في العالم بأسره يهتم الناس كثيرا بحياة الملوك والأمراء والأميرات.
وقد ظلت حياة القصر بالمغرب تحيط بها قدسية من نوع خاص، لكن اليوم، مع العهد الجديد تغير الوضع وتم اعتماد مسار نحو التفتح عبر التخفيف من البروتوكولات وظهور أفراد العائلة الملكية في وسائل الإعلام أكثر مما كان سائدا في السابق.
بالأمس القريب، كانت حياة الملك والأسرة الملكية يحجبها جدار سميك من السرية ولم يكن أحد يتجرأ على التفكير في تناولها كموضوع إعلامي رغم أن كافة المغاربة ظلوا شغوفين بمعرفة كل شيء عن ملوكهم وأمرائهم وأميراتهم وكانوا يفتخرون فيما بينهم بما يملكونه من أخبار ومعلومات عن الملك والقصر والأسرة الملكية، في حين أن العقلية المسكونة بالهاجس الأمني ظلت تعتبر هذا المجال من المحرمات على الشعب، آنذاك كان المغاربة “يتقززون” من تصرفات رجال السلطة الذين كانوا يفرضون عليهم أساليب معينة للتعبير عن وطنيتهم وحبهم للملك ويحرمونهم من التعبير عنها بتلقائية وصدق وأصحاب هذه العقلية هم الذين يرون حاليا أن تناول الصحافة المستقلة، لجوانب من الحياة الخاصة للملك وأفراد الأسرة الملكية، بمثابة تطاول وجب مواجهته بالردع الشديد، متناسين أن اهتمام المغاربة بهذا الخصوص هو نابع أصلا من حبهم للملك ومن وطنيتهم الصادقة النقية وليس من الوطنية “المفبركة” التي تألق أصحاب هذه العقلية تلقينها للمغاربة رغما عنهم.
إن التطرق إلى مثل هذه المواضيع لا يضر البلاد كما يعتقد هؤلاء، بل على العكس من ذلك، يؤكد على أن المغرب من أفضل البلدان العربية من حيث احترام حرية الصحافة وتعددية الأحزاب السياسية من مختلف التوجهات الفكرية والسياسية ومن حيث شعور المواطن بالأمن والأمان.
وفي هذا الملف، نعرض على القارئ ثلة من الأوراق عن مراحل تاريخية تعكس خبايا ومواقف ومشاهد وأحداث وطرائف مرتبطة بشكل أو بآخر ببعض خبايا القصر والحياة خلف أسواره.
من الطقوس القديمة
إن عادة تقبيل يد الملك ظلت من الطقوس القديمة الساري بها المفعول إلى حد الآن، علما أن الرعايا كانوا يسجدون للملوك العلويين ويقبلون أحذيتهم.
وعادة تقبيل يد الملك يعتبر الكثيرون من قبيل واجب الاحترام لشخص الملك، في حين يرى البعض أنها أضحت لا تتلاءم مع مفهوم المواطنة ومبادئ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا.
ففي عهد الملك الراحل الحسن الثاني، على كل مغربي مسلم كان أم يهودي أن يقبل يده ما عدا “العلماء”، الفئة الوحيدة المعفاة من هذا التقليد، إذ عوض تقبيل يد الملك كانوا يكتفون بتقبيل كتفه.
وقد عرف عن الملك الراحل الحسن الثاني أنه لم يكن ليتنازل عن هذه العادة، لكن مع عهد الملك محمد السادس لم تعد هذه المسألة إجبارية وملزمة، بل أضحت أمرا اختياريا يتعلق بكل شخص.
