القصيدة وصناعة المستقبل . للمفكر/ إبراهيم أبو عواد . جريدة العرب اللندنية 19/7/2012
لا يمكن اعتبار القصيدة نظاماً لغوياً مغلقاً يخلو من الأبعاد السياسية والاجتماعية . فاللغةُ الشعرية هي وعاء حاضن لأبعاد المجتمع الأفقية والعمودية ، الذهنية والواقعية . وهذه الحقيقة تشير إلى مدى تغلغل الفكر الشعري في النسيج الاجتماعي ، وتحوُّل القصيدة إلى قَوْمية قائمة بذاتها ، ذات خصائص متميزة ، وامتدادات شعورية متفردة .
ومن خلال هذا المنظور يتضح دور النص الشعري في تعميق فرص الالتقاء بين الأضداد ، وتجميع العناصر الاجتماعية المتنافرة من أجل بناء مجتمع متنوع ومتجانس . وهكذا تبرز الوظيفة الشعرية باعتبارها كشفاً للأقنعة ، ومشروع تعرية للأوهام المتجذرة في البنية المجتمعية . فلا يمكن للمجتمع الإنساني أن يتجذر في القيم الحضارية في ظل وجود الأقنعة والأوهام ، فلا بد من تطهير النسق الاجتماعي من نقاط الضعف قبل الانطلاق نحو المستقبل . وهذه المهمة المصيرية لن تنجح بدون مشروع ثقافي مندمج مع حياة الإنسان وتطلعاته .
وإذا تجذرت الثقافة كجوهر للحياة الإنسانية ، فإن المستقبل يصبح ذا تماس مباشر مع حياة الفرد والجماعة ، وليس حلماً بعيد المنال أو شعاراً رومانسياً في الهواء . وهنا تظهر ضرورة نقل الفرد من الحالة الاعتيادية إلى الأفق التثويري ، وذلك من أجل إضفاء المعنى والشرعية على الحلم الإنساني وسُبل تحقيقه . وبالتالي لا مفر من جعل القصيدة شبكةً متشعبة تصل بين العوامل السيكولوجية للكيانات البشرية .
وبالإضافة إلى كَوْن القصيدة حلقة وصل بين الإنسان وإنسانيته ، فإنها أيضاً حكومة موالية للمعنى، تتفاعل فيها كل الأبجديات السياسية والاقتصادية، السكونية والديناميكية . وهذه التفاعلات تشكِّل خطوةً أولى في درب التحرير المعنوي، أي تحرير المعنى من ثقل الألفاظ . ومع هذا فيجب حشد المعاني الصارخة في اللفظة للوصول إلى مرحلة تثوير المعنى .
ولا يخفى أن المفاهيم الثورية الطامحة إلى تنمية ثقافة المجتمع ومجتمع الثقافة بحاجة إلى تنظيم دقيق لئلا يسقط المجتمع في الفوضى والارتجال . فكل نسق حضاري لا يعرف نقطتَي البداية والنهاية سوف ينهار سريعاً ، وكل مجتمع لا يعرف مساره ومصيره سوف يضيع في الطرق المتشعبة . ومن هنا تبرز أهمية العالَم الشعري الافتراضي في تحديد اتجاهات العالَم البشري الواقعي ومنحه البوصلة ودفة القيادة .
http://www.facebook.com/abuawwad1982
التعليقات (0)