اثنتان وعشرون قمة عربية عادية ، وربما أكثر منها قمم طارئة ,, والسؤال : ما النتيجة ؟؟
وحدها قمة الخرطوم عام 1967 كانت القمة الأبرز ، لأنها جاءت بعد نكسة حزيران ، ومع ذلك ، أعلنت لاءاتها الثلاث : لا صلح مع إسرائيل ، لا تفاوض ، لا استسلام ..
وبعد تلك القمة بثلث قرن ، وبعد عشرات القمم العادية والطارئة ، نعود ونتساءل : ما النتيجة ؟؟
الملاحَظ أن كل القمم العربية التي عقدت قبل اتفاقهم على عقدها سنويا ، كانت تعقد في ظروفٍ :
استثنائية ، وطارئة ، وحساسة ، ومفصلية ، ودقيقة ، وخطيرة ، وغاية في الأهمية ... إلى آخر ما هنالك من أوصاف إنشائية ، لم تغير شيئا حقيقيا في أي سبب من الأسباب التي تُعقد القمة من أجله ..
إذ ما زالت ظروفنا :
استثنائية وطارئة وحساسة ومفصلية ودقيقة وخطيرة وغاية في الأهمية ... فما الذي تفعله القمم إذن ؟؟؟
إن معظم القمم السابقة عقدت في ظل احتمال وقوع كارثة ما ، وحين تنتهي القمة ولمّا يجف حبر قراراتها ، تقع الكارثة التي كانت احتمالا قبل القمة ، فصارت واقعا بعدها .. يا لله ماهذا ؟؟؟؟؟؟
۞۞۞
ثم إنني كثيرا ما حسدتُ ـ وما زلت أحسد ـ رؤساء الاتحاد الأوربي أو رؤساء حكوماته مثلا ، أو غيرهم من التكتلات الكبرى في العالم ..
لماذا أحسدهم ؟؟
لأنهم يجتمعون بلا طبل ولا زمر ، ويقررون وينفذون وينفضون بلا طبل ولا زمر أيضا .. ولم أسمع بأن أحدا منهم لا يزور أحدا آخر منهم ، ولم أسمع أن ( فلان لا يكلم فليتان ) ..
ولم أرهم يستقبلون بعضهم بالمراسم والموسيقا وال 21طلقة .. وما بجوز ينقص الوتكة منها ..
ولم أسمع أن فلانا أرسل دعوة لفلان فقبلها ووعد بتلبيتها في وقت يحدد بالطرق الديبلوماسية ..
ولم أسمع عن خطوط حمر في العلاقات الثنائية أو الثلاثية ، ولا عن مرافقات شخصية ، ولا عن وفود إعلامية تهلل وتطبل ، ولا .. ولا ... فكيف لا أحسدهم ؟؟؟
۞۞۞
وبعد .. سأنتقل فورا إلى بث مباشر وحي من مؤتمر القمة العربية العادية ( بمعنى غير الطارئة ، وليس بمعنى أن القمة مجرد قمة عادية ، يعني الحضور الآن بالرواق وليس كرفتة ، كما حصل في قمة الدوحة إبان العدوان الإسرائيلي على غزة ) .. ولأن القمة عااااااااادية تماما ، غاب عنها ثمانية قمم .... منهم من اعتاد الغياب ، ومنهم من اعتاد الإنابة ، ومنهم من هو في فراش المرض ، ومنهم لا أعرف لماذا غابوا ، ولا أعرف إن كان حضورهم أفضل من غيابهم أم العكس ؟؟
۞۞۞
شهدت سنوات التسعينيات مدا وجزرا كبيرين في العلاقات السورية التركية خاصة ، وفي العلاقات التركية العربية بشكل عام ، وما يتبع ذلك من علاقاتٍ تركيةٍ أخرى بالدول المجاورة وبإسرائيل ...
وقبيل الغزو الأمريكي للعراق (آذار 2003) ، استطاع حزب العدالة والتنمية التركي بزعامة عبدالله غول أن يكتسح نتائج الانتخابات البرلمانية ، وصار غول رئيسا للوزراء ووقف موقفا مشرفا هو والبرلمان التركي من قضية السماح للطائرات الأمريكية باستخدام قاعدة إنجرليك في احتلالها للعراق ، وزار معظم العواصم العربية الفاعلة ، يحرضهم على عدم السماح لأمريكا بارتكاب جريمتها ، أو على الأقل عدم مساعدتها ، ولكن :
لقد أسمعتِ لو ناديتِ حيًّا ولكنْ ، لا حياة لمن تنادي
في الوقت الذي استخدمت فيه أمريكا ـ وبترحاب عربي رسمي ـ أرضَ العرب وسماءَهم وبحرَهم وهواءَهم ونفطَهم وغذاءَهم وإعلامَهم بكافة أنواعه وبعضَ القوات العسكرية ، وكان احتلال العراق وصمة عار في جبين جميع هؤلاء الذين سهلوا ذلك لأمريكا وتحالفها المشؤوم ..
وحدهما ـ ربما ـ من كل العالم ، سوريا وتركيا ، رفضتا ذلك علنا ، ولم تساعدا القوات الأمريكية في ارتكابها جريمة ذبح العراق وشعبه ..
وقتها أحببتُ هذا الرجل ( عبدالله غول ) ووجدت فيه نموذج الجار الرائع الذي لم تكن الابتسامة تغيب عن وجهه .. وهذا شعور شخصي نابع من صدق وقوفه إلى جانب العرب أكثر من العرب أنفسهم .. وهذا ما عبر عنه الرجل بمرارة بعد فشل مساعيه في العواصم العربية المتواطئة ، معلقا على ما سمعه من بعضهم : لمَ أنتَ ملكي أكثر من الملك ؟؟
وكان رجب طيب أردوغان ، بعيدا عن السلطة آنذاك بسبب حكم قضائي يحظر عليه العمل السياسي لأجَل ، وحين انتهى هذا الأجل وتسلم أردوغان رئاسة الوزراء من عبدالله غول ، شعرتُ بمرارة من هذا التبدل ، مردّه ما لمسناه من (غول) من مواقف إيجابية لقضايانا حتى اتُّهم بأنه ملكي أكثر من الملك ....