وفي هذا الصدد، فقد سبق لإحدى البرلمانيات أن صرحت أنها كانت تحمل هما ثقيلا قبل لقائها مع الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية قبل بضع سنين، وقالت إن مبادئها لا تسمح لها بالانحناء لتقبيل يد الملك، لكن البرلمانية اجتازت هذا الامتحان بسلام إذ لم تكن الوحيدة التي صافحت الملك دون الانحناء لتقبيل يده وقد تأكد لها آنذاك أن تقبيل يد الملك أضحى أمرا اختياريا وليس إجباريا كما كان الحال في عهد الملك الحسن الثاني.
وعندما استقبل الملك محمد السادس وفد المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية لم يقبل بعض أعضائه يد الملك، فقام عبد الحق المريني (حارس التقاليد المخزنية) بتنبيههم بشدة آمرا إياهم بضرورة وإلزامية تقبيل يد الملك.
وللإشارة فإن ملك السعودية قد أعلن رسميا عن التخلي عن تقبيل اليد بمملكته وأن هذه العادة قد تم إلغاؤها من البروتوكول الملكي السعودي وتمنى العديد من المغاربة أن يكون المغرب سباقا لمثل هذه التغييرات بفعل الخطوات التي حققتها البلاد.
إحياء تقليد القرن السادس عشر
من التقاليد التي أثارت الكثير من التساؤلات في السر، تقليد تقبيل الظهائر الشريفة أو الرسائل الملكية قبل تلاوتها، إذ كان المكلف بتلاوة الرسالة الملكية أو أحد الظهائر الخاصة بالتعيينات السامية، ملزما بتقبيل الأوراق المحتوية للنص ثلاث مرات قبل الشروع في قراءتها وأحيانا كانت تحضر فرقة من “مخازنية” القصر لترديد عبارة “الله يبارك في عمر سيدي”.
وأكد جملة من المؤرخين أن هذا التقليد كان معمولا به في القرن السادس عشر كرمز لحضور الملك رغم غيابه عن المكان وقد عمل الملك الراحل الحسن الثاني على إعادة إحياء هذا التقليد، في كل مناسبة أتليت فيها رسالة أو كتاب ملكي أو بمناسبة تعيين القضاة أو شخصيات وازنة في مواقع سامية.
الملوك الثلاثة
يرى الكثير من المحللين أن صورة الملك محمد السادس في مخيلة العديد من المغاربة هي أقرب إلى جده الملك الراحل محمد الخامس منها إلى والده الملك الراحل الحسن الثاني، فإذا كان هذا الأخير يلقب بـ “ملك المغرب” أكثر من أي لقب آخر، فإن أول لقب نعت به الملك محمد السادس بعد اعتلائه عرش البلاد (بعد لقب M6) هو لقب “ملك الفقراء” وهو لقب قريب جدا من اللقب الذي أطلقه الفرنسيين على جده الملك الراحل محمد الخامس “ملك كاريان سانطرال” وهما اشتركا معا في ميزة لاحظها الجميع، وهي توحيد المغاربة ولفهم حول الأمل في الغد. علما أن الملك الراحل الحسن الثاني دأب على الاستشهاد بجده السلطان الحسن الأول أكثر من أي سلطان آخر وفي هذا الصدد قال الصحفي “إينياس دال” : “إن الحسن الثاني، مثل محمد السادس تشنجت العلاقة بينه وبين والده في أواخر حياته”.
حياة القصور في عهد الحسن الثاني
ظل الكثيرون يعتقدون أن حياة القصور في عهد الحسن الثاني مطبوعة بمشاهد ألف ليلة وليلة ومؤثثة بالأواني الذهبية والفضية والبلور القح (الذي ينفجر بمجرد احتوائه لمادة مسمومة) والعربات الذهبية والعبيد وحريم يضم العديد من النساء والسهرات الباذخة.
