الحلقة (11)
باشرت النيابة العامّة الإيطاليّة تحقيقاتها فور تناقل وسائل الإعلام خبر انقطاع الاتّصال مع السيد السيّد موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمّد يعقوب والأستاذ عبّاس بدر الدين وذلك ابتداءاً من تاريخ 13/9/1978.
وبتاريخ 19/5/1979 قدّم المدّعي العام الإيطالي (جيروندا) مطالعة تجزم بأنّ الإمام ورفيقيه لم يغادروا الأراضي الليبيّة باتجاه إيطاليا في التاريخ والطائرة ( الرحلة ) المحدّدَين في البيان الليـبي الرسمي.
وفيما يلي نصّ مطالعة المدّعي العام:
مطالعة المدّعي العام الإيطالي ()
نتيجة اطّلاعنا على الوثائق المتعلقة بقضيّة اختفاء الإمام موسى الصدر نوضح ما يلي:
بتاريخ 13 أيلول 1978 ُأبلغت دوائر الأمن عندنا بواسطة أجهزة الإعلام المختلفة أنّ شخصيّة دينيّة شيعيّة لبنانيّة وهي السيد موسى الصدر قد غادرت بيروت في 25 آب مع اثنين من صحبه باتّجاه ليبيا ثمّ انقطعت أخبارهم.
وأنّ وكالات الأنباء ذاتها أضافت أنّ السلطات الليبيّة قد ادّعت، نتيجة لاستفسار السلطات اللبنانيّة، أنّ زيارة السيد موسى الصدر قد انتهت في 31 آب 1978 عندما غادر ليبيا على متن طائرة تابعة لشركة أليطاليا باتجاه روما.
وأنّ التحرّيات لدى شركة الطيران الإيطاليّة في طرابلس قد أسفرت عن معرفة أنّه تمّ إصدار ثلاث تذاكر سفر على خطّ طرابلس ـ روما بأسماء السيد موسى الصدر والشيخ محمّد يعقوب والأستاذ عبّاس بدر الدين وكان رقم الرحلة 881 بتاريخ 31 آب.
كذلك أسفرت التحرّيات لدى السفارة الإيطاليّة في طرابلس أنّه في 31 آب 1978 قد أُعطيت تأشيرتا دخول إلى إيطاليا إلى كلّ من موسى الصدر ومحمّد يعقوب.
إنّ دائرة الشرطة التابعة لهجرة الأجانب في مطار فيومتشينو الإيطالي أعلنت بأنّ السيّد بدر الدين الذي لم يكن حاصلاً على تأشيرة دخول قد حاول لدى سلطات البوليس في دائرة الأجانب في مطار ليونارد دي فنشي الحصول على تأشيرة دخول إلى الأراضي الإيطاليّة لمدّة 48 ساعة معلناً، أي السيّد بدر الدين، بأنّه ينوي متابعة سفره باتجاه مالطة وهذا ما تبيّن بأنّه غير صحيح أثناء التحقيق الذي تلا.
وفي 24 أيلول، وعند الساعة الحادية عشرة وعشرين دقيقة وبينما كانت صحف "بروش" و "الشرق الأوسط" تنشر أخباراً مختلفة ومتناقضة بشأن الاختفاء الغامض للسيد موسى الصدر تلقّى مسؤول من جهاز الأمن الإيطالي في روما معلومات تلفونيّة تفيد بأنّ أمتعة السيد موسى الصدر ورفيقه محمّد يعقوب موجودة في أوتيل "هوليداي إنْ" في روما واستناداً إلى هذه المعلومات تحرّك جهاز الأمن الإيطالي فوراً ووضع الأمتعة لمذكورة تحت الحراسة القضائيّة ثمّ بادر جهاز الأمن بذاته إلى فتح الحقائب التي تبيّن بوضوح أنّها كانت موضّبة من قبل أشخاص لم يحرصوا على حفظ محتوياتها بشكل جيّد، مثلاً الأمتعة الداخليّة كانت مبعثرة داخل الحقائب ومختلطة مع مستندات ورسائل مختلفة.
وبالنتيجة تبيّن أنّ معظم موجودات الحقائب كانت تؤكّد أنّها وضعت بشكل فوضوي. الحقيقة كانت واضحة بأنّ الأمتعة الشخصيّة والمستندات التي ضمّت أوراق مطبوعة دكتيلوغرافيا كانت مبعثرة في حقيبتين.
ومن البديهي أن نستنتج أنّه لو كان السيد بشخصه مسافراً لما كانت الأوراق قد اختلطت بهذا الشكل، وأنّه لا يوجد أدوات حلاقة ضروريّة لشخص كالسيد كان يهتمّ بمظهره ونظافته الخارجيّة.