لكن السنوات التالية ، ولاسيما حين سيطر حزبهما على السلطتين التنفيذية والتشريعية ، وصار (غول) رئيسا للجمهورية ، وما تلا ذلك من خطوات سياسية مدروسة تجاه المحيط العربي والإسلامي لتركيا ، جعلني معجبا أشد العجب بهذا الرجل الكبير حقا والعطيم حقا ، وبسياساته وبشخصه ، بل وحتى بأناقته ...
وهناك وقائع كثيرة تدلل على ما قلت ، وكان أشهرها ما جرى في مؤتمر دافوس حين وبّخ رئيس الكيان الصهيوني وانسحب من المؤنمر ، وكذلك حين عاد من زيارته للكيان الصهيوني أيام العدوان على غزة 2008/2009 في محاولة لإيقاف العدوان ، لكنهم تعمدوا إهانته بعد أن فضح رئيس الوزراء الصهيوني واتهمه بالكذب والمراوغة حين كان في تركيا قبيل العدوان بأيام قليلة ...
نعم ، أنا معجب بهذا الرجل ، ومحب لسياساته ، ومعجب أيضا بصيغة الصداقة التي تربط بين الرجلين الحاكمين في تركيا عبدالله غول ورجب طيب أردوغان ..
أما اليوم ، فقد استمعت لكلمته التي ألقاها في مؤتمر القمة العربية في ليبيا ، وتابعتها بشغف ، ووجدت أنه أيضا وفعليا ، ملكي أكثر من الملك ، أي هو مع الحقوق العربية والإسلامية أكثر من العرب وبقية المسلمين جميعا .. وهذا ما قال :
إن القدس هي قرة عين كل العالم الإسلامي وهي القبلة الأولى ولا يمكن قبول أي اعتداء إسرائيلي عليها وعلى الأماكن المقدسة مطلقا ..
وقال : من صميم قلبي أقول إن مصير اسطنبول لا يختلف عن مصير سِرت وعن مصير طرابلس والقاهرة ودمشق وبغداد وصنعاء ومكة المكرمة والمدينة المنورة ومن دون شك مصير القدس .
وقال : إن تاريخنا وعقيدتنا لم يجعلانا أصدقاء فقط بل أقول بخطوط عريضة جعلانا أشقاء وإننا دوَّنـّا التاريخ الغني والكبير لهذه المنطقة معا ويجب ألا يشك أحد بأننا سندوّن معاً أيضاً المستقبل المشرق لهذه المنطقة ..
وقال : إن القضية الفلسطينية هي من أكثر القضايا المهمة والعاجلة من أجل التسوية في المنطقة ، والشيء الذي يقع على عاتق الأطراف في هذه المرحلة هو منح الفرصة بشكل رئيسي للسلام ونريد نحن في هذه المرحلة رؤية نهاية الطريق وليس خارطة الطريق .
وقال : إن إعلان وزير الداخلية الإسرائيلي إيلي يشائي بأن القدس عاصمة لإسرائيل هو جنون ولا يلزم إطلاقا ،ً بل يدفع إسرائيل إلى العزلة .. وإن إنشاء 1600 وحدة استيطانية في القدس المحتلة أمر غير مقبول وليس له أي مبرر ..
ودعا إلى لقاء الحضارات وليس إلى صراع الحضارات ، ورفض فكرة الإسلامو فوبيا أي : ( تخويف العالم من الإسلام ) .. وقال :
فهذا المفهوم جريمة إنسانية ، والذين يقومون باتهام الإسلام بذلك يرتكبون جرائم إنسانية .
لن أسهب أكثر في استعراض خطابه ، لكن ما ذكرته كافٍ ليجعل منه ملكيا حقيقيا أكثر من الملوك ، وأخا حقيقيا أكثر من الإخوة ، وصديقا حقيقيا أكثر من الأصدقاء ، وغيورا حقيقيا على قضايانا أكثر من كثير من أصحابها (الغيارى) ..
رجب طيب أردوغان ، حفظك الله ورعاك ، لآنك أعدتَ للشرق رونقه ، بتحالفك الاستراتيجي مع سوريا والعراق وإيران وغيرها ، وبمواقفك الداعمة للحقوق العربية ، والمعادية لأعداء العرب ..
أيها الرجل الطيب ، أرجو أن لا تكترث لما يمكن أن يقوله عنك بعض أشقائنا العرب ـ مع الأسف الشديد ـ فلقد كانوا ملكيين في معاداتهم لنا وللمقاومة اللبنانية والفلسطينية أكثر من أعدائنا الإسرائيليين والأمريكيين أنفسهم ، بل كانوا عونا لهم علينا وعلى المقاومة اللبنانية عام 2006 وعلى غزة في عدوان 2008/2009..
لن نغفر لهم صنيعهم ، ولن يغفره التاريخ لهم ، ولن يكافئهم عدونا على ذلك ، فلقد فعلها نابليون بونابرت مع أحد العملاء له ، الذين خانوا شعوبهم ، حين رفض أن يصافحه ، لأن من يخون وطنه ليس جديرا بالاحترام ، حتى عند صاحب المصلحة من هذه الخيانة ..
عشتم وعاشت سوريا
السبت /27/آذار الخير/2010
التعليقات (0)