كما شاعت في الأوساط الشعبية جملة من الاعتقادات، من قبيل الاجتهاد في الحصول على روث الحصان الذي يمتطيه الملك وذلك للتبرك منه وسادت جملة من المعتقدات عسيرة التفسير من قبيل “التبارود” الخليط الخاص الذ كان يدهن به الملك وجهه وحرص الملوك العلويين على عدم عبور واد ماسة والتشاؤم من مصادفة عيد الفطر أو عيد الأضحى ليوم الجمعة والامتناع عن زيارة مدينة وزان وعدم إلزامية الملوك للقيام بالحج وكلها أمور بقيت مستعصية على الفهم لدى عموم المغاربة.
ومن التقاليد التي كانت قائمة في القصر أن المكلفين بإلباس السلطان الزي السلطاني الرسمي دأبوا على احترام جملة من القواعد ومن الإشارات الدالة عليها احترام مقاييس مضبوطة للجزء الظاهر من “الشاشية الحمراء” تحت العمامة البيضاء وقيل أن كبر أو صغر الجزء الظاهر من “الشاشية” يشير إلى مزاج السلطان ذلك اليوم، إذ إن كبر ذلك الجزء يفيد أنه غاضب، والعكس بالعكس.
المكلفون بمهام خاصة جدا
هناك جملة من الأشخاص كانوا قريبين جدا من الملك الراحل الحسن الثاني مكلفين بمهام خاصة لا يعلم طبيعتها أحد، من هؤلاء يمكن ذكر “الدكتور روبير” والإغريقي المهدي و “الدكتور بيهي”.
فالدكتور روبير والمهدي كانا حاصلين على درجة سفير وفي حوزتهما جوازي سفر ديبلوماسيين ورهن إشارتهما طائرتين خاصتين ونفس الشيء بالنسبة للدكتور بيهي، الذي كان سفيرا خاصا ويقطن بالقصر ومكلف بمهمة خاصة.
رواية الإيطالية
من القصص التي راجت بين المغاربة كثيرا، في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي قصة حب الملك الراحل الحسن الثاني، عندما كان شابا وليا للعهد، لإحدى الإيطاليات وهي قصة انتشرت كثيرا بين الفئات الشعبية بالرباط وسلا، اختلطت فيها روائح الخيال مع رحيق الحقيقة ربما لأن رواتها شاؤوا أن يكون ولي العهد بطلها.
آنذاك، كان جلالته قد تألق في جملة من المواقف أعلن عنها في فرنسا، سواء بخصوص حاضر المغرب ومستقبله أو بخصوص احترام فرنسا لتاريخها ولجوهر ما قامت عليه الجمهورية الفرنسية من عدل ومساواة وأخوة وقيل إن فتيات فرنسا كن ترين في الملك الحسن الثاني، الشاب الذي تنبض أفكاره بالثورة ونموذجا لفارس الأحلام الذي كان شامخا حتى في جلوسه بمدرج الكلية أو المقهى الذي اعتاد لقاء أصدقائه و”شلته” فيها، ويرين فيه أيضا الفتى القادر على فعل كل ما يريد مهما كانت المخاطر والصعوبات والعراقيل والمثبطات.
وظلت هذه القصة منتشرة وترددت على الكثير من الألسنة، وشاعت أكثر عندما تناولتها إحدى الجرائد الأوروبية آنذاك..
الفنان الذي حلم بالزواج بالأميرة
بعد إحياء جملة من السهرات الخاصة بحضرة الملك الراحل الحسن الثاني وشق طريقه في مجال الأغنية المغربية، أراد أحد الفنانين المعروفين أن يصبح من علية القوم ووجهائهم فقرر خطبة إحدى الأميرات من الملك.
لم يكتف ذلك الفنان بحدود دوره، المتمثل في إحياء سهرات خاصة في حضرة الملك، فخطط لمصاهرته معتقدا أن قربه من الملك إبان السهرات الخاصة سيشفع له اقحام نفسه ضمن ذوي الحظوة الخاصة.
كان مجرد إقدامه على خطبة أميرة من قبل المخاطرة والمغامرة، وكانت عاقبة تصرفه معروفة إذ شاعت القصة وترددت على كل الألسن، بمن فيهم زملائه الفنانين والعازفين، غاب الفنان المغامر عن الأنظار وقيل أنه غادر المغرب.
