القميص و الذئب. تسأل سائق السيارة المتسبب في حادثة سير عن حيثيات الواقعة، فيجيبك أن الأمطار الغزيرة والضباب الكثيف منعا عليه رؤية السيارة التي كانت قادمة من الاتجاه المعاكس. وتسأل التلميذ عن سبب تأخره عن وقت الدخول الى الفصل، فيقول: فاتتني حافلة النقل المدرسي. وتسأل صديقك عن دواعي تغيبه عن موعد كان مقررا بينكما، فيرد بكل ثقة: لقد غلبني النوم. وتسأل المسؤولين في المجالس المنتخبة عن الواقع المتردي للخدمات الاجتماعية، فيجيبون بأن الأمر ليس بأيديهم، وأنهم ورثوا هذا الوضع عن المجلس السابق. وتسأل بالصدفة أي مثقف ارتوى من ثقافة اليأس عن التخلف العام الذي يشهده المسلمون اليوم، فيرفع أمامك شماعة الغرب الذي لا يريد لنا أن نتقدم... تسأل... وتسأل... وتسأل... ودائما تأتيك الأجوبة مغلفة برداء منطق المؤامرة.
مثل هذه الأجوبة الجاهزة تصادفنا في كل مكان، بل نلجأ اليها جميعا عندما نقع في حالة شرود، ونكون في حاجة الى تجاوز لحظة الورطة تلك... وهي تتميز بسحر خاص تعفي المتسائل من التفكير في أي تعليق أو نقاش، فالذي يسأل يكون بدوره مستعدا لتقبل هذه الأجوبة التي حفرت عميقا في لاوعينا، وأصبحت جزءا من وجودنا الخاص. وكأن كل قوى العالم الفيزيائية والميتافيزيقية تحالفت ضد ارادتنا، و أقسمت بأغلظ الأيمان على أن تنغص علينا هذه الحياة. ويبدو أن الأمر صار قاعدة عامة يحلو للجميع أن ينخرط فيها مادامت تغني المرء عن الدخول في متاهات المسؤولية والمساءلة أو حتى اللوم و العتاب. وهكذا نعيش حالة من الهروب الجماعي الى اتهام الآخر. سواء كان هذا الآخر ظاهرة طبيعية أو قوة غيبية أو آلة أو شخصا أو ثقافة مغايرة... والمهم في كل الحالات أننا نلقي بالمسؤولية، وكأنها كرة من نار، الى أطراف لا دخل لها في الأمر الا من باب تخيلاتنا الخاصة.
خطورة " نظرية المؤامرة " هذه تكمن في تداعياتها الأخلاقية، ذلك أن الانسان الذي يلقي باللائمة على قوى خارجية، في أمور يعود فيها الحل والعقد له دون سواه، هو شخص عاجز عن تحمل المسؤولية، وغير جدير بها. ثم انه يعبر عن غياب أدنى احترام لنفسه وللآخرين. وهو بذلك لا يستحق صفة الانسانية لأنه مفتقد لشروطها الأساسية المتمثلة في العقل والارادة والاختيار. انه شخص مكبل بسلاسل القدرية وماض في سبيله بدون عنوان ولا أفق ولا أسلوب في الحياة. لكن المشكلة تتعاظم عندما يكون العقل الجمعي برمته محبوسا في معتقل المؤامرة، فيكون ذلك مدعاة لشلل على مستوى التفكير والتصرف والمسؤولية. وما حالة التردي التام التي تعرفها مجتمعاتنا على كل المستويات وفي كل المجالات الا ترجمة لغياب حس المسؤولية والمحاسبة القانونية.وفي كل الحالات تكون الاتهامات الجاهزة ملاذا آمنا في أمة مستعدة بالفطرة للتسليم بكل شيء الا لأمر العقل.
قميص يوسف موجود في كل مكان وهو في متناول الجميع، ونحن لا نعدم الوسيلة لتلطيخه بمزيد من الدماء بمناسبة أو بدونها، رغم أننا ندرك أن هذا الذي نتهمه في أمرنا بريء من مصابنا براءة الذئب من دم ابن يعقوب. فيا أيها الذئب عش طويلا و ارفق بنا قليلا. فأنت في عيوننا قاتل يوسف، لكننا نحبك،( بل نحب اتهامك)، ونحن اخوة يوسف. محمد مغوتي.17/05/2010.
التعليقات (0)