خذَلَ الرأيُ العام العالمي مسلمي فلسطين، وطاح شعار "حقوق الإنسان" الذي لا ترتفع صيحاتُه إنْ تكلم اليهود. وخذَلهم إخوانهم المسلمون، عجزا لما هم تحته في مشارق الأرض ومغاربها من معاناة للحكم الجبري القومي اللايكي. فلا يدْرِي المسلم المتفَرِّج على مشاهد الخزي في شوارع القدس والخليل داهيَةَ موقفه وبؤسه حين يفرح وحين يصفق مع فرح الإعلام الرسمي وتصفيقه لبطولة أطفال فلسطين ونسائها المبْسوطين في المجزرة اليهودية، المعذبين في سجون اليهود.
نفس القوة العجوز المهزومة في فتنام ولبنان تحمِي اليوم محميتين على منابع النفط: محميةَ دولة اليهود، ومحميةَ دولة سلاطين النفط. وللمسلمين خارج المحميتين سوءُ المصير. منذ بضع وأربعين سنة يعيث اليهود فسادا في أرض فلسطين، وتُصدر الأمم المتحدة القرارات فيحبسها في مجلس الأمن الحق الأمريكي في الرفض، أو تتجاهلها الدولة اليهودية مطمئنة إلى سنَدِهَا هناك. ومنذ هجم الزعيم القومي صدام على الكويت جنَّدَت أمريكا العالم كله، وانتضت الأمم المتحدة في ثمان وأربعين ساعة سلاحَ المقاومة والمحاصرة بإجماع لم يسبِق له مثيل.
هذا يدل على أن النظام العالمي الجديد وجه جديد لنفس الهيمنة الاستكبارية. فالقارونية الرأسمالية لها أنياب هي اليوم أكثرُ حِدة من أي وقت مضى، وأكثر تلهفا على ما في أرض المسلمين من هذه الثروة الفريدة: النفط. القارونية الرأسمالية لها أنياب ذرية، فهي جَذلَى بمستقبل لا تنغصه المعارضة الشيوعية الآفلُ نجْمُ نظامها.
إن حرية الإسلام ومسؤوليته لها معنى واحد، هو أن نسير إلى الأمام بيقظة ومضاء نقتحم كل عقبة ونستحلى كل مر ونقوى على كل مكروه. إذا اجتمع لنا اثنا عشر ألف مؤمن اقتحمنا القدس ولو بهراوات لا نحسن صنع خير منها لنلقى إحدى الحسنيين، ولن يغلب اثنا عشر ألف مومن من قلة، وعد من نبينا غير مكذوب. وإن قل الزاد حفرنا ارضنا ولو بالأظافر لنستنبت طعام الحرية هنيا مريا بديلا لطعام الخزي والمذلة المتمثل في قمح أمريكا.
من المسلمين من يرفض، بعينين مغمضتين عن التاريخ وحقائقه وعن الوحي وتعليمه معا، أن يكون قد حدث انكسار أو أن يكون الحكم قد فسد، والسنة خضعوا والشيعة ثاروا. هلم بنا نربأ على أنفسنا فما الجدل نريد. بل نريد أن نستسيغ غصص القدس وأفغانستان وحرب الخليج بجرعات من البلسم النبوي. تجرعوها الأحباب، أجيال المسلمين، مرة ولا يزالون. وإن قضاء الله عز وجل النازل بما كسبت أيدي الناس، العائد بالرحمة فضلا من الولي الحميد سبحانه، نزل رجات يتلو بعضها بعضا إلى زماننا. ونأمل من كرمه أن يحط أقدامنا على مواقع القدر الذي نطق الترجمان الإلهي ببشرى تنزيله بالخلافة على منهاج النبوة بعد كل هذا العض المؤلم والجبر. فالانتظار الواثق لتحقيق تلك البشرى هو بلسمنا. والعمل على التعرض لها إعدادا وتربية وتنظيما وزحفا شغلنا فضل من له المنة. لا إله إلا هو.
التعليقات (0)