وعندما طوى النسيان قصته، ظهر بالعاصمة على مثن سيارة من نوع “موستانك” زرقاء اللون تحمل لوحاتها الأمامية والخلفية اسمه مكتوبا باللون البرتقالي
الملك محمد الخامس يطالب بالتعويض عن المنفى القسري
كشف الصحفي “إيناس دال”، الذي عمل خمس سنوات كمراسل للوكالة الفرنسية للأخبار (AFP) بالمغرب، عن برقية “لأندري لويس ديبوا” مؤرخة في 3 يناير 1956، جاء فيها أن السلطان محمد الخامس كان يرغب أن تقوم فرنسا بتعويضه بشكل مناسب عن 26 شهرا التي قضاها رفقة أسرته الملكية في المنفى بكورسيكا ومدغشقر وكان قد قدر ما صرفه بما يناهز 70 مليون فرنك فرنسي آنذاك خلال المنفى بكورسيكا.
كما أشار “إيناس دال” إلى أن فرنسا وافقت بسرعة فائقة على تخصيص ما قدره 600 مليون فرنك فرنسي كتعويض عن الضرر الذي لحق السلطان محمد الخامس.
وفي 4 يناير 1956 أذن “آلان سافاري” بتحويل التعويض لحساب السلطان.
محمد الخامس يفاجأ بوجود قنابل نووية بالمغرب
بعد حصول المغرب على الاستقلال، فوجئ الملك الراحل محمد الخامس بوجود قنابل نووية على التراب المغربي ولم ينكشف أمرها للقصر إلا بعد عودة الملك من فرنسا بعد نهاية مفاوضات “إيكس ليبان”.
في يناير 1952، في خضم أجواء الحرب الباردة، أصدر الرئيس الأمريكي هنري ترومان أمره لترحيل قنابل نووية ساكنة (أي لا تحتوي على حمولة نووية من اليورانيوم والبلوتونيوم) إلى المغرب ووافق على تسليح بعضها وإيداعها بثلاث قواعد إستراتيجية في نظر واشنطن آنذاك، وهي: قاعدة بن كرير (ناحية مراكش)، قاعدة النواصر (الدار البيضاء) وقاعدة سيدي سليمان (ناحية القنيطرة) وقد تأكد أن تلك القنابل النووية ظلت مودعة بتلك القواعد الأمريكية من مايو 1954 إلى شتنبر 1963، علما أن قرار إيداعها لم يكن في علم فرنسا أو المقيم العام الفرنسي بالمغرب قبل الاستقلال.
وخلافا لما كان سائدا من قبل، أن أولى القنابل النووية المودعة خارج التراب الأمريكي، كانت بالمغرب وليس ببريطانيا كما تم الترويج لذلك.
وقيل أن الملك محمد الخامس تعرف على وجود القنابل النووية الأمريكية بالمغرب من أحد المسؤولين الأمنيين الأمريكيين في إطار حديث يخص تقوية العلاقات الإستراتيجية الأمريكية المغربية مباشرة بعض حصول المغرب على استقلاله.
المهمة الخاصة التي دفعت المذبوح إلى التفكير في الانقلاب
قبل انقلاب الصخيرات بشهور، كلف الملك الراحل الحسن الثاني المذبوح بمهمة خاصة بالولايات المتحدة الأمريكية تحت غطاء تهيئ الزيارة الخاصة لأمريكا التي كانت مقررة في الأسبوع الأخيرة من شهر أبريل 1971.
علما أن المهمة الحقيقية كانت هي البحث عن الأسباب الحقيقية لغضب حكومة واشنطن من المغرب.
