في أحراشها المستبشره
وصياحُ مخمورين ذاقوا جيفةً متعطره
ووجوهُ محرومين لم يجدوا الطعام ولا الكساء
ورضوخُ جسمك للثراء
بيني وبينك مجزره
ودم يسيل، وما تزال الأرض قنبلةً معبأةً ولكنْ نامَ في أعماقها طولُ السكوت
وكأنها لم تنفجر من قبل، أو هَزَّتْ عمائرَ لا تحسُّ بما تحس به بيوت دون قوت
بيني وبينك هوةُ، وخطى العساكر والأرامل في طريق المقبره
لَكَمِ التقوا من قبل هذا اليومِ بالإِصرارِ والحزن المعتق في الوجوه
لكنهم يتأرجحون اليومَ مذ كدنا نتوه
بيني وبينك كل هذا، واللقاءات اغتراب
فتشاغلي عما نحسُّ لكي تحبي عالما متصنعا ما عاد فيه لنا سوى بعض التراب
وتباعدي عن ركبنا، فطريقنا وعر وطويل
إنا سَنَهْدم عالم المتصنعين الأدعياء
ليرفرف الحبُّ النبيلُ على قلوب الناس من بعد التمزق والعويل
فلترقص الدنيا على خفق القلوب الطيّبه
وليدرك اللؤماء أنَّ الأرض للبسطاء والعشاق.. لا للأغربه
التعليقات (0)