مواضيع اليوم

القرآن ومحاججة المنكرين الجاحدين

أحمد الشرعبي

2012-10-08 18:07:19

0

 القرآن ومحاججة المنكرين الجاحدين . للمفكر/ إبراهيم أبو عواد .

 

إن الله تعالى قد أقام الْحُجةَ على خلقه بإنزاله الكتب السماوية على رُسُله الكرام _ عليهم الصلاة والسلام _ . والقرآنُ الكريم هو الكتاب الخاتَم الناسخ لما قبله ، وقد وردت فيه آياتٌ كثيرة في محاججة المنكِرين ، والرد عليهم ، ودحضِ باطلهم ، وتفنيدِ شبهاتهم . وهذه الآيات تخاطب العقلَ بما يَمكن إدراكه . فاللغةُ القرآنية في الرد على المخالِفين لغةٌ راقية تُقَدِّم الدلائلَ الواضحات، وليست لغةً فلسفية محصورة في عالم الأخيلة والافتراضات اللامنطقية ، كما أن المنهج القرآني في دحض شبهات المخالِفين ليس سِباباً أو صراخاً أو جعجعةً بلا طحن . إنه منهجٌ إلهي متكاملٌ يملك الْحُجةَ الناصعة ، ومشتملٌ على معرفة النفس البشرية وما يصلحها وما يفسدها . فاللهُ تعالى مُنْزِلُ القرآن هو خالق الإنسان وأعلم به منه ، ويعلم _ سبحانه وتعالى _ طريقةَ تفكير البشر ، وطبيعةَ شهواتهم وشبهاتهم ووساوسهم .
وقد أورد القرآنُ شبهاتِ الخصوم وفَنَّدها ، وقَدّم الدلائلَ الباهرة على وحدانية الخالق تعالى وصدقِ الرسالة ، وكل هذا بلغة قرآنية سامية تعلو ولا يُعلَى عليها .
وقد تحدى اللهُ تعالى المرتابين في القرآن والشاكين فيه أن يأتوا بسورة من مثله ، لكنهم عجزوا عن ذلك . وهذا التحدي مستمرٌ حتى يوم القيامة .
قال الله تعالى : (( وإن كُنتم في رَيْبٍ مِما نَزلْنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شُهداءكم من دون الله إن كُنتم صادقين )) [ البقرة : 23] .
وهذا التحدي للمشركين الطاعنين في القرآن الكريم أن يأتوا بسورة من مثله في حسن النظم ، والفصاحةِ اللغوية ، والبيانِ الباهر ، ويستعينوا على هذا الأمر بأعوانهم وفصحائهم وآلهتهم من دون الله تعالى .
وقال الطبري في تفسيره ( 1/ 200) : (( وإن كنتم أيها المشركون من العرب والكفار من أهل الكتابَيْن في شك _ وهو الريب _، مما نَزلنا على عبدنا محمد صلى الله عليه وسلم من النور والبرهان وآيات الفرقان : أنه من عندي ، وأني الذي أنزلته إليه ، فلم تؤمنوا به ، ولم تصدِّقوه فيما يقول ، فأتوا بحُجّة تدفع حُجّته ، لأنكم تعلمون أن حجة كل ذي نبوة على صدقه في دعواه النبوة : أن يأتيَ ببرهان يعجز عن أن يأتيَ بمثله جميع الخلق ، ومن حُجة محمد صلى الله عليه وسلم على صدقه ، وبرهانه على حقيقة نبوته وأن ما جاء به من عندي ، عجز جميعكم وجميع من تستعينون به من أعوانكم وأنصاركم عن أن تأتوا بسورة من مثله ، وإذا عجزتم عن ذلك وأنتم أهل البراعة في الفصاحة والبلاغة والذرابة _ حدة اللسان _ فقد علمتم أن غيركم عما عجزتم عنه من ذلك أعجز )) اهـ .
قال الله تعالى : (( ويقول الإنسانُ أإذا ما مِت لَسَوْفَ أُخرَج حَياً ( 66) أولا يذكر الإنسانُ أنا خلقناه من قبل ولم يَكُ شيئاً ( 67 ) )) [ سورة مريم ] .
ويُقدِّم القرآنُ الْحُجةَ الساطعة على حقيقة البعث. فالإنسان الذي يتساءل مستنكِراً ومستبعِداً أن يُبعَث بعد موته ، جاءته الْحُجةُ الباهرة بأن الذي أوجد الإنسانَ من العَدَم قادرٌ على إعادته .
(( قال بعض العلماء : لو اجتمع كل الخلائق على إيراد حُجة في البعث على هذا الاختصار لما قدروا عليها ، إذ لا شك أن الإعادة ثانياً أهون من الإيجاد أولاً )).
[الفخر الرازي ( 21/ 241 ) نقلاً عن صفوة التفاسير للصابوني ( 8/ 48 ) .].
وفي صحيح البخاري ( 4/ 1903 ) : عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( قال اللهُ : كَذبَني ابنُ آدم، ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني ، وليس أولُ الخلق بأهون علي من إعادته ... )) .