وحسب مجلة “إكسبريس” الفرنسية تمكن المذبوح من معرفة السبب بسهولة إذ أن الأمر يتعلق برسالة وجهها المدير العام لشركة “باناميريكان إيرويز” إلى صديقه “وليام روجرس”، كاتب الدولة، مرفوقة بنسخة من كتابات واردة من المغرب وتهم قطعة أرضية بمدينة الدار البيضاء كانت الشركة ترغب في اقتنائها لتشييد فندق راق. وفي إحدى الرسائل المرفقة، أضاف أحد المقربين للقصر بخط يده العبارة التالية: “يجب دفع كذلك 600 مليون…”.
إضافة لهذا اكتشف المذبوح بالمغرب شبكة منظمة لتهريب المعادن النفيسة تحت إمرة شخصيات وازنة.
وقد قيل، إن هذين الاكتشافين هما اللذان دفع المذبوح إلى التفكير في إعداد انقلابه بسرعة.
معاينة إعدام الانقلابيين
بعد انقلاب الصخيرات، تكلف الجنيرال محمد أوفقير باستنطاق جملة من رفاقه الجينيرالات على امتداد ليلتين لم يدق خلالهما طعم النوم وفي اليوم الثالث توجه باكرا إلى تكنة مولاي إسماعيل بالرباط لحضور إعدام الضباط المدنيين.
ومن شرفة أحد البنايات تابع العملية عن بعد بواسطة المنظار.
بعد إطلاق النار وسقوط أجساد المعدومين على الأرض، أمر أحد الضباط الجنود بالبصق عليها.
بعد انقلاب الصخيرات فقد المغرب 9 جنيرالات من 14 ولم يبق إلا 5 جنيرالات.
وفاة الملك محمد الخامس
يوم الأحد 10 رمضان، في منتصف النهار خرج الملك الراحل الحسن الثاني (ولي العهد آنذاك) من المصحة التي كان يتواجد فيها الملك الراحل محمد الخامس والتي وافته المنية آنذاك وبمجرد ظهوره بمدخل المصحة توجه نحو بعض المقربين المتجمهرين بالبهو لسؤاله عن حال الملك، فأجابهم بعبارات عامة دون إخبارهم بالحقيقة.
اتجه الملك الراحل الحسن الثاني إلى القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية وأشرف على تنظيم مصالح لحفظ الأمن بمدينتي الرباط والدار البيضاء وأعلن حالة الطوارئ في صفوف رجال الأمن.
بعد ذلك، دعا لاجتماع المجلس الوزاري وأخبر الحاضرين بوفاة الملك وبعد صلاة العصر تم إخبار الشعب المغربي بالمصاب الجلل عبر الإذاعة وبواسطة “البراح” في مختلف أرجاء المملكة.
لغز السياسة الخارجية في عهد الحسن الثاني
تساءل الكثيرون بخصوص الضوابط التي كانت تتحكم في السياسة الخارجية المغربية في عهد الحسن الثاني.
وبعد سنوات تبين أن لغز هذه السياسة ارتبط بالأساس بتعريف فحوى ومضمون الدولة المغربية من جهة ومن جهة أخرى بطبيعة العلاقة بين الملك والأحزاب السياسية المنبثقة عن الحركة الوطنية (لاسيما المعارضة منها) فيما بين 1961 و 1999.
وقد تحكم هذان العنصران في السياسة الخارجية المغربية الحسنية، لكن كيف كان الملك الحسن الثاني يحدد اختياراته الديبلوماسية في مرحلة مطبوعة بتشنج العلاقة بين القصر والمعارضة وإكراهات الموقع الجيوسياسي للمغرب وضغوطات النظام العالمي آنذاك؟
تعتبر الديبلوماسية عموما والسياسة الخارجية على وجه الخصوص، من المجالات التي تبين بجلاء دور كل من المقرر الأول والأخير وهو الملك وبعض المساهمين في صناعة القرار الديبلوماسي في الكواليس والدور المقزم للأحزاب السياسية المغربية والباطرونا والهيآت الوطنية غير الحكومية.
