مواضيع اليوم

القصب .. في متنزهات الفجيعة

عبد الهادي فنجان الساعدي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

"كلما زيفوا بطلا
قلت قلبي على وطني.."(1)

منذ بداية القرن العشرين والتظاهرات الجماهيرية ترفع شعار "نموت ويحيا الوطن".. وظهرت بعد ذلك اشكالية جديدة "لماذا لا نحيا ويموت الوطن"؟!! عندما اطلعت على مجلة" القصب" بعددها الخاص بالمقابر الجماعية خرجت بالعديد من الملاحظات اولها امتزاج تراب الموتى بتراب الوطن.. وهكذا اصبح الوطن والمواطن من اصل واحد.. من التراب والى التراب والفارق الوحيد هو ان تموت بريئا ولكنك تؤسس للاجيال القادمة قيم ومفاهيم ثابتة.. وفي نفس الوقت يموت غيرك .. القاتل.. ولكن ليس هناك ما يتركه غير الفجيعة واللعنة التي تتجدد في ذكرى المقاتل الجاعية.
كما ان هناك عدة ملاحظات بالامكان تسجيلها على شكل ومضات نقدية.. لن يكون مسؤولا عنها غيري. فالكلمة ملكي.. ولكن بعد ان تخرج من فمي، هي تملكني وحبذا لو كانت بناءه. الغلاف الاول، عبر ضفة الحزن ليصور الفجيعة، اما ظهر الغلاف الاول فهي صورة اختزلت الاف السنين من الحزن الامومي في بلاد ما بين النهرين، نهر الحزن ونهر الكارثة. وكان اختيار اللون صائبا جدا فهو انعكاس لواقع مترب حيث لون الارض، وعودة الانسان من التراب الى التراب ومن الموت الى الموت(2).
الافتتاحية: خطاب ستيني متطور في بعض الكلمات الا انه تتبع نفس النهج للخطابات السينية التي تحاول ان تؤجج الوضع العام.. وبالرغم من ذلك فهو لا يخلو من صدق حتى لو كان على مستوى تجربة الكاتب الشخصية. "أقل من عمق الحفر" ألم تكن أبيات جميلة من الشعر لمن فاز أخيرا بجائزة شعرية، هي افضل من هذه الانشائيات الطويلة البائسة.."التكنوقراط" تعني "اهل الصنعة" ولكل صنعة اهلها.. وهناك فارق كبير بين القصيدة الجميلة وبين الانشاء المدرسي.
"وداعا ياسكان المقابر الجماعية": مقالة أنشائية اخرى مليئة بالتحريض الواعي على القتلة وربطها بتكرار القتل والمقابر الجماعية الجديدة، ولكنها لا تختلف عما سبقها الا بمرارة العتاب وروح السخرية المرة، لمن بقي يمارس البقاء وتحمل المعاناة.
