القصيدة تعيد الحياة إلى المجتمع . للكاتب / إبراهيم أبو عواد . جريدة العرب اللندنية 17/20/2011
إن القصيدة تخترع خط سيرها الخاص اعتماداً على مبدأ توليد أبجديات جديدة قادرة على حمل الحلم البشري إلى المستقبل ، وصهر الأطر الزمنية في الفكر الاجتماعي العابر للمراحل . وهكذا تغدو الثقافة الشعرية لغةً جديدةً تبتكر مناهج إنسانية متميزة تعيد الفردَ إلى ثقافته ، وتعيد ذاكرة الثقافة إلى المجتمع . الأمر الذي يجعل من المجتمع الإنساني بأكمله خليةً ثقافية متكاملة ونشطة ، وعملاً إبداعياً يشارك الجميع في صياغته .
والقصيدةُ هي مشروع جماعي يساهم الأفرادُ كلهم في صناعته . وهنا يتجلى المزجُ الفعال بين البعد الاجتماعي التثويري ومنظومة الخلاص الشعرية . وكلما قمنا بتوظيف المعالَجة الواقعية للخيال القصائدي في تفاصيل الحياة الإنسانية للفرد والجماعة، حصلنا على مجتمع ذهني يوازي المجتمع المادي الحياتي ، وعندئذ تتكاثر الأبعاد الاجتماعية ، وينهار الجدار الفاصل بين الإنسان ( الكائن المتحرك في العوالم المادية ) والشِّعر ( الكائن المتحرك في العوالم الافتراضية ) ، فتصير القصيدةُ مجتمعاتٍ متعددة ومتجانسة ذات تداخلات حاسمة مع كل الطبقات البشرية . وهذه التداخلات كفيلة بإخراج الشُّعور الجمعي من دائرة التَّسلع والاستهلاكية الفجة ، وتحويله إلى بُنى إنسانية قادرة على منح الكائن الحي إحساساً متأججاً بالحياة في ظل الأنساق الميتة التي تحاصر المجتمعَ ، وشعوراً بالحياة في تفاصيل الطبيعة التي هي شكلٌ آخر للقصيدة الحية .
وهذه الحياةُ الهادرة هي البيئة الخصبة لاحتضان النص الشعري وضمان نموِّه بكل سلاسة . فالشِّعر لا يمكن أن يترعرع في مجتمع ميت ذي مشاعر مقتولة. لذا فإن المنظومة الشِّعرية تأخذ على عاتقها إعادة الحياة للمجتمع _ عبر تكثيف حرارة التعبير وتكريس صدق العاطفة _ من أجل ضمان استمرارية حياة القصيدة .
وإذا أدركنا أبعاد الحياة الاجتماعية في جسد القصيدة ، فسوف ندرك أهمية النَّص باعتباره ذاكرةً وخزيناً تاريخياً مذهلاً يوازن بين الأصالة والمعاصرة ، بين التراث والحداثة ، دون إقامة قطيعة بين الأطوار الزمنية ، لأن الشِّعر زمنٌ كُلي عابر للحواجز الوهمية والحدود الاصطناعية بين الماضي والحاضر والمستقبل . كما أن الشِّعر عملية غَرْبلة للتراث الأدبي والتاريخ الحضاري . إنه أشبه بالماء المقطَّر الذي يتخلص من الشوائب فيصبح مفعماً بالنقاء . وهذا النقاءُ يعيد تشكيل خارطة المجتمع الإنساني على شكل قصيدة تختزل تواريخَ المشاعر الحياتية ، ومعالِمَ وجوه البشر ، ومفاصلَ الزمكان ( الزمان _ المكان ) .
http://ibrahimabuawwad.blogspot.com/
التعليقات (0)