لقد ظلت السياسة الخارجية المغربية في عهد الملك الحسن الثاني مطبوعة بالحضور الدائم لحرص الملك على ضمان قوة واستقرار النظام السياسي وبتدبير الصراع القائم بين القصر وأحزاب المعارضة في اتجاه يقوي المؤسسة الملكية آخذا دائما بعين الاعتبار إلتزاماته وتوافقاته، العلنية والسرية، مع حلفائه وأصدقائه الخارجيين الذين كانوا يضمنون لهـ مقابل ذلك، توازنا إقليميا مغاربيا دون الإضرار بالمغرب آنيا واستراتيجيا.
كلمة السر
بعد فشل انقلاب 16 غشت 1972، اعتقلت عائلة أوفقير واقتيدت الأم وأطفالها إلى الجنوب لوضعهم في سجن خاص بهم.
كل صباح وعلى امتداد سنوات وكان القصر الملكي يتوصل ببرقية عبر الراديو موجهة لشخص واحد دون سواه، الجنيرال مولاي حفيظ العلوي، أحد أقارب الملك ووزير القصور والتشريفات الملكية والذي تكلف بكل القضايا الشائكة والسرية بالقصر الملكي.
كل صباح كان من يوصل البرقية يبدأ كلامه بالعبارة التالية” “C.L.T 55″ قبل سرد مستجدات اليوم بتفصيل دون ذكر أي اسم. كانت البرقيات اليومية تتحدث عن “الأم” و”البنت البكر” و”الأطفال” دون التفوه بأي اسم واستمر الوضع على هذا الحال على امتداد 15 سنة.
الملك يأمر بترحيل عائلة أوفقير من ورزازات إلى بير الجديد
في أحد أيام سنة 1974 توصل القصر الملكي بالبرقية اليومية من تازناخت (ضواحي ورزازات) بعد الإعلان عن كلمة السر “CLT55″ والأخبار بالمستجدات وأحوال “الأم” و “الأطفال”.
وخلافا للسابق، أجاب المستمع (الجنيرال مولاي حفيظ) قائلا: “عليكم اتخاذ كل التدابير اللازمة لترحيل “الأم” و “الأطفال” إلى مكان آخر”.
في هذا السنة، توصل القصر الملكي إلى معلومات تفيد أن المخابرات الجزائرية يحاولان التخطيط لعملية تهريب عائلة أوفقير من المغرب وقيل أن الخطة تكلف بتنفيذها عناصر جزائرية جاءت للمشاركة في مسابقة التزلج على الجليد بمنحدرات “أوكايمدن”.
للإشارة كان الجنيرال محمد أوفقير على علاقة بالجزائر في عهد بومدين، لاسيما مع أحمد المدغري وزير الداخلية والكولونيل عبد القادر شابو، الكاتب العام للرئاسة الجزائرية ورفيقه في حرب الهند الصينية.
بلعالم أقرب للملك من جميع الوزراء
بلعالم، أحد المسؤولين بوزارة الداخلية، كان أقرب للملك في الستينيات من كل الوزراء وهي الشخصية التي لازال لم يكتشف عنها الكثير رغم دورها في جملة من المحطات البارزة وعلى رأسها قضية اختطاف واغتيال المهدي بن بركة.
وقد اضطلع بلعالم بمهمة سكرتير الديوان ثم عين كاتبا عاما لوزارة الداخلية وهو في واقع الأمر من كان يسير فعلا وفعليا وزارة الداخلية عندما كان الجنرال أوفقير على رأس هذه الأخيرة.