"المؤتمر الدولي الثاني للمقابر الجماعية في النجف الاشرف": مؤتمر عادي على مسألة كارثية كان بالامكان ان تشارك بها كل مؤسسات العراق الحكومية والمدنية لكي لا تجير لصالح فئة دون اخرى. الموضوع فيه بعض الاخطاء اللغوية وخال من ارقام القوانين وتواريخها التي لا تكلف سوى مراجعة بسيطة لمؤسسة الشهداء للحصول على كتب قانون وتعليمات المؤسسة. "الرئاسة العراقية تقر قانون حماية المقابر الجماعية في العراق": قانون جيد بحاجة الى متابعة التنفيذ بشكل حضاري. "نصب الحرية/ المقابر الجماعية": مقالة مكملة لبقية التقارير والقرارات.. ولحد هذه الصفحة لم نر الرؤية المستقبلية. جرائم ابادة جماعية وهاهي الادلة.. ولكن ما هي النتائج لقد تمت عمليات الاغتيال بدقائق، فلماذا نطيل رد الاعتبار لهؤلاء الضحايا او عوائلهم، لقد اغتيلوا بالامس، واكتشفناهم اليوم ولكن لا احد يحكي عن الغد. "المرأة في بلد المقابر الجماعية": عرض رائع لكتاب مهم وخطير يتعدى فيه الكاتب والناقد العراقي حدود العرض ليصل الى التحليل في بعض الفقرات التي تؤكد اهمية النقد وجرأة النقاد في قيادة عملية التغيير الثقافي حيث يرسم هذا الناقد المتمكن حدودا تفضي بالقاريء الى استيعاب نص بمئات الصفحات في اربع صفحات فقط وهنا تكمن اهمية النقد وقدرة الناقد على خلق نص يوازي النص الاصلي ان لم يتفوق عليه. اما الكتاب فقد اصبح بموجب هذه المقالة في الاهم من قراءات برامج المثقفين والباحثين عن الحقيقة. اشد على يد هذا الناقد في عرضه وتحليله الموجز لهذا الاثر القيم. "الذاكرة العربية المثقوبة": مقالة ساخرة بشكل دموي وكوميديا مليئة بالقطران الاسود. وانها التعرية لكل المثل القومية البائسة ولكنها بالتأكيد لن تجد صداها عند الكثير من شرائح المجتمع التي ما زالت تمجد القائد الضرورة وتصدق كل كذبة تقول بأنه المثل وهو يصلي في أحد جوامع بغداد مكذبة كل الصور والافلام والوقائع التي تصوره في اوضاع الاسر والذل الذي لا يرتضيه أيما قائد بسيط في أي جيش من جيوش العالم. كل ذلك لان هذه الشرائح تمثل نسبة الحمق والامية الثقافية والطائفية السياسية وتجمعات القوميين التي ملأها العفن واستولت عليها دودة الارضة وهي آيلة للسقوط ولن يمر سوى قليل من الوقت لتثبت للعالم بأنها تمثل الجانب المنخور من جسم الامة. مقالة ليست عراقية انما هي مقالة غربية وعالمية لما أتسمت به من مشاركة جماعية في خلق مقابر جماعية في صمت جماعي.
"خفف الوطء انك في وادي المقابر الجماعية": ربط جميل بين بيت الشاعر ابي العلاء المعري رهين المحبسين وبين قضية المقابر الجماعية ولكن يظهر أمران في هذه المقالة وهي الانشائية والتكلف الظاهر وهذا من عيوب صحافتنا حيث تقسم المحاور ويكلف الكتاب ان يكتبوا .. فقط يكتبوا .. دون الشعور بأن هذا الموضوع قد يؤدي الى الجنون او الهوس حين قدوم الفكرة، اما الكتابة قبل ان تهجم الفكرة فهو انشاء زائدا بعض المعطيات.
"رائحة الموت.. من كربلاء/ المقابر الجماعية": مقالة لصحفي محترف حاول فيها ان يكون حياديا الا انه انحاز للمنطق الذي يفرق بين القاتل والضحية وأظهر زيف الكثير من وسائل الاعلام العربية المريضة بحب القائد وادمان الاستبداد والتعذيب.
" لابد من حماية مواقع المقابر الجماعية والحفاظ عليها": مقالة تتصف بالعلمية والعقلانية وتدل على النهج الصحيح في الكتابة وبرمجة العمل حيث تعطي لكل جملة مسؤوليتها بشكل قانوني لا يدل على الابوية والتسلط بقدر ما يدل على المعرفة المسبقة لمسؤولية كل جهة، اضافة الى انها ادانة لكل الجهات التي لم تسرع باتخاذ الاجراءات الصحيحة وعلى رأسها قوات الاحتلال.
"مقابر على انامل أحمد المختار" ان اهمية احتراف الكتابة تكون بأن يعرف الكاتب كيف يبدأ وأين يقف وهذا ما فعله الكاتب العراقي خالد القشطيني الذي وضع بين قوسي البداية والنهاية قصة شعب منكود عرضها أحد ابنائه على العود الحزين وشاركه فيها الشعب الياباني والشعب الانكليزي بشكل انساني في الحين الذي رفض العرب فيه الاعتراف بهذه المقاتل التي ارتكبها أحد قوادهم المرضى الساديين.