فالبعثُ ثابتٌ نقلاً وعقلاً . وقد خاطب اللهُ تعالى الناسَ بما يَعقلون، فذكر _ سبحانه _ أن البعث أهون وأيسر من بدء الخلق _ وفق التفكير الإنساني _ . أمّا اللهُ تعالى فكل شيء عنده هَيِّنٌ
فلا يعجزه شيء ، ولا تتفوق على قدرته _ سبحانه _ أية قدرة . فالبداءةُ والبعثُ أمران خاضعان لقضاء الله تعالى ومشيئته . (( وإذا قَضى أَمراً فإنما يقول له كُن فَيَكون )) .
وقال الله تعالى : (( وقالوا لولا أُنزِل عليه مَلَكٌ ولو أَنزلنا مَلَكاً لَقُضِيَ الأمرُ ثم لا يُنظَرون )) [ الأنعام : 8] .
ويخبر اللهُ تعالى عن عناد المشركين وجهلهم ، فقد اقترحوا _ بكل جحود _ إنزال مَلَك على النبي صلى الله عليه وسلم ليكون معه نذيراً ومُسانِداً . وهذا مما يتذرع به المشركون ، حيث يخترعون الأشياءَ من بنات أفكارهم بسبب عجزهم عن مقارعة الْحُجة بالْحُجة . فينتهجون هذا الأسلوب العقيم الذي يُنبئ عن جهل وعناد وفكرة مسبقة رافضة للإيمان مهما حصل من معجزات. لذلك تراهم يبحثون عن أمور غير منطقية ، ويحاولون إلباسها ثوب المنطق ومقارعة الدليل بالدليل .
لكنَّ الرد الإلهي لا يتأخر في دحض باطلهم ، فلو أُنزِل مَلَكٌ لما أطاقوا رؤيته لعظمته وهَيْبته ومنظره العظيم، أو أن العذاب سيأتيهم عاجلاً بلا تأخر ، وعندئذ لا يُمهَلون ، ولا يُمنَحون فرصةً للتوبة .
وفي زاد المسير ( 3/ 8) : (( قال مقاتل : نزلت _ أي الآية _ في النضر بن الحارث وعبد الله ابن أبي أمية ونوفل بن خويلد . ولولا بمعنى هَلا أُنزل عليه ملك نصدِّقه ، ولو أنزلنا مَلكاً فعاينوه ولم يؤمنوا لقضي الأمر ، وفيه ثلاثة أقوال : أحدها أن المعنى لماتوا ولم يُؤخروا طرفة عين لتوبة ، قاله ابن عباس . والثاني : لقامت الساعة ، قاله عكرمة ومجاهد . والثالث : لَعُجِّل لهم العذاب، قاله قتادة )) اهـ .
ويتواصل الرد على الكافرين . وهذه المرة يدحض القرآنُ باطلَ أهل الكتاب ، ويُفحِمهم فلا يقدرون على الرد .
قال الله تعالى : )) وقالت اليهودُ والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قُل فَلِمَ يُعذبكم بذنوبكم )) [ المائدة : 18] .
وهذا الرد البليغ على غرور أهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) الذين زعموا أنهم أبناء الله تعالى ، أي إنهم عباده المخلَصون الذين اختارهم وفضّلهم على الخلق ، وأحبابُه وصفوته من بين الناس . وهذا الزعم الباطل تهاوى أمام الرد القرآني ، فإن كانوا _ كما يزعمون _ فلماذا أعدّ اللهُ لهم نارَ جهنم خالدين فيها جزاء كفرهم وكذبهم ورفضهم للرسالة المحمدية الإسلامية المصدِّقة لما قبلها من الرسالات السماوية ؟ .
وفي الآية معنى لطيفٌ أن الله تعالى لا يُلقِي حبيبَه في النار ، فلو كان اليهود والنصارى أحباباً لله تعالى لما عَذّبهم ، بل حماهم من الجحيم ومنحهم الجنةَ .
وفي الدر المنثور للسيوطي ( 3/ 44) : { أخرج ابن إسحق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس قال : (( أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أبي ، وبحري ابن عمرو ، وشاس بن عدي ، فكلمهم وكلموه ، ودعاهم إلى الله ، وحذرهم نقمته ، فقالوا : ما تُخوفنا يا محمد ، نحن والله أبناء الله وأحباؤه ، كقول النصارى )) }، فأنزل الله فيهم : [ وقالت اليهودُ والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قُل فَلِمَ يُعذبكم بذنوبكم ] .
وعن أنس _ رضي الله عنه _ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( واللهِ لا يُلقِي اللهُ حبيبَه في النار )).
[رواه الحاكم في المستدرك ( 4/ 195) برقم ( 7347 ) وصحّحه ، ووافقه الذهبي .].
