بسم الله الرحمان الرحيم
بعيدا عن اللغة المدرسية المحنطة التي استعملتها سي عز الدين بوغانمي في استعراض نشأة مفهوم العلمانية ،و منطلقا من مسلمات ذهنية قد لا يوافقه عليها أحد ..؟ و مستخلصا في نهاية المطاف بأن العلمانية هي " منظومة قيم وجملة ممارسات سياسية تشكل أساس تحرير البشر من الاغتراب والآستبداد وسلب الحرية، لا تختص بها حضارة دون أخرى ، إنما هي ثمرة الجهد الأنساني للخلاص من العبودية بشتى اصنافها ".
دعنا من التحليق في السماء بنظريات لا تمت للواقع المعيش و لحياة الناس و الشعوب ... بأي صلة .. ولننزل إلى الأرض والى الواقع لنرى ما يمكن أن يصلح معيشتنا و حياتنا و ينمي قدراتنا الحضارية و يخلصنا من الظلم و الاستبداد السياسي و الاجتماعي و التخلف الحضاري .. و يضعنا كأمة تحت الشمس ، تملك زمام أمورها و لا تكون تابعة و لا متخلفة و لا يحكمها مستبد ... وهي مطامح مشروعة نشترك فيها جميعا قد عبرت عنها بقولك " العلمانية هي جوهر الحداثة وهي المحصلة النوعية لترحال البشرية المعرفي ، وكفاحها ضد الحكم المطلق والاستبداد ."
لنتأمل بادئ ذي بدء ، هذا الكون الشاسع الذي نعيش فيه و نستمد منه كافة أسباب عيشنا و حياتنا .. فنستنشق هواءه و ونأكل من خيراته التي تكاد لا تحصى عددا ... و أول ما يلفت الانتباه في هذا الكون العجيب و البديع هو خضوع كل عوالمه بدون استثناء – ما عدا عالم البشر- خضوعها لنظام دقيق عجيب يحكم سائر حركتها و سكناتها ، حياتها و موتها ، أكلها و شربها تزاوجها و تكاثرها ... لا فوضى و لا ظلم يمنعها من تأدية مهمتها المعلومة أو المجهولة و التي يكشف العلماء كل يوم عن سر من أسرارها التي لا تكاد تقف عند حد ...
فكما عبر العلماء عن ذلك بوسائل مختلفة " البشرية في كشفها لأسرار الكون ، بمثابة الإنسان الذي خطا خطوة في صحراء شاسعة "...؟
يرى الإنسان كل هذا النظام و التناسق في حركة الكون و يدرك بعقله أن لا شيء يخضع للصدفة أو للارتجال في كل هذه العوالم التي تملا حياته و حياة الكون ... فيتملكه شعور بالخيبة و الألم و الحسرة عن عالم البشر الذي تسوده الفوضى و الظلم و الاستبداد و الاستعمار و الحروب و الكوارث و الإمراض ... فيتساءل تساؤلا مشروعا : ألا يمكن لعالم البشر أن يرتقي في نظامه و القوانين الذي تحكمه إلى عالم أفضل مما هو عليه ؟ ألا يمكن لعالم البشر أن يخلو من الظلم و الاستبداد و الحروب و الإجرام ... ألا يمكت ايجاد على رأيك ضوابط و معايير و قواسم مشتركة " تشكل أساس تحرير البشر من الاغتراب والآستبداد وسلب الحرية .."
ألا يمكن " بناء دولة مدنية تهتم بشؤون البشر وتحسن أوضاعهم و تحد من الفقر و تقاوم الأمراض.." ؟
هذه الأسئلة المشروعة و غيرها لم يخل أي عصر من عصور البشرية من طرحها مطلقا ... على عكس ما ذهبت إليه . و يكفي أن أذكر بأن مفهوم الديمقراطية الذي لا تزال البشرية تحيى على هامشه هو مفهوم يوناني قديم ..بل ان سعي الإنسان/ و الجن للتحرر من هيمنة القوى الغيبية ابتدأت حسب رواية الأديان السماوية منذ خلق الإنسان في الجنة ، إذ رفض إبليس السجود لآدم رافضا بذلك أمر الله / القوة الغيبية و مبررا رفضه بأنه خير من آدم لأنه خلق من نار و آدم من تراب ...؟
كما انصاع أبونا آدم –في الرواية الدينية- لعقله و "ميولاته "لما أكل من الشجرة لأن الشيطان قد أقنعه بأن الأكل من الشجرة سيكون سبب خلوده في الجنة .. و لا تزال هذه الرغبة في الخلود في "جنة ما" ما تراود الإنسان منذ وجوده على سطح الأرض .
لقد صورت "العقلانية" لكل من إبليس و آدم بأن في معصية أوامر الله / القوة الغيبية التي لم يرها أحد لحد الآن .. هو تحقيق للذات واستقلاليتها عن هذه القوة الغيبية التي تريد فرض هيمنتها على حياة هذين الكائنين ؟
فماذا حدث ؟
أنزل الكائنان من الجنة – التي كانا يحيى فيها - إلى الأرض .. و بدأت بينهما عداوة أبدية لأن كل منهما ينظر لكون الآخر كان سببا في خروجه من الجنة – ابليس بسبب رفضه السجود لآدم و آدم بسبب سماعه لتغرير إبليس للأكل من الشجرة.
و دائما نواصل مع الرواية الدينية لبدايات نشوء الحياة على الأرض ... آدم أدرك بعقله حتمية الخضوع لأوامر الله/ القوة الغيبية للخلود في الجنة بعد وفاة الجسد أما ابليس فقد واصل محاولة التغرير بأبناء آدم .و منذ ذلك الحين و الصراع على أشده بين متبع لما تسميه بالنقل و أسميه أنا آيات / حجج و بين متبع للعقل .
و أتساءل معك بعدئذ : من منهما /النقل و العقل - يملك إجابات لتحسين شروط حياة الإنسانية على الأرض" ؟
تجيب أنت و يساندك- أكثر الناس في العالم : الحل في العلمانية التي تمثل " منظومة قيم وجملة ممارسات سياسية تشكل أساس تحرير البشر من الاغتراب والآستبداد وسلب الحرية، لا تختص بها حضارة دون أخرى ، إنما هي ثمرة الجهد الأنساني للخلاص من العبودية بشتى اصنافها "
إذن انت تعترف أن العلمانية "هي منظومة قيم " انسانية عقلية كما هي معايير و ضوابط انسانية قادرة على تحرير الانسانية من الظلم و الاستبداد و اقامة مدنية حديثة من شأنها أن ترتقي بنا في كافة المجالات ..؟
اذن هناك بيني و بينك عدة نقاط يمكن أن نلتقي فيها و نتحاور على أساسها وهي :
1- حاجة البشرية إلى منظومة قيم تضبط بها سلوكها .
2- - و الهدف هو الارتقاء بالحياة البشرية في كافة الميادين و تخليصها من الاستبداد و العبودية .
1 – منظومة قيم و ضوابط : تتصف الضوابط بالثبات و الوضوح و قدرة الإنسان لاستغلالها في تقييم عمل ما .. فهل استطاع العقل البشري انتاج معايير ثابتة واضحة ، لا اختلاف حولها ؟ أجيب بصراحة لا ؟
لأن العقل البشري متغير في تقييمه لنفس الشيء فما رآه اليوم حسنا قد يصبح غدا أو بعد ساعة سيئا و غير مرغوب فيه .
لذلك وجدت في عالم البشر فكرة الطلاق مثلا و تغيير الحكام و تغيير المناهج الدراسية .. كما يلاحظ أن لا شيء من القيم الإنسانية متفق حول مفهومها و أنا أتحداك أن تعطينا مفهوما موحدا للديمقراطية و حقوق الانسان و مفهوم العلمانية ...؟؟؟
هذا على المستوى النظري .
أما على المستوى العملي فنلاحظ أن ما يسمى بالعالم الحر .. الديمقراطي ..العلماني .. أكثر حكومات الأرض انتهاكا لحقوق الإنسان و نهبا لثروات الشعوب الفقيرة واستعمارها و إشعال الحروب و استعمال المعايير المزدوجة ...
فهل تريدني بعد ذلك أن أثق في العلمانية و توابعها ؟؟؟
1/1 : القرآن و آياته هو المعيار الوحيد الذي يصلح للبشرية : هذا ما يمكن أن يتوصل إليه من كان له نظر و بصيرة نافذة ...لسبب بسيط أن كل معاييره في تقييم السلوك البشري غير متناقضة و لا متضاربة و لا مختلفة .. و لا تجد مسلمان يختلفان في مفهوم الحلال و الحرام و الخير و الشر وهو حكم بين جميع الناس حكاما و محكومين ..لا يتحيز إلى فئة دون فئة .. و له قدرة عجيبة على إضاءة حقائق الأشياء بدون زيادة أو نقصان متى استغل بحيادية و خوف من العزيز الجبار الذي يعلم غيب السماوات و الأرض وهو أقرب للإنسان من حبل الوريد .
هذا رأيي اجيب به على تدخل السيد بوغانمي .مع فائق احترامي .و سأنظر في بقية التدخلات و سأجيب بما أرى .
التعليقات (0)