القرصنة في رمضان تحول المغرب إلى سوق لأفلام الجنس والتبشير والصهيونية
عبـد الفتـاح الفاتحـي
إن المتتبع لطبيعة ونوعية الجرائم المروعة التي تحدث بين الفينة والأخرى في المدن المغربية يجدها غريبة عن خصوصيتها. إنها جرائم في غاية البشاعة (قتل وتنكيل بالجثث)، تعدد وتتنوع أنواعها وطرق تنفيذها. وعليه فإنه يمكن القول أن حدة عنف هذه الجرائم لها ما يبررها، وهو ما أشارت إليه إحصائيات انتشار الجريمة، إذ أرجعت أسباب عدد من الجرائم إلى ما ينفث في أبناء المجتمع من سلوكيات العنف والخلاعة عبر أفلام الأقراص المدمجة التي تباع على نطاق واسع دون أن تطالها عين الرقابة.
ومن الطبيعي أن تعيق القرصنة وجود استراتيجية وطنية لتدبير السوق الثقافي المعروض على أقراص "دي في دي"، لتبقى البلاد بدون أي آلية لمراقبة مضامينها التي تباع في الأسواق الشعبية من دون أي رقابة تحمي مستهلك هذا النوع من البضاعة.
ويبقى هذا السوق مفتوحا على كل المضامين الثقافية مهما كان نوعها من أفلام الخلاعة والجنس إلى أفلام التنصير والتشييع، وغيرها من المضامين. وإذا كانت الدولة قد قامت بحملات ضد باعة هذا النوع من البضاعة بشكل مناسبتي، فإنها كثيرا ما كانت تبرر ذلك برغبة في حماية سوق الفن والإبداع من المنافسة، وتشجيع الفنانين على الإبداع الفني المتواصل.
ويستمر الوضع سوق الاستهلاك الثقافي للمغرب أمام تزايد إغراق السوق المغربية في الآونة الأخيرة بآلاف الأفلام والمسلسلات المقرصنة، التي لا تخضع لأي رقابة على محتوياتها، مهما يكن نوعها ومصدرها والجهة التي صدرت عنها.
وعليه فإنه من الحتمي أن تشكل مضامين هذه الأقراص غير المراقبة خطرا حقيقيا على هوية المجتمع المغربي، لا سيما أن هذه البضاعة قريبة جدا من كل الأفراد مهما اختلف مستوياتهم الثقافية والمعرفية ومهما اختلفت إمكانياتهم المادية.
خطورتها كذلك تكمن في أنها تمثل أساس حاجات المراهقين والأطفال، ومتوفرة لهم بسعر لا يتعدى 3 دراهم لـ "دي في إكس" و5 دراهم لـ "دي في دي"، وهي موجودة بشكل هائل حتى أنها تشمل مختلف الأنواع والجنسيات، منها أفلام العنف وأفلام جنس وأخرى تروّج للشذوذ وأفلام تمجّد الصليب، ومنها ما يدعو إلى الإلحاد والتشكيك في وجود الله...
ولأن عملية بيع هذه الأقراص ترتفع خلال شهر رمضان الفضيل، فإن جريدة العلـم قامت بجولات متكررة لسوق الأقراص المدمجة أو المضغوطة، فوقفت على وضع خطير غير متحكم فيه ولو من قبيل القيم الأخلاقية العامة للمجتمع، لغياب أو رادع أو رقابة حكومية على سوق مضامين الأقراص المدمجة، ومن جهة ثانية لجشع البائعين المتجولين في العاصمة الرباط (السويقة) وبمدينة سلا (المدينة القديمة)، وما يزيد من صعوبة مراقبة هذه الأقراص كونها تعرض يدويا على المارة في الشارع العام وعلى مرتادي المقاهي.
وجدت العلم أن كل ما تسأل عنه أو ترغب فيه من أقراص مدمجة مباح، بل ويباع بدرهيمات قليلة، بدءا بأفلام الجنس والإثارة إلى أفلام العنف والخلاعة مرورا بمسلسلات إيرانية شيعية وأفلام صهيونية، ومحاضرات تبشيرية مسيحية.
إن المتجول في سوق الأقراص المدمجة يجد السائل عن حاجته مهما كانت، حتى تلك الأقراص الممنوع بيعها في الدول الغربية تباع داخل المغرب على نطاق واسع، بل وتباع للأطفال والمراهقين بأثمنة زهيدة وفي المتناول.