الملوك والصحافة
ظلت علاقة الملوك بالصحافة المغربية علاقة خاصة استعصت على الفهم، فلم يسبق للملك الراحل الحسن الثاني أن أجرى حديثا صحفيا مع منبر إعلامي مغربي وقد سار الملك محمد السادس على هذا النهج، كان الملك الراحل الحسن الثاني يستحسن اللقاءات مع الصحفيين الأجانب، لاسيما الفرنسيين منهم وكان أول لقاء صحفي للملك محمد السادس، بعد اعتلاءه العرش، من حظ إحدى الصحف الفرنكوفونية وبعده أفسح المجال للإعلام الغربي وأجرى لقاءات وحوارات مع منابر أجنبية دون الصحافة الوطنية.
أجرت 6 منابر إعلامية أجنبية حوارات خاصة مع الملك وهي مجلة “تايمز” الأمريكية، “الشرق الأوسط” السعودية الصادرة بلندن، “لوفيغارو”، “باري ماتش”ـ “ماتش دي موند” الفرنسية و “إلباييس” الإسبانية.
الحسن الثاني يكره الحديث عن الفقر
أقرت الأميرة للا فاطمة الزهراء العزيزية، بنت السلطان مولاي عبد العزيز، أن الملك الراحل لم يكن يحب الحديث عن الفقر ولم يكن يستحسن أن يناقشه أحد من خصوصه.
ولما كلفها الملك بقضية المرأة المغربية وتحررها، كانت تجتهد اجتهادا حتى لا تتفوه بعبارات مرتبطة بالفقر أو بالفقراء في لقاءها معه.
من البلاط توطدت علاقة العرب بإسرائيل
لعب القصر الملكي دورا مهما في تقريب رؤساء العرب من القادة الإسرائيليين وفي التأسيس لمسار السلام بالشرق الأوسط منذ أمد بعيد.
فالمغرب أقام علاقات تعاون وثيقة مع الدولة العبرية منذ مطلع ستينيات القرن الماضي وعمل على تكريس التطبيع الديبلوماسي إثر توقيع اتفاقيات “أوسلو”. إذ وقع وزيرا خارجية المغرب وإسرائيل سنة 1994 على اتفاق لإقامة علاقات ديبلوماسية وافتتاح مكتبين تمثيليين في كل من الرباط وتل أبيب وفتح هذا الاتفاق الأبواب للقاءات علنية ودورية بين المسؤولين المغاربة والإسرائيليين في أكثر من مجال وإقامة تبادل سياحي وتجاري.
إلا أن المغرب، في هذا الصدد بخلاف كل البلدان المغاربية كان سباقا إلى إقامة علاقات العلنية مع الدولة العبرية، إذ استقبل الملك الحسن الثاني “بيريز” في قصر إيفران أمام عدسات المصورين سنة 1985 غير مبال بموجة الانتقادات الواسعة داخل المغرب وخارجه وقبل هذا كان قد التقى سرا بمسؤولين إسرائيليين بالمغرب من ضمنهم “موشي دايان”.
وكشف أكثر من مصدر أن الملك الحسن الثاني لعب دورا أساسيا في إقناع الرئيس المصري أنور السادات بزيارة القدس والتوقيع على اتفاقية كامب ديفيد سنة 1979.
وتعود قنوات الاتصال المباشرة الأولى بين القصر وإسرائيل إلى ما قبل 1960، عندما كان الملك الحسن الثاني وليا للعهد وطالبا بالديار الفرنسية، لاسيما عندما كشف الإسرائيليون عن مؤامرة ضده في أكتوبر 1959 ومنذئذ تطور التعاون بين الطرفين بعد توليه مقاليد الحكم واعتلاء عرش المغرب سنة 1961 وتأكد التعاون السري في المجال الأمني منذ تلك الفترة حين فتحت المخابرات الإسرائيلية (الموساد) مكتبا لها بالمغرب ولعل عملية اختطاف المهدي بن بركة مثلت أهم محطة للتعاون الأمني المغربي – الإسرائيلي في سنة 1965 وقد كشفت حينذاك صحيفة متخصصة في الصور الخليعة “بول” الإسرائيلية عن هذا التعاون أمام هذه الوضعية الحرجة، أمرت السلطات الإسرائيلية بجمع أعداد الصحيفة من السوق (تم جمع 30 ألف نسخة)، كما قدم كاتب المقال إلى المحاكمة بتهمة إفشاء أسرار الدولة وأدين بسنة سجن نافذ.
