لقد تحول النقاش الدائر في الشارع العربي حول مشروعية اهداف المقاومة ككل وحزب الله بشكل خاص ودوره الأقليمي الى ما يشبه حوار الطرشان . والسبب في ذلك برأيي المتواضع يرجع الى ان الجميع يتناقش في مواضيع فرعية ويترك اس المشكلة اما عامدا لأعتبارات لا تخفى على احد . وأما لقصور في بصره يمنعه من رؤية اللوحة الكبيرة اللتي تكونها مجوعة اللوحات الصغيرة .
في مشهد مثير حصل اثناء انعقاد المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية ذكرنا بمشهد اردوغان وهو يترك قاعة أجتماع مؤتمر دافوس احتجاجا على السماح لبيريز بسرد الأكاذيب وتجميل الجرائم اللتي ارتكبها جنوده ضد الفلسطينيين . خرج معظم ممثلي دول الغرب من قاعة الأجتماع التابعة لمقر الأمم المتحدة في جنيف احتجاجا على وصف نجاد للدولة العبرية بالعنصرية . وعلى فرض ان نجاد يكذب (وانا لا اعتقد ذلك ) فان وزير الخارجية الجديد ليبرمان طالب قبل يومين برؤية جديدة لحل الصراع العربي الصهيوني تأخذ بعين الأعتبار خصوصية الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة وبضرورة ان يعترف الجميع بان كيانه عبارة عن دولة يهودية خاصة باليهود على حد زعمه . اوليس هذا الطلب هو عين العنصرية ؟ فلماذا اذا احتج هؤلاء المحتجين .
لست مهتما هنا بتحليل ما جرى في جنيف . ولكني على يقين ان العرب اللذين انتقدوا اردوغان ونعتوه بغير الحضاري واتهموه بقلة الأدب وبالتخلف والأنغلاق وعدم الفهم وبتأثره بالعرب اللذين لا يستسيغون ولا يستطيعون سماع الآخر , سوف يهللون ويطبلون لمن تركوا القاعة في جنيف وسيصفقون لهم وسيصفوهم بالعلمانيين اعداء العنصرية والتخلف , وان الآخر ( اللذي هو ايران وحلفائها هنا ) لايستحق ان يسمع ولا شيء يمكن ان يناقش معه , وسيبررون لهم بشتى الوسائل موقف ترك القاعة والصفير والصراخ اللذي وصفوه من قبل بقلة الأدب وسيتحول هذا الموقف بقدرة قادر الى قمة الحضارة والأنسانية . وسيكون ازدواج المعايير حاضرا وواضحا في هذا الموضوع كما هو الحال في موضوع حزب الله .
لو ضرب حزب الله الصهاينة بالصواريخ فهو عميل لأيران اللتي ياخذ منها اوامر اطلاق النار , ولو امتنع عن ذلك كما ايام حرب غزة لأسباب تكتيكية فهو حزب جبان ولم يفعل شيئا لأطفال غزة اللذين حاصرهم هؤلاء العرب المنتقدين . ولو انكشف دور حزب الله المشرف بتهريب الغذاء والدواء والسلاح عن طريق انفاق سيناء فهو مخرب ومنتهك للسيادة العربية , فأذا ما طالب حزب الله اصحاب السيادة هؤلاء بفتح المعابر ولو سرا , صاح اصحاب السيادة ان حزب الله هذا ليس براغماتيا وينفذ اجندة خارجية , و من جديد ستردد الحكومات العربية اللتي تستعرض قواتها المسلحة بمناسبة ومن دون مناسبة امام شاشات التلفزة كل يوم مقالتها المعهودة بأنها انما قد اتخذت من السلام طريقا لارجعة فيه لتحرير الأرض ؟؟؟ .
كما ان هناك صنف اخر من المحللين السياسيين قد دخل على الخط هذه الأيام . وهذا الصنف يتكلم عن وجوب تعريب المقاومة لأن الشيعة عبدت ايران ليسوا من العرب ولذلك فانهم يصنفون حماس كمقاومة اسلامية شريفة ( وهي كذلك ) ويضعون حزب الله الأسلامي اللبناني الأصل في خانة الفرس المجوس . ولا افهم لماذا تتعاون حماس واجهاد والأخوان المسلمين السنة مع حزب الله وايران ان كان ما يقوله هؤلاء صحيحا .
يمكن تقسيم الأنظمة العربية والقوى الرسمية والشعبية المساندة لها الآن الى قسمين .