فمسلسل "أل وارد"، الذي يروي قصة علاقات حميمية بين مجموعة من الفتيات في مدينة لوس أنجلس الأمريكية يباع في المغرب بأجزائه الخمسة، مع العلم أنه يمنع تداوله في كندا بعد أن انتقده بعض القساوسة بالفاتيكان، لأنه يصوّر راهبات في حالات شذوذ، وتصوير المسيح في مشاهد غريبة.
إضافة إلى مسلسل "غريز أناطومي" الذي يتطرّق إلى العلاقات بين الدكاترة في مستشفى، ويروي قصصا عن علاقات شاذة. كما تنتشر سلسلة "هاوس" والسلسلة الشهيرة "نيب تاك"، الذي تتناول في أغلب حلقاتها قصصا لشواذ وعمليات تغيير الجنس وطريقتها وكيفية التوصل إليها وغيرها من الأمور المتعلقة بهذه العلاقات.
ومن الأفلام المتداولة، فيلم "ترونس أمريكا" حول المتحولين جنسيا، و فيلم "لوفان أمريكا" حول الشواذ الذكور...
ويحتضن سوق الأفلام على الأقراص المدمجة أفلاما في غاية البشاعة وفي متناول الجميع، منها الفيلم الفرنسي "أمي"، الذي يصوّر علاقة غريبة بين مراهق لا يتجاوز سنه السابعة عشرة وأمه، تصل إلى درجة ممارسة الجنس معها، ثم قتلها في الأخير. وفيلم "حياتي الجنسية" عن مجموعة من المراهقين به قصص لا يتقبلها العقل، مثل محاولة أب إقامة علاقة مع ابنه الذي لا يتجاوز 16 سنة، ومراهق آخر يقيم علاقة مع أم زميلته في المدرسة تكبره بـ30 سنة.
هناك العديد من الأفلام السينمائية الحاملة لمضامين محرضة على اعتناق المسيحية كثيرة جدا، وهي مغلفة في قالب الأفلام السينمائية، وتحظى هذه الأفلام التاريخية، ذات حمولة ثقافية دينية بنسبة إقبال عالية، تمجد المسيح وتدعو ّإلى تمجيده كمخلص للبشرية، وتشيع بركاته التاريخية. ومن هذه الأفلام:
- فيلم "آخر محارب" الذي يروي عن الشيطان الذي يسبب الطاعون ونهاية العالم، فيقوم قس مسيحي بطرده عن طريق الكتاب المقدس والصليب.
- فيلم "دو بوك" أو "الكتاب" الذي يحكي مسار الكتاب المقدس الذي يكون خلاصا للبشرية من العذاب. وغالبا ما تصوّر هذه الأفلام الصليب، المنقذ الوحيد من الشيطان والأرواح الشريرة، وتتكرر في أغلب المشاهد، كما هو الحال في سلسلة أفلام "الأرواح الشريرة ايغزوستيك".
وتجد عدد من الأفلام الصهيونية التي تحكي معاناة الشعب اليهودي في مختلف أنحاء العالم، منها فيلم "لائحة أو قائمة شندلر" وأفلام تتناول حياة اليهود واضطهادهم ما بين الحربين العالميتين، وما تعرضوا له من عنصرية في أمريكا وخاصة في أوروبا، بالإضافة إلى ما عرف تاريخيا بـ"المحرقة اليهودية" الهولوكوست. ومن هذه الأفلام فيلم "سارا" أنتج بتمويل فرنسي سنة 2009، ذا قصة تراجيدية تتناول معاناة اليهود مع النازيين. كما نجد فيلما آخر يتحدث عن الاضطهاد النازي لليهود.
ولا تخضع عملية بيع الأقراص المدمجة لأي ضبط قيمي فهي تباع على للكبار والصغار على حد السواء، وفي غياب أي رقابة لهذه السوق وكذا لجشع الباعة، فإن الباعة لا يهمهم من يشتري أكان طفلا أم قاصرا، المهم هو البيع... يقول خالد: أنا أبيع حسب حاجة الزبون مهما كان ولا يهمني ما في القرص، ذلك لأن الكثير منها لا أعرف عنها إلا الاسم فقط، وبالتالي ليس بالإمكان تصنيف مضمون الأقراص هل هي أفلام جنسية أم أفلام الشذوذ أم أفلام العنف...".
أما جمال 35 سنة فقال: "أنه لا يبيع للأطفال أفلاما أعرف أنها مخلة الأخلاق ولا تتناسب مع قدرات الطفل الإدراكية، بل في كثير من الأحيان أفضل أن لا أبيع أي شيء للأطفال ما لم يكن مرفقا بوالديه، لكنهم يحصلون على ما يريدون من باعة آخرين".
التعليقات (0)