ومن المعلوم أن رموز الطائفة اليهودية بالمغرب لعبوا دور الجسر بين الحكومتين، المغربية والإسرائيلية، عبر تفعيل علاقاتهم وصداقاتهم هنا وهناك، علما أن بعض اليهود المغاربة اضطلعوا بمسؤوليات سياسية وقطاعية في عهد الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني، مثل “ليون بنزاكن” (وزير البريد والمواصلات في أول حكومة بعد الاستقلال و “سيرج بيرديغو” الذي تولى منصب وزير السياحة فيما بين 1993 و 1955 و “أندري أزولاي” مستشار الملك والذي ظل يحتفظ بعلاقات حميمية مع كبار المسؤولين الإسرائيليين.
لم ينساها الحسن الثاني لعبد الرحيم بوعبيد
من التصرفات التي لم ينساها الملك الحسن الثاني للكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية رفضه تلبية طلب الملك محمد الخامس لتحمل مسؤولية وزارية في الحكومة التي يترأسها الملك الحسن الثاني، ولي العهد آنذاك، نيابة عن والده الملك محمد الخامس وقيل أنه لهذا تم نقل عبد الرحيم بوعبيد من سجن لعلو بالرباط إلى سجن أحد القرى بأقصى الجنوب لإدلاله والنيل من كبريائه.
في نهاية صيف 1960 وبعد مرور نصف عام على إقالة حكومة عبد الله إبراهيم ولج الاتحاديون حلبة المعارضة السياسية، في وقت كان الملك الحسن الثاني قد تولى فعليا وعمليا تسيير الحكومة مباشرة نيابة عن والده.
آنذاك قام الملك محمد الخامس باستشارات سياسية مع شخصيات وهيئات سياسية قصد مشاركتها في الحكومة وتحمل مسؤولية وزاراتها وفي هذا الإطار طلب الملك من عبد الرحيم بوعبيد (النائب السابق لرئاسة الحكومة ووزير الشؤون الاقتصادية والمالية) الاستمرار في تحمل المسؤولية والاضطلاع بوزارة الخارجية، لكنه اعتذر وفضل البقاء في المعارضة.
وبعد هذا اللقاء، استدعى الملك الحسن الثاني (ولي العهد آنذاك) عبد الرحيم بوعبيد واجتمع معه إلى ساعة متأخرة من الليل.
وتعتبر القضية الدستورية من القضايا الأولى التي ساهمت في التشنج العلني للعلاقة بين القصر والقيادة الاتحادية في أواخر سنة 1960، إذ تم تعيين أعضاء مجلس الدستور لكن سرعان ما انفجر بمجرد انتخاب علال الفاسي على رأس الهيئة التي طلب منها الملك محمد الخامس إعداد دستور المملكة بدلا من إسناد هذه المهمة إلى الهيئة المنتخبة، أي مجلس تأسيس كما طالب ذلك عبد الرحيم بوعبيد باسم الاتحاديين.
هذا ما لم يفوته الملك الحسن الثاني للزعيم الاتحادي، لاسيما وأنه كان من القلائل الذين أبانوا آنذاك على جرأة في الدفاع عن مواقفهم، علما أنه أصر على دعم المشاركة في حكومة يترأسها ولي العهد نيابة عن الملك.
وعندما سنحت الفرصة حسب العارفين بخبايا الأمور، قام الملك برد الصاع صاعين حيث تم نقل عبد الرحيم بوعبيد من سجن الرباط إلى سجن في قرية صغيرة بأقصى جنوب المغرب للمزيد من إدلاله والنيل من معنوياته.
التعليقات (0)