مواضيع اليوم

القط

عادل جبرتي

2009-11-07 22:40:25

0

                                                                       القط


أطل على الشارع . لا شئ غير عادي . المارة انفسهم الذين صار يعرف وجوه أكثرهم . عاد الى داخل الشقة . بحث عن شئ يأكله ثم شاهد التليفزيون . إضراب . إنتخابات . حروب . كوارث طبيعية . التغيير يعم العالم ولكنه يقف عندي . قال ذلك لنفسه وكأنه يلومها على هذه الحال التي وصل اليها . أخذ يجوب الصالة ذهابا وإيابا , مطرقا رأسه , وكأنه يريد قول شئ , وبهدوء بدأ الكلام .
أنا الآن إنسان لا تربطه صلة مع اي إنسان آخر , لا أم ولا أب ولا حبيبة , لا أحد يعيرني أهتماما , ولا أحد يطلب مشورتي , ولا أصدقاء ازورهم ويزورونني , بل إن حتى زملائي في العمل تنتهي علاقتي بهم عند نهاية الدوام . أذن أنا أنسان غير قادر على القيام بدور الانسان . للإنسان أعباء عليه القيام بها ولكنني لا احتملها . أذن ما الفائدة ؟ لابد من التغيير , فربما وجدت نفسي في كائن آخر , لا بد من التغيير , اعادها وأكد عليها .


فرح بالفكرة وأنتشى عقله بهذه العبقرية التي ألمت به . لأول مرة في حياته يحق له أن يختار . لقد ظلمت نفسي كثيرا حين قبلت أن أكون إنسانا , قالها وهو يأسف على العمر الذي مر بلا فائدة , ولكن الخير قادم بإذن الله . سأعيش كأسد , نعم كأسد , ولم لا ؟ ولكنه سرعان ما اضطرب عندما رأى جسمه الهزيل , فألاسد يجب أن يكون كاسرا , هكذا قال , ثم حتى لو كنت قوي الجسم فليس هنا اسود استأنس بها , ثم أنني اسكن بالمدينة وسأقتل في الحال عندما يكتشفونني , أو سأسجن في قفص في حديقة الحيوان , ويأذونني الصغار , لا , لن انفع أن اكون اسدا . كاكلب , ولكن سرعان ما طرد الفكرة من رأسه . الكلاب تمتاز بنباحها الذي لا اتقنه , ثم انها تعيش حول القمامة وفي الشوارع الضيقة العفنة , فإن اردت مسامرتها فيجب ان ابحث عنها هناك , ثم أن لا احد هنا يهتم لها , بل إنهم يكرهونها . وفجأة صرخ صرخة اهتزت لها جدران الشقة , وكشر عن انيابه فرح عندما سمع مواء قطته . نعم العيش كقط , أين غابت عني هذه الفكرة ؟ كاد أن يطير من الفرح , ثم منذ تلك اللحظة وهو يكيف نفسه على أنه قط . الجسد لا يهم , المهم الروح . أحس بالقط في داخله يكبر ويكبر حتى لم يعد للإنسان وجود . شارك قطته الطعام , وسمح لها بالنوم في سريرة . صار قطا في كل مكان وزمان , وهكذا مضت ايامه . لا يهم إن كان التغيير إلى الافضل أم إلى الاسوأ , المهم هو أنه بدأ يتنفس هواء مختلفا عما كان عليه عندما كان مجرد إنسان .


وفي أحد الايام , كان القط مكبا على عمله , لا يهمه ما يحدث من حوله , ولا يسمع ما يدور من حديث , لكن خبرا افتحم عليه سمعه كأنه الطلقة . كان أحد زملائه يقول للآخر : هل سمعت ما تقوم به وزارة الصحة هذه الايام ؟ إنهم يمسكون بالقطط في الشوارع ويفتشون عنها في البيوت , يقولون أن بها مرض معد للإنسان .

اراد أن يتكلم , أن يصرخ , أن يكذب هذه الشائعات , ولكنه قط , فمن سيسمع له . ثم هرب , وهرب حتى أختفى داخل نفسه ومن يومها وهو مسخ , صورة إنسان ولكن بلا روح , حتى لو كانت روح قط .

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !