تبدو لائحة الأندية الأدبيّة، في صيغتها الأخيرة، مجرّد امتداد لتراكمات اللوائح القديمة التي عطّلت جدوى الانتخابات منذ أكثر من ثلاثة عقود، ولعل أهم ما يشير إلى احتمال استئناف المشاكل يكمن في هشاشة التوصيف لعضويّة الجمعيّة العموميّة، التي تتيح إدماج فئات غير معنيّة بصفة أصليّة بالشأن الأدبي، مما يهيئ تنصيب أوصياء بالوكالة عن الأدباء، من فئات الأكاديميين والمتخصصين في اللغة العربيّة، وأولئك الذين نصّبوا سابقاً بمجانيّة جعلتهم لا يشكّون لحظة أنهم في موقعهم الخطأ، وأصبح بعضهم يتصرف كوصيّ على هذا النادي أو ذاك، فأحد الأندية،على سبيل المثال، منح عضويّته لما يفوق الألف عضو طوال السنوات الثلاثين من عمره، ولو كان عشر هذا العدد فاعلاً، لتغيّر وجه الثقافة في بلادنا، ولو اكتفى هؤلاء بالاستفادة من خدمات النادي وحضور فعاليّاته، لأمكن التغاضي عن الأمر، و لكن البعض منهم وصل، في مراحل سابقة، إلى عضويّة مجلس الإدارة و اعتبرها شهادة اعتراف تزكّي وجوده في الجمعيّة العموميّة، واللائحة، في صيغتها الحاليّة، تمكّنه من استئناف وجوده المجّاني،فإذا أضفنا إلى هذه السلالة الطموحة، الأكاديميين من مختلف التخصصات الذين بررت ألقابهم وجودهم في المجالس المعيّنة السابقة والحاليّة، كل هؤلاء على اختلاف أجنداتهم أصبحوا أمام فرصة ثمينة للزحف على الأندية، بحسن نيّة أو جهلاً وانتهازيّة تقصي بالضرورة كلّ من يحترم نفسه من الأدباء المستهدفين أصلاً بهذه المؤسسات..
إنّ الأندية الأدبيّة جمعيّاتٌ مهنيّة، قامت على مبادرات أدباء روّاد في الجيل الأوّل منها، إلاّ أنها بعد ذلك أسست كاستحقاق مناطقي ومطالب اجتماعيّة، حتى وصلت اليوم إلى هذا العدد الكبير، حيث لا يمكن استيفاء العدد المعقول للمؤسسين في بعضها، وهو ما يشجع إقحام المزيد من المبادرين لملء الفراغ، بل أكاد أجزم أنّ بعض هذه الأندية لن يجد في منطقته نصاباً كاملاً لمجلس الإدارة، لو طبقنا شرط انتمائهم للمهنة..!!
و لعلّ التأكيد على آليّات وشروط فرز صارمة للجمعيّات العموميّة، يستوجب الأولويّة المطلقة لوزارة الثقافة، بالتعاون مع الإدارات الحاليّة، و ذلك بتعميق اللائحة بمواد غير قابلة للالتفاف عليها، حتى لو تسببت هذه المواد في استبعاد بعض رؤساء الأندية أو الأعضاء الحاليين في مجالس الإدارة، فليس بين الأدباء وكوادر المجتمع الأخرى أيّة خصومات أو شكوك في وطنيّتهم، ولكن الحق أنها أندية (أدبيّة)، وليست أندية (اجتماعيّة)، أو جمعيّات أكاديميّة تخصصيّة، و أرى أن أهم قاعدة تبنى عليها شروط الانتماء للجمعيّة العموميّة، أن يكون للعضو نشاطاً معرفيّاً أو إبداعيّاً مستقلاًّ بصفة أصليّة، و أن تزكّى العضوية من لجنة متوازنة من أدباء ناشطين ومعروفين بحيادهم ووعيهم، فأستاذ الجامعة يترقّى بأبحاثه، ويتقاضى مقابل ذلك امتيازاته في سلكه، وينتمي لجمعيّاته التخصصية، وفي ذات الوقت يشكّل رافداً مهماً لنشاط النادي كأي متخصص آخر، ولكنّه غير معنيّ بإدارة النادي التي هي مظلّة لأولئك الأدباء والكتاب الفاعلين بصفة حرّة ومستقلّة، بصرف النظر عن وظائفهم وتخصصاتهم من الأكاديميين أو سواهم..
بقي بعدٌ آخر فيما يخص تكوين الجمعيّة العموميّة، فاللائحة أغفلت أهميّة التناسب العددي بين أعضاء الجمعية العموميّة وحجم تمثيلها، فالنادي الذي لا يجمع الحد الأدنى من أعضاء الجمعيّة العموميّة في منطقته، ليس من المنطق أن ينتخب عشرة أشخاص كمجلس إدارة، بل على اللائحة أن تحدد نسبة منطقيّة مقبولة بين عدد الناخبين وعدد المنتخَبين، والمنطقة التي لا تجمع النصاب الأدنى، يمكن تحويل الأندية فيها إلى التعيين، وإبقائها تحت المتابعة بعد أربع سنوات حتى تنضج بيئتها بالعدد الكافي، أو الاكتفاء بمراكز ثقافيّة في منطقتها، وتأجيل تأسيس النادي، وبالمقابل فإن تحديد الحد الأعلى لأعضاء الجمعيّة العموميّة، سيشجع الفائض العددي للأدباء على التكتل، و تأسيس أكثر من ناد في نفس المنطقة.
إنّ نظرة سريعة إلى بعض قوائم طلبات الانتساب للجمعيّات العموميّة، حسب شروط اللائحة المعلنة، سترينا أسماء غريبة ليس من شأنها إلاّ القرصنة على الأندية الأدبيّة، والسيطرة عليها تحت أهليّة اجتماعيّة أو أكاديميّة مفرغة من أيّ مشروعيّة مهنيّة أو انتماء فعليّ للساحة الأدبيّة، وهذا ما يجعل الأديب، الذي يحترم استقلاليّته ويحافظ على مشروعه، يبتعد عن المنافسة في مثل هذا المناخ، ولن يرضى بهذا الوضع إلاّ من يفكّر في آنيّة المكاسب، ولا يقلقه أن يمنح بتواطئه مشروعيّة الشراكة في إدارة شؤون الأدب للمتطفلين و أصحاب الأجندات الخاصة..!!
التعليقات (0)