اولهما انظمة شعاراتية مقاومة تعزوا فشلها في حل ازماتها الداخلية الى قوى الأستعمار الخارجي واسرائيل وتطالب شعوبها بالمقاومة والصمود وشد الحزام على البطن لحين انتهاء المعركة اللتي لاتوجد أي بوادر حتى نية لخوضها , فالنظام السوري والليبي والسوداني واليمني والجزائري وغيرهم من اللذين يتاجرون بالفلسطينيين وقضيتهم لايقدمون أي دعم حقيقي للمقاومة ولا يمكن التعويل عليهم بخوض معارك حقيقية تنهي الصراع العربي الصهيوني باستخدام القوة .
وثانيهما تمثله باقي الأنظمة ويمكن وصفها بالأنظمة المسالمة شعاراتيا واللتي تدعي انها اتخذت من السلام خيارا استراتيجيا لتحقيق الحل الناجز للصراع العربي الصهيوني ودخلت المفاوضات المباشرة وغير المباشرة مع هذا الكيان وهي تقدم كل فروض الطاعة والولاء للغرب بضمنها قواعد وتسهيلات عسكرية الا انها وفي نفس الوقت لازالت تدعي انها مستهدفة من قبل اسرائيل وتعلن ضمنيا امام شعوبها بكل الوسائل يوميا بان اسرائيل والغرب اعداء لها لعلمها برفض هذه الشعوب الأكيد لهذا الكيان اللقيط الأمر اللذي ادى الى جعل السفارات الأسرائيلية في العواصم العربية عبارة عن قلاع معزولة لايزورها احد . والنتيجة ان هذه الأنظمة لا هي اصبحت محل ثقة من الغرب وحصدت مميزات هذه الثقة . ولا هي كسبت شعوبها باي من الشعارين المزدوجين اللذين ترفعهما وحصدت نتائج ذلك استقرارا وبناء .
كل ذلك يبين لنا مدى الأزدواجية المقصودة اللتي يعيشها العرب حكومات وشعوب . المشكلة برأيي المتواضع هي المسميات , فلا شيء يسمى حاليا باسمه الحقيقي , والكل يحاول اختراع اسماء لأشياء لها اسم طبييعي خلقت وهي تحمله .
لو اراد العرب ان ينهوا هذا النقاش حول حزب الله وحماس ودور ايران وتركيا وامريكا وكل هذه المواضيع فما عليهم الا ان يكونوا صادقين وواضحين مع انفسهم وان يصبح النقاش حول حلين لا ثالث لهما لكل هذه المشاكل .
الأول سيكون بان نتخلص من الأنظمة العربية القائمة الآن ونكون حكومات ودول تقبل بالكيان الصهيوني كدولة من دول المنطقة لها كل الحقوق المترتبة على هذا القبول , وان نسكت كل من يتكلم عن المقاومة ونجرمه وندخله السجون بتهمة معاداة السامية ( اللتي ينتمي لها العرب ايضا ) . ونقول للفلسطينيين ان هذا هو كل ما نستطيع ان نفعله لهم وان عليهم ان يدبروا امورهم بانفسهم وان يجد كل واحد منهم وطنا له بعيدا عن دولنا العربية . ونقول لأمريكا والغرب باننا استسلمنا وتركنا موضوع عروبة فلسطين ونعترف بان كل ما تدعيه اسرائيل من حقوق تاريخية سخيفة ومضحكة هي الحق والحقيقة المطلقة وبالتالي نطالبهم بان يجعلوا من دولنا يابان والمانيا ثمنا لهذه التنازلات .
وألا فالحل الثاني المتثل بالتخلص من الأنظمة العربية القائمة الآن ونختار حكومات تدعم المقاومة الشعبية المتمثلة بحزب الله وحماس وتقوم بالتراجع الفعلي عن كل الأتفاقات اللتي ابرمت مع الكيان الصهيوني واغلاق سفاراته وقنصلياته في الدول العربية والعودة الى حالة ما قبل زيارة السادات الى القدس والأستفادة من انتصارات المقاومة العسكرية الأخيرة في لبنان وغزة لأقصى درجة واستخدام كل قوانا الأقتصادية والعسكرية لتحقيق مكاسب سياسية تنهي الصراع العربي الصهيوني بخسائر مقبولة للجميع على اقل تقدير سيكون هو الحل العملي اللذي يجب ان نتناقش حوله . وبالتالي فان الأستعانة باي طرف غيرعربي مستعد لمد يد العون لنا في معركتنا سواء اكان مؤمن بقضيتنا او انه يساعدنا من باب عدو عدوي فهو صديقي , امرا سيكون مقبولا ولا غبار عليه . وبذلك سنرغم الجميع على احترامنا . وما ايران الا مثالا واضحا على هذا الطرح .
اما كل هذا الهراء عن السيادة والحرية والتحرير والتدخل الأجنبي ما هو الا تلاعب بالألفاظ وضحك على الذقون مع احترامي الشديد لجميع الآراء .
التعليقات (0)