مواضيع اليوم

القلب الأمريكي المظلم

زين الدين الكعبي

2010-09-27 04:59:16

0

 

لا أحد يستطيع أن ينكر أبدا بأن الديموقراطية الأمريكية من أفضل الديموقراطيات في عالم اليوم ، حيث باتت هذه الديموقراطية العلمانية الأكثر أنفتاحا والأقل تطرفا من مثيلاتها في اوربا اللتي بدأت تجنح نحو التطرف والأنغلاق بل والانقلاب على الأسس اللتي بنيت عليها هذه الديموقراطيات العلمانية ، كما حصل من تقنينات منع النقاب والحجاب في بعض الأماكن العامة ، ومنع بناء المآذن ، حتى أننا أصبحنا نرى تمييزا عنصريا وعرقيا بدأ يقنن ويدعم بوقاحة من قبل الشعوب الأوربية ، كما حصل في عمليات الترحيل القسري للغجر من فرنسا وبعض الدول الأوربية الأخرى واللتي وصفها رئيس الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان جان بيير دوبوا قائلا إن "هناك كثيرون منا يقولون بهدوء إن مستقبل هذا البلد ليس في عودة الكراهية القديمة والتحيز العنصري".

ألا أن حتى هذه الديموقراطية العلمانية الأمريكية الأفضل لم تستطع أبدا ومنذ نشأتها أيجاد منظومة أخلاقية قادرة على كبح رغبات مؤسساتها وحكوماتها وصناع قرارها من أرتكاب الجرائم تلو الجرائم في سبيل مصالح ضيقة تحققها هنا أو هناك . وما قتلها لنصف مليون مدني أعزل جالس في بيته أو مكان عمله في خلال ثواني معدودة بقنبلتين نووييتين فقط لتجربة هذا السلاح  بعد حسم المعركة مع اليابان "كما أكدت كتب التأريخ" ألا مثالا صارخا على فشل المنظومة الأخلاقية العلمانية الأفضل عالميا .

دائما ما يتصرف المجرم نتيجة الرعب بعصبية شديدة تقوده الى التصرف بغباء وعنف في آن واحد للحيلولة دون أنكشاف أمره . خاصة أذا ما أقترب أحدا من حقيقة الجريمة اللتي أرتكبها . وكثيرا ما سمعنا عن المجرمين اللذين يقتلون الشهود على جريمتهم . ولا يختلف هذا التصرف الطبيعي للمجرم فيما لو كان هذا المجرم شخصا فردا ، أو مجموعة من الأشخاص ، أو حتى نظاما سياسيا كاملا .

وكلما كان مقدار الصدق والدقة كبيرا في شهادة الشهود كلما أزدادت العصبية وردات الفعل الغير مدروسة والخاطئة للمجرم ، مما يؤدي الى وقوعه بالمزيد من الأخطاء القاتلة اللتي تفضح المجرم أكثر وأكثر حتى تؤدي به الى يوم يدفع فيه هذا المجرم ثمن جرائمه كاملا .

في خطوة ذكرتنا بممارسات دكتاتوريات القرن الماضي بل وبعصور محاكم التفتيش وحرق الكنيسة الكاثوليكية لكتب العلماء المخالفة لأفكارها عن الكون ، قامت وزارة الدفاع الأمريكية، بنتاغون، بشراء وتدمير آلاف النسخ من مذكرات ضابط احتياط في الجيش الأمريكي يدعى شافر، عمل بأفغانستان قائدا لفريق العمليات السوداء إبان عهد الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش.

 طبعها في كتاب بعنوان "عملية القلب المظلم"، بدعوى احتواء الكتاب على معلومات قد تضر بأمن الولايات المتحدة الأمريكية.

ونقلا عن CNN . برر البنتاغون، وعلى لسان المتحدثة باسمه، العميد إبريل كانينام، الخطوة قائلاً: "قررت وزارة الدفاع شراء الطبعة الأولى من الكتاب لاحتوائه معلومات قد تضر بالأمن القومي ." وأوضحت كانينام في تصريح  لـCNN أن مسؤولين من البنتاغون أشرفوا الأسبوع الماضي على عملية تدمير قرابة 9500 نسخة من كتاب العقيد أنطوني شافر .

ولفت الضابط الحائز على الميدالية البرونزية خلال حديثه مع الشبكة، أن أكبر الأخطاء التي ارتكبها الرئيس السابق هو سوء فهم ثقافة المنطقة.

لو كان هذا الفعل صادرا عن الأنظمة السياسية العربية لكان من الممكن فهمه . ولكن حتى هذه الأنظمة الدكتاتورية الوحشية قد وصلت الى درجة من النضج جعلتها تترك أساليب  شراء وحرق كتب تفضح جرائمها ليقينها بأن الأنترنت والتقنيات الحديثة جعلت من هذه الأساليب شيئا عفا عليه الزمن .

وهذا بالفعل ما صرح به مؤلف الكتاب اللذي سخر من ممارسة البنتاجون هذه قائلا "لشخص أن يشتري نحو عشرة آلاف كتاب لقمع قصة في هذا العصر الرقمي أمر مثير للسخرية."

نعم سيد شيفر أنه لأمر مثير للسخرية ، ولكنه الرعب اللذي أدى بالمجرم لرد الفعل هذا . وهو ذات رد الفعل المتخبط اللذي تكلمنا عنه واللذي يصيب المجرم كلما علم أن شاهدا حقيقيا سيفضح جرائمه مما قد يؤدي به الى دفع ثمن غالي أسماه هذه المرة "بالمعلومات الخطيرة على الأمن القومي للولايات المتحدة " .

 

http://arabic.cnn.com/2010/world/9/26/operation.dark.heart/index.html

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات