القرن العشرون أطول قرون العرب
(ليس لها من دون الله كاشفة)
كتب : مجدي المصري
القرن العشرون قرن قد خلت من قبله القرون العربية (البازغة), بلغت مُستكشفاته ومستكسباته مبلغا جما تخطي الحلقوم بقليل, ليس في مجال العلوم والطب والفلك فحسب, ولكن في مُستكشف الميديا والإتصالات والعياذ بالله.
فبعد أن تمكن كفار الغرب من فك طلاسم الكهرباء والإنارة وغيرها من وسائل مكنهم منها شيطانهم, والتي كانت مرحلة وسطية أو وسيلة تمهيدية, مكنتهم من غزو شرقنا العربي, لا بالجيوش الجرارة, ولا بالسفن السيارة, ولكن بالهيمنة والسيطرة والتحكم عن بعد.
ففي منتصف قرن الشؤم أغواهم شيطانهم بأنبوب الكاثود, والذي من خلاله تمكنوا من إختراع المِرناه (المفسديون) والعياذ بالله.
ومن ثم, هرولت دولنا العربية الواحدة تلو الأخرى في إقامة شواهق المعمار لا لتكون مآذن, بل لتكون مكامن بث تنصب فيها أجهزة البث التليفزيوني التي إستوردناها من كفار الأرض بأموال المسلمين, ثم ما لبث (البث) -لعنة الله عليه- أن إستشرى ولوث هواءنا واستقبلته الهوائيات ودفعت به إلى غرف نوم المؤمنين التي زينوها بأجهزة التلفاز, يشاهدون من خلالها الأفلام والبرامج التي إستهلكت أوقاتهم ولهتهم عن ذكر الله.
وأمست الطامة الكبرى عندما راقت الفكرة لطواغيت الحكام العرب, فقلب كل منهم تليفزيون بلده إلى أحد الأجهزة السيادية التابعة لهم ورصدوا لها ضخام الميزانيات حتى تسبح بحمدهم آناء الليل وأطراف النهار, وتعبث بالتركيبة الفكرية والعقائدية لشعوبهم وتنفث السم الفكري الزعاف بين الشعوب التي إرتضت بقادتها مهيبي الركن الأشاوس, أصنام تُعبد من دون الله, فصارت الأبواق التليفزيونية تنعق ليل نهار, حتى نسى الناس موعد الآذان ولم ينسوا خطاب المُهيب.
لم يكتفي كفرة الغرب بما أحدثه المفسديون بشعوبنا العربية, وإنما أخذتهم العزة بالإثم, واكتشفوا (الفيديو بلير) -والعياذ بالله- وسرعان ما رست سفن الفرنجة بالمواني العربية حاملة حاويات ضخمة محملة بأجهزة الفيديو لبني يعرب من كل حدب وصوب, لا حبا في العرب والمسلمين, ولكن وإحقاقا للحق, حتي يصير الإنسان العربي (مُخيرا لا مُسيرا), فمن قبل كان مُسيرا لمشاهدة سِحنة القائد الملهم في كل وقت بلا كلل أو ملل, ولا حيلة (هذا ما وجدنا عليه آبائنا), أو هذا ما يبثه فينا التليفزيون الوطني جبرا لا بطولة.
ولكن مع (إستولاد) الفيديو أصبح لدينا (خيار) آخر, فاخترنا التلفاز نهارا, أما الفيديو فله الليل كله, ننهل من شرائطه (الثقافية) ما لم تره أعيننا ولم تسمع به آذاننا من نساءنا العربيات, فكانت الصدمة الحضارية التي جرتنا بعنف خارج حدود منطقة اللا وعي بالشقراوات الهيفاوات الدعجاوات, ليتيقن فحول وعجول العرب من هوية ما ملكت أيمانهم.
وسارت الشعوب العربية على هذا الدرب ردحا من الزمان والأمور هادئة مستقرة لا يعكر صفوها سوي تعذر الحصول على أشرطة الفيديو في بعض الأحيان, حتى يصل مستحدث الإنتاج منها إلى خليجنا العربي ثم يتسرب في عجالة الى باقي الأمصار.
حتى إستشعر كفار الغرب بإصرارنا على الحراك والفعل والنضال, بما نبذله من مجهودات حثيثة بحثا عن كل ما هو جديد, فأرادوا لنا الرفاهية, وابتكروا لنا (الأقمار الإصطناعية) -والعياذ بالله- ليست البحثية أو العسكرية أو حتى التجسسية منها (لا سمح الله), فهذه كلها لا شأن لنا بها وليست بغيتنا أو مبتغانا, ولكن نوعية أخرى تهفو إليها أفئدة المؤمنين وهي أقمار البث الفضائي (أي والله على ما أقول شهيد), البث الفضائي -والعياذ بالله- بث يخترق كل الحجب, حتي لا نحيا ما بقي من عمر البشرية بين دفتي (خيار) تلفاز رسمي وفيديو منزلي, وننطلق إلى آفاق رحبة من كل أعمال البث والأعمال بالنيات ولكل إمرئ ما نوي, فإي كانت مشاهدته, فهي له.
هب الناس جميعا هبة رجل واحد, كل يسعى لشراء صحن الإستقبال السحري الذي سينقل العالم كله إلى داره بغير تعب ولا تكليف, فمنهم من باع بقرته واشتري الصحن, ومنهم من باع مصاغ امرأته واشتري الصحن, ومنهم من باع المرأة نفسها واشتري بدلا منها صحن يحوي كل نساء العالمين.
وافتتح المحترفين والهاوين (دور لهو) أسموها مجازا فضائيات, وحشدوا لها الراقصات والفنانات والعالمات من كل فج عميق, عالمين بأن الشعوب العربية لديها نهم وشره لللحوم بمختلف ألوانها وأحجامها ليس هذا فحسب, ولكنها البلسم الشافي لغالب أمراض كبت الأمة.
وللحق فإن الأمر لم يقتصر عليهم أو تترك لهم الساحة على الغارب وإنما إستشعر الغيورون على الدين بئس عمل أولائك, فأقاموا لهم في المقابل قنوات للهداية, تبث الفتاوي ليل نهار حتى يرفع الله البلاء عن الناس, وللنفط أموال تنفق, فافتتحت القنوات الإخبارية والوثائقية والدليلية تبث الفرقة وتقلب القلوب وتزرع الفتن بين الشعوب.
وانقسم الناس جميعا بين باحث عن الإيمان, وباحث عن الهذيان, وباحث عن المكان والزمان وتفرق الجمع وتشتت العربان وتاهوا في الوديان (الفضائية).
واقترب القرن اللعين علي الإنصرام, فلم يشأ كفار الغرب له أن ينصرم كما تنصرم الأعوام, فكللوا نهايته بعار الشبكة أو ما أطلقوا عليها اسم (الإنترنت), سحقا وزهقا, في خلط متعمد بين الأمم والشعوب, لتختلط الأنساب وتضيع الأحساب, ويتمكن كل هاو عبيط من الإتصال بأطارف الأرض بلا حسيب أو ربيب ولا مقص رقيب, وتضيع الأمة وتنقسم أديان وشيع ومذاهب, وكل فتح له دكان, واختلط ليس الحابل بالنابل, ولكن إختلطت الحبلى بالكؤدة, في هذيان عظيم وانبري فرسان العرب وجحاليفهم في حروب شعواء هانت أمامها الغبراء, ووهن عظم داحس من عنفوانها, كل يزود عن دينه ومذهبة وشيعته وحسبه ونسبة من كيد باقي العربان, جيشت الجيوش وأعدت العدة الإلكترونية وإمتطى كل منهم صهوة قلم (يزل الغلام الخف عـن صهواتـه, ويلوي بأثواب العنيـف المثقـل), وخاض الأهوال والحروب ثم آوي للفراش ونسى أن يغلق الكمبيوتر من دونه من شدة التعب!
ومن ساحة الإنترنت بشر كفار الغرب بدين جديد أسموه (الربيع العربي), فاستهل العرب قرنهم الجديد بالكفر بطواغيتهم وشقوا عصا الطاعة وخرجوا عليهم, نكلوا بمن طالته أيديهم, وهرب أو إحتمى البعض منهم, والباقي على الدرب سائرون, وساد الهرج والمرج بين مكون الأمة, في (فوضى خلاقة) لا يعلم إلا الله وحده كيف سيصبح (الشرق الأوسط الكبير)؟
ولا يسعنا سوي تكرار قول شيخنا: ليس لها من دون الله كاشفة.
التعليقات (0)