مواضيع اليوم

القرآن ودراما الخلاص

فارس ماجدي

2010-01-23 00:59:24

0

.ينبغي أن نعود هنا الى دراسة مفردات المكان والزمان ، لا شك في أننا نجد علائم على الإدراك الواقعي المحسوس بالشمس والقمر من مثل : كان الله قد( جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ، ثم : إدراك النجوم ( لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ). ثم نجد في القرآن مواقيت زمنية تتعلق بالعبادة . لكن كل هذه الأشياء ليست إلا معطيات عملية تندرج ضمن إدراك شمولي للكون ـ الزمن بالمعنى المطلق للاصطلاح ، هذا الكون ـ الزمن معروض على أساس أنه يمثل الفصل الأول من تاريخ الخلق الإلهي ،وضمن هذا الزمكان بالمعنى المطلق التقديسي المتجانس الذي نتج عن فعل الأمر الخلاق( كن فيكون ) تدور دراما الخلاص حتى أجل مسمى. ضمن هذا المنظور نلاحظ أن هذا الكون هو عبارة عن مخزن للعلامات أو الآيات ـ الرموز التي تغذي التفكر والتأمل بالكبير اللامتناهي والجميل والخير والمتناغم والمنتظم والدال والمدلول... لا نملك هنا إلا أن نحيل القارئ الى تلك الآيات العديدة التي تتكلم عن السماء ، ومجموعة الكواكب والنجوم والقمر والأرض والرعد والبرق والمطر والخضروات والحيوانات، لخز كل هذه المخلوقات كانت قد وضعت في خدمة الإنسان ، أي سخرت له لكي يستفيد منها طبقا للميثاق الأساسي ـ العهد الذي عقد بينه وبين الله ـ . إن العهد يتضمن التفريق بين لأزمنة ثلاثة : الزمن القصير والمؤقت العابر للحياة الدنيا ، ثم الزمن غير المحدود للموت والإقامة في القبر ثم زمن الآخرة أو العودة الى الأبدية وهذا هو الزمن الذي يقود كلا الزمنين السابقين ويعلو عليهما، لا نستطيع هنا الشروع في