فاللهُ تعالى إذا أحب عبداً حماه من كل سوء ، ووفقه لفعل الخيرات حتى يقبضه طاهراً مُطَهّراً ، ثم يدخله الجنةَ ، ولا يجعل النارَ تأكل جسدَه .
وقال الله تعالى في الرد على اليهود أصحابِ الْحُجَج الواهية : (( قُل إن كانت لكم الدارُ الآخِرة عند الله خالصةً من دون الناس فتمنوُا الموتَ إن كنتم صادقين )) [ البقرة : 94] .
وهذه الآية فَضحت اليهودَ وكَشفت عن دواخلهم الممتلئة بحب الدنيا وكراهية الموت . فإن كان جزاءُ اليهود الجنةَ في الآخرة فليتمنوا الموتَ ، وملاقاةَ الله تعالى لكي يكافئَهم بالنعيم الأبدي ، فيرتاحوا من عناء الدنيا . لكنهم يعلمون أن مصيرهم إلى العذاب فيهربون من الموت _ حسب نظرتهم القاصرة _، ويتشبثون بالدنيا بأسنانهم وأظافرهم لعلمهم بما ينتظرهم بعد الموت من العقوبة الشديدة .
وروى أحمد في مسنده ( 1/ 248 ) عن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ قال : (( ... ولو أن اليهود تمنوا الموتَ لماتوا ، ورأوا مقاعدهم في النار )) .
وفي تفسير ابن كثير ( 1/ 178 ) وصححه ، عن عكرمة في قوله تعالى : [ فتمنوُا الموتَ إن كنتم صادقين ] ، قال : قال ابن عباس : (( لو تَمَنى يهودٌ الموتَ لماتوا )) .
والأسلوبُ القرآني في المحاجَجة يتضمن الرد على الوثنيين المؤمنين بتعدد الآلهة رداً مُفحِماً ينتشل العقلَ من مستنقع الوهم ، ويزرعه في نور الهداية .
قال الله تعالى : (( قُل لو كان معه آلهةٌ كما يقولون إذاً لابْتَغَوْا إلى ذي العرش سبيلاً )) [ الإسراء : 42] .
فلو كان هناك آلهةٌ _ على حد زعم المشركين _ لقامت هذه الآلهة بمنافسة الله تعالى ، ومحاولةِ انتزاع مُلْكه _ كما يحصل بين ملوك الأرض _ . أو لقامت هذه الآلهة بالسعي لنيل رضا الله تعالى لأنها دونه . وبما أنها محتاجة ، إذن ، فهي ليست آلهة .
وهذا الرد الباهر المفحِم الموجَز يخاطب عقولَ الناس بشتى مستوياتهم الفكرية ، فهو متوافق مع الفطرة السليمة والعقلِ الطبيعي . فلم يُقدِّم القرآنُ رداً فلسفياً مُعقّداً ، ولم يجيء بأنواع الشتائم للمشركين . وإنما عرض الدليلَ الواضح على وحدانية الله تعالى وبطلانِ فكرة تعدد الآلهة . وهذا يشير إلى عظمة القرآن ، وقوةِ حُجّته المضيئة التي لا يمكن مواجهة نورها بأية وسيلة من الوسائل . فالحق يعلو بكل ثبات ، والباطلُ يذهب أدراج الرياح .
وقال ابن الجوزي في زاد المسير ( 5/ 38 ) : (( قوله تعالى : [ إذاً لابْتَغَوْا إلى ذي العرش سبيلاً ] فيه قولان : أحدهما لابتغوا سبيلاً إلى ممانعته وإزالة مُلكه ، قاله الحسن وسعيد بن جبير .
والثاني : لابتغوا سبيلاً إلى رضاه لأنهم دونه ، قاله قتادة )) اهـ .
وقال الله تعالى : (( لو كان فيهما آلهةٌ إلا اللهُ لَفَسَدَتَا )) [ الأنبياء : 22] .
فلو كان في السماوات والأرض آلهةٌ غير الله تعالى لفسد نظامُ الكَوْن ، واختل الوجودُ ، وذلك لما يحدث بينها من تنازع وتضاد ومنافسة . فلا يوجود مَلِكان في دولة واحدة ، ولا يوجد جسدٌ برأسَيْن.
[قال الصابوني في صفوة التفاسير ( 9/ 7) : (( قال المفسرون : في الآية دليلٌ على التمانع الذي أورده الأصوليون ، وذلك أنا لو فرضنا إلهين فأراد أحدهما شيئاً وأراد الآخرُ نقيضَه ، فإما أن تُنفّذ إرادة كل منهما وذلك محال لاستحالة اجتماع النقيضَيْن ، وإما أن تُنفّذ إرادة واحد منهما دون الآخر، فيكون الأولُ الذي تُنفذ إرادته هو الإله ، والثاني عاجزٌ فلا يصلح أن يكون إلهاً )) .].
وقال البغوي في تفسيره ( 1/ 314 ) : (( لخربتا وهلك من فيهما بوجود التمانع من الآلهة ، لأن كل أمر صدر عن اثنين فأكثر لم يجر على النظام )) اهـ .

http://www.facebook.com/abuawwad1982




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات