القصيدة ترفض التهميش . للمفكر/ إبراهيم أبو عواد . جريدة العرب اللندنية 26/11/2012
إن القصيدة الحقيقية تنبع من عمق التجربة الداخلية للمجتمع الذي ينمو في وَعْينا اللغوي . وهذا النمو يعيد إنتاج الذاكرة الإنسانية ، وبناء أحاسيس الجماعة البشرية على قاعدة صلبة نابعة التكثيف اللغوي و الفاعلية الشعرية، مما يضمن استمرارية تلاحم القوة المجتمعية مع القوة الثقافية. الأمر الذي يقود إلى توليد قصيدة محلِّقة في الخيال ومعجونة بالواقع ، بلا تناقض أو تنافر .
والمدى الواسع الذي تتحرك فيه القصيدة يُحتِّم عليها أن تختلط بوجوه الناس ومشاعرهم وأزماتهم ، فلا يمكن للوعي الشعري أن يقف على الحياد ، لأن النص المحايِد هو ركام لغوي ميت ومحجوب عن تداعيات الفعل الاجتماعي ، ويؤدي إلى انهيار الجسم الشعري بأكمله ، وانكسارِ المشروع الثقافي. لذلك لا يمكن القبول بقصيدة تولد في الهامش وتموت في الهامش، لأن هذا الأمر يتعارض بالكلية مع فلسفة الشعر الطامح إلى تأريخ مفاصل الوجود الإنساني في عالَم حافل بالمعاني واللغويات والوجدانيات .
إن القوة الشعرية هي امتداد للتمرد المنهجي لا الفوضوي، وبالتالي فإن البنية الفكرية للقصيدة ترفض التهميش _ جُملةً وتفصيلاً _ . فالتهميشُ يسلب شرعيةَ الوجود القصائدي ويُحيله إلى ظاهرة صوتية عاجزة عن التأثير في البيئة المعرفية . كما أن قوة القصيدة كامنة في مشروعية الرفض، أي قدرتها على قول : (( لا )) في الوقت الذي يخاف فيه الآخرون من قول : (( لا )) .
وهكذا تحرق القصيدةُ الملتهبة الحِيادَ القاتل ، وتصنع بوصلتها الخاصة التي ترشد الكائن الحي إلى كيانه العاطفي والمادي . وبالتالي فإن الوهج سيدب في الأنساق الثقافية برمتها لينقلها من طَوْر التعبير الاجتماعي المرتجف إلى طور الثقة المطلقة بالهوية الشعرية ومكوِّناتها الاجتماعية .
http://www.facebook.com/abuawwad1982
التعليقات (0)