في الغرف التي حجزت في الفندق من قبل الشخصين المشبوهين وجد جهاز الأمن الإيطالي جوازي سفر مكشوفين على الطاولة باسم السيد موسى الصدر والشيخ محمّد يعقوب.
لقد حصل جهاز الأمن الإيطالي على صورة شمسيّة للسيد نفسه بواسطة اتصال مع عائلته الموجودة في باريس، وقدّمنا الصورة إلى موظّفي الفندق الّذين أكّدوا بعد مشاهدة الصورة الشمسيّة أنّ الشخص الذي دخل الفندق باسم موسى الصدر وبجوازه لا يمتّ بأيّ شكل من حيث المنظر ولا القامة للسيد موسى الصدر. وأنّ موظّفي مطار فيومتشينو قد استجوبوا وأعلنوا أنّ السيد موسى الصدر حسب أوصافه الحقيقيّة لم يمرّ أبداً بجهاز الأمن الخاص بدائرة الأجانب في المطار ذاته، كما أكّد جميع ركّاب الدرجة الأولى لرحلة الخطوط الجوّيّة الإيطاليّة رقم 881 بتاريخ 31 آب أنّ أوصاف الرجل التي تنطبق على السيد موسى الصدر لم تكن موجودة على متن الطائرة إطلاقاً، كما أكّد ملاّحو الرحلة نفسها على الأشياء ذاتها بكلّ حذافيرها.
إنّ تحقيقات لاحقة قد أُجريت في هذا الموضوع من قبل جهاز الأمن الإيطالي لمعرفة ما إذا كان الإمام قد سافر بواسطة شركة طيران غير الشركة الإيطاليّة بتاريخ 31 آب أو بعد هذا التاريخ باتجاه إحدى دول الشرق الأدنى أو الشرق الأوسط وتبيّن من هذه الأبحاث أنّ الإمام لم يكن على إحدى الطائرات التابعة لأيّ شركة في ذلك التاريخ.
نتيجة لذلك، نرى بكلّ تأكيد أنّ الإمام لم يشاهد حيّاً من قبل أيّ كان خارج طرابلس - ليبيا. إنّ أحد أصدقاء السيد موسى ويدعى (علي نظر) قد صرّح أنّه قابل السيد في طرابلس- ليبيا في فندق الشاطئ وأعطاه الإمام رسالة شفهيّة إلى عائلته حتى يسلمها فور عودته إلى باريس واستناداً إلى قول علي نظرإنّ عودة السيد إلى باريس كانت متوقّعة ما بين الثاني والثالث من أيلول 1978، وأكّد " نَظَر" أنّه بناءاً لطلب الإمام، يؤكّد تاريخ عودته إلى ولده، أي إلى ابن الإمام في باريس، وهذه المقابلة استناداً للمصدر المذكورـ قد تمّت بحضور عبّاس بدر الدين الذي أشار أثناء الحديث إلى احتمال العودة إلى باريس مروراً بروما في حال تعذّر الحصول على طائرة مباشرة بين طرابلس وباريس.
إنّ الشاهد (علي نظر) يقول في هذا الموضوع أنّ السيد لم يُشر في حديثه إليه إلى الذهاب إلى روما، وأنّ إحدى النقاط الأكثر أهمّيّة في الموضوع هي أنّ السيد قد صرّح أنّه على موعد لمقابلة القذّافي في 1 أيلول ممّا جعل احتمال مغادرته الأراضي الليبيّة في 31 آب غير ممكن وغير منطقي.
نستنتج من جملة هذا التحقيق عنصراً أكيداً وهو أنّه لا يوجد برهان واحد على أنّ الإمام قد أخذ الرحلة التابعة لشركة الطيران الإيطاليّة رقم 881 من طرابلس إلى روما، كذلك نستنتج استناداً لعدّة مصادر، أنّ الإمام لم يترك طرابلس مع أيّ شركة طيران أخرى.
إنّ المدّعي العام الجمهوري للمحكمة العليا في روما يؤكّد استناداً للتحقيقات أنّ الإمام وصحبه لم يغادروا الأراضي الليبيّة باتجاه إيطاليا.
لهذه الأسباب: إنّ هذه القضيّة هي من اختصاص قاضي تحقيق المحكمة العليا في روما استناداً إلى المادة 74 من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة، كذلك إلى المادتين 6 و 7 من القانون الجزائي، وهذا التحقيق يُنهي مهمّة جهاز الأمن الإيطالي في روما.
[مارغريتا جيروندا- المدّعي العام الجمهوري]
التعليقات (0)