"اصحاب المقابر الجماعية صنفان": لقد جمع الكاتب بشكل سريع مآسي اربعة عقود من الزمن ووزعها على الاحياء والاموات معتبرا ان هناك مقابر جماعية تحت الارض ومقابر جماعية فوق الارض. المقالة جميلة في فضحها لما كا مسكوتا عنه.
"احياء ذكرى المقابر الجماعية": يقول الفيلسوف الانكليزي برتراند رسل عن البعثيين: لا تقولوا انهم نازيون او فاشيون، دعوهم يدخلون التأريخ باسمهم.
جرائم الابادة البعثية ليست كجرائم الابادة النازية لان أحد اسباب الابادة النازية هو ان هتلر طلب من الرأسمال اليهودي ان يقف الى جانبه في دعم الحرب الا انهم رفضوا هذا ما زاد في النقمة عليهم فضلا عن الاسباب العرقية الاخرى. اما البعث فجرائمه نابعة من فراغ فكري عن هذا الحزب اولا والروح الطائفية الطافحة بالحقد على غير العرب من الجانب القومي اما من الجانب الطائفي فهم يحملون احقاد اربعة عشر قرنا من الموروث التعسفي السلفي بالرغم من طروحات البعث العلمانية.
اما توصيات الكاتب في المحافظة على المقابر الجماعية فهي توصيات متقدمة وكان بالامكان ترجمتها الى برنامج عمل تستفيد منه كل الفرق التي تعمل ضمن اطار الامم المتحدة او حقوق الانسان او المنظمات المدنية السائدة.
اسوأ ما موجود في هذه المقالة التي ترتقي حد العلمية والمنطقية في الصفحة الاخيرة التي تتحول فيها من العلمية الى المطالبات الصحفية الجائرة التي ينتقل فيها الكاتب من انسان عاش الثقافة والتحول الفكري الراقي الى انسان عربي يبحث عن الثأر دون النظر الى اهمية الانسان ورد الاعتبار اليه وعزل المجرم عن البريء حتى ان كان في مواقع السلطة.. اما المطالبة بعزل الفكر البعثي، وهنا يطرأ سوال مهم هو: هل ان للبعث فكر.. او مناهج فكرية؟!! لا أعتقد انما هي مجموعة طروحات فجة ومسروقة بشكل تعسفي ومعادة صياغتها بشكل مشوه.
تكرر في هذه المقالة كما في غيرها اسلوب غريب وهو عدم ذكر الارقام وخصوصا ارقام السنوات وارقام وتواريخ القرارات الرسمية المهمة التي كان من الممكن ان تجعل من هذه المجلة .. مجلة مرجعية وتحول المقالة الى وثيقة. "اغتيال آخر الموتى الاحياء": مقالة قصيرة غاب عنها اسم الكاتب الا انها بالامكان ان تكون فلما، وفلم من النوع التراجيدي المهم.. شرط ان يتوفر لها من يكتب القصة كاملة وسينارست عالمي يحولها الى عالم السينما.. ومخرج يعري القتلة السابقين واللاحقين.
"حتى ينعس القمر": قصيدة شفافة وجميلة وتمكنت مني في ابياتها الاخيرة، ولكن هل يمكن ان تعبر على بيت واحد من قصيدة الجواهري "سلام على جاعلين الحتوف
جسورا الى الموكب العابر" ام ان في مقارنتي جناية على زمنين.
"الى القلق العراقي القديم، الى كل الامهات الكبريات، الى الشهيد العراقي": اجمل ما في هذه القصيدة هي صورة الام الموشحة بالسواد.. ككل امهاتنا.
"في رازقي الروح لاحوا" قصيدة شفيفة كثرت فيها القافية.
"اكياس عظام" قصيدة تجعلك كأرجوحة . تذهب بك وتجيء كانت قصة اكثر منها قصيدة، بل حكاية فنتازية وضعتها لتتحرك ذات اليمين وذات الشمال، وعينيك خلفها. بهدوء كتبت قصة شعب وبلا صخب اعلنت خسارة أمرأتين.. لشعب كامل.
"مقابر هائمة لاموات غير واضحين": يازاهر.. هذه القصيدة تحكي عن سكان كواكب اخرى ..دمرهم مجهول.
"بغداد.. النار الازلية": يامدين.. اتعلم ام انت لا تعلم / بأن جراح الضحايا فم. "كم يشبهون صيامهم": كل هذا الكم من الشعراء المجيدين تجمعوا ليحيوا العلم في احتفالية يوم الخميس بلغة عربية رائعة وبكلمات وابيات شعر تتسم بالوزن والقافية، ولكن لم ينتبه أحد لعدم وجود العلم على السارية. "ثلاثة مشاهد من حلبجة": من المدهش ان تجد شاعرا يعبر بكلمات مختصرة وبسيطة عن مأساة شعب .. ويجيد التعبير .. بدقة. "كان يلوح للموتى": مسرحية تؤشر للبداية الصحيحة بالرغم من استعمالها للاسلوب التقليدي الا أنها مسرحية كتبت لتكون التسجيل الاول للحركة والحوار في استخدام كارثة المقابر الجماعية واستخدام وثائقها لتواجه العالم الغارق في نوم الصحوة وأحلام التمتع بالاستبداد."وشم في ذاكرة الاجيال": بشكل سلس وجميل سجل هيثم شريط فاجعة فردية بالامكان طبعها وتوزيعها على خارطة الوطن لتشمل شريحة كبيرة من الشباب تماثلت مصائرهم بالرغم من اختلاف المكان فقط. لتسجيل مميز لفواجع عراقية مميزة حتما.
"السناريو المؤلم للمقابر الجماعية": منطق متشابه يستعمله الفوتوغرافي هنا. هذا المنطق هو القتل والثأر وكأننا ما زلنا نعيش استمرارية عصور الظلمة الفكرية دون ان ننظر للغير بعين الفكر وليس بعين العدسة او البندقية من خلال الفرضة والشعيرة.
"يوم المقابر الجماعية": ما زلنا ندعو للثأر وللاحتفاليات دون ان ننظر الى عوائل الشهداء. فهل فكرنا بأن نحصي عدد العوائل التي عوضناها في هذا العام. وكم تساوي نسبة (30) الف ملفة تعويض الى 3 ملايين شهيد سياسي. الالتفات الى عوائل الشهداء السياسيين هو الاحتفال الاكثر قيمة، قبل ان تفوت الفرصة ويتقادم الزمن على اطفال الشهداء في التكريم وتذهب المقاعد الدراسية والمكاسب الى القتلة ومنتهزي الفرص قبل الضحايا وعوائلهم.
"ضحايا المقابر الجماعية للنظام السابق": تسجيل واع لحدث كبير، بمفردات صغيرة وجهود تمثل البداية الصحيحة.
"الذات من الحياة الى الموت الجماعي في فن الرسم": ادق تعبير في هذه المقالة هو الصور الثلاث التي استعملت اللون والتعبير البسيط لتفوق عدد كلمات المقالة، لان الصورة كما يقال -تساوي عشرة الاف كلمة. "الايام السود" لوحة اخبارية اضافت لنا القليل.
الخاتمة: الخاتمة.. صور..صور..صور الا انها خاتمة سجلت بصورها المكررة، اغلاق فني ذكي لعالم القصب المريع..
حاشيتان
-1من قصيدة للشاعر السوداني محمد الفيتوري
-2من الانجيل الكتاب المقدس "من الموت الى الموت ومن التراب الى التراب"




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !