العراقيب قرية عربية بدوية تسكنها قبيلة الطوري، تقع بين رهط وبئر السبع وفي الجهة الجنوبية الشرقية من رهط. اقيمت القرية سنة 1907 عندما اشترت هذه القبيلة مائة وخمسين دونما،
في ارض العراقيب وبعدها ببضع سنين أي سنة 1926 اشترى سليمان الطوري في نفس الارض الف دونم وهكذا اتسعت مساحة القرية. (بروفيسور اورن يفتاحئيل حديث الناس 20-8-10) وفي خمسينات القرن الماضي نقلت القرية مثلها مثل عشرات القرى البدوية في النقب الى منطقة سميت "بالسياج" لاسباب امنية كما ادعت ذلك حكومة اسرائيل في حينه، ولكن الهدف المخفي هو الاستيلاء والسيطرة على الارض لتنفيذ سياسة تهويد النقب وذلك تلبية لاقوال بن غوريون في ذلك الزمن.
وفي التسعينات من القرن نفسه رجع اهالي القرية الى ارضهم في العراقيب ولكن الحكومة لم تعترف بهذه القرية كما لم تعترف بعشرات القرى البدوية في النقب، ويعني ذلك عدم تزويدهم بالكهرباء والماء وغير ذلك من الحاجات الضرورية لمصادر المعيشة اليومية وهذا هو الظلم الوخيم بحد ذاته.
مؤخرا أقدمت الحكومة وفي شهر رمضان الجاري على هدم القرية اربع مرات وفي حر الصيف القائظ. مع ان هذا الهدم غير قانوني وغير اخلاقي، اما بالنسبة للحكومة الاسرائيلية، فالهدم والتشريد هو قانوني واخلاقي لان المشردين من اطفال وعجز ونساء هم عرب. والحكومة تدعي بان ارض العراقيب هي من نوع "موات" ولذلك هي من اراضي الدولة استنادا للمادة 100 لقانون الاراضي سنة 1969 الذي سنته الكنيست. وفي رأينا ان اسرائيل سنت ولا زالت قوانين كثيرة للاستيلاء على الاراضي العربية، وهي صاحبة السلطة وتعمل ما تشاء، ولكن في نظر القانون العثماني والانتدابي والدولي فان اعمالها بالنسبة لمصادرة الارض والسيطرة عليها هي اعمال ومشاريع غير قانونية.
فمثلا قانون الاراضي العثماني لسنة 1858 الذي كان ساري المفعول حتى ابطاله من قبل الكنيست الاسرائيلي سنة 1969، ينص على منح الملكية في ارض الموات وتحويلها لارض "ميري" للشخص الذي يستعمل ويحيي ويفلح الارض لمدة عشر سنوات وبإذن من السلطان وإن لم يكن في حوزته اذن يدفع "بدل المثل" أي قيمة الارض للسلطان.
سكان العراقيب استعملوا وفلحوا الارض واحيوها على مدى قرن من الزمان واكبر برهان هو وصولات دفع ضرائب الارض للعثمانيين وحكومة الانتداب، وهذه الوصولات لا تزال حتى يومنا هذا في حوزة سكان العراقيب، كما ان مقبرة آبائهم خير برهان على ذلك، ولا زالت قائمة حتى يومنا هذا. زد على ذلك فقد كان في حوزة كل قبيلة بما فيها العراقيب سجل اراضي القرية الذي يشمل حدودها ومعاملات افرادها بالنسبة للارض، ولكن عندما قامت اسرائيل جمعت واخذت كل هذه السجلات من القبائل ليسهل عليها السيطرة على اراضي القبائل وذلك لتهويد النقب. وفي سنة 1921 اصدر الانتداب البريطاني اعلانا نشره في الجريدة الرسمية آنذاك وبموجبه بانه خلال شهرين من اعلانه (1-3-1921) على كل مالك ارض موات ان يسجلها في الطابو.
والبدو في النقب مثلهم مثل الكثير من الفلسطينيين لم يعلموا ولم يعرفوا ولم يسمعوا بذلك الاعلان لذا فلم يسجلوا اراضيهم ولكن رغم هذا، المحاكم في عهد الانتداب غضت النظر عن ذاك الاعلان وتسامحت مع من لم يسجل في الوقت المحدد.
وفي عهد الانتداب لم يقدم البدو دعاوى في المحاكم لقلة معرفتهم ومنهم من كان فقيرا وليس بامكانه دفع الضرائب عن الارض اذا سجلها، لذلك تجاهلوا امر التسجيل ولم يعلموا انه سيأتي اليوم الذي يحتاجون فيه الى ذلك، كما حصل عندما قامت اسرائيل، فمحاكمها لم تعترف بالارض غير المسجلة في الطابو حتى وان كانت بتصرف مالكها منذ مئات السنين قبل سنة 1921 ، لذا فخسر الكثير من البدو اراضيهم وكمثال على ذلك الهواشلة وصالح بدران فقد خسرا قضاياهما وغيرهما الكثير.
وفي حالة كان الشخص يهوديا فتسجل ارضه فورا كما حدث مع اليهودي موشي سميلنسكي الذي اشترى الارض قرب قرية العراقيب في نفس الوقت الذي اشترى فيه سليمان الطوري، وكذلك فان حكومة اسرائيل تشجع اليهود على الاستيطان في النقب وتمنح اليهودي عشرات الدونمات مجانا او بسعر رمزي. زد على ذلك، في سنة 1971 اعلنت الحكومة الاسرائيلية عن التسوية في النقب، ذلك لان الانتداب كان قد بدأ التسوية من الشمال الى الجنوب ولم يصل الى النقب ولو وصل لكان البدو قد سجلوا على اسمائهم كل اراضيهم.
وحتى الآن قدم بدو النقب 3220 قضية ارض والمساحة 776856 دونما والمحاكم رفضت جزءا والباقي لم تبت فيه حتى اليوم، مما اعطى الفرصة لادارة اراضي اسرائيل بالسيطرة على الارض بحجج كثيرة معروفة. وفي حرب 1948 طرد الكثير من البدو واصبحوا غائبين واستولت الدولة على اراضيهم بموجب قانون سنته هي وهو قانون املاك الغائبين سنة 1950.
وقامت الحكومة الاسرائيلية بمصادرة اراضي البدو كما فعلت مع باقي اراضي الفلسطينيين وذلك بموجب قانون مصادرة الارض لمنفعة الجمهور سنة 1943، واقامت مدنا يهودية كثيرة منها ديمونة وكريات غات وقرى زراعية يهودية وغيرها. هذه المصادرة هي غير قانونية حيث ينص القانون على منفعة الجمهور الذي تصادر ارضه، أي البدو ولكن الحكومة صادرت الارض فقط لمنفعة اليهود.
في سنة 1948 وقبل قيام الدولة امتلك البدو في النقب مليوني دونم واليوم بقي لهم القليل والذي اصبح مهددا بالمصادرة.
وبرأينا كل المصادرات هي غير قانونية كما اسلفنا، كما انها تنافي قرار رقم 181 لهيئة الامم سنة 1947 الذي يشترط المصادرة لمنفعة جمهور من تصادر ارضه. كما ان المصادرات تنافي القانون الدولي والانساني.
بهذه العجالة لا يسعنا الا ان نحيي صمود اهلنا في العراقيب خاصة والنقب عامة ومن يساندهم من العرب واليهود في قضيتهم العادلة.
وفي النهاية ، نقول لم يتبق لشعبنا الا الصمود والصمود فقط على ارضنا، لنبقى عليها ما بقي الزعتر والزيتون.
بقلم : رفيق جبارين
ام الفحم
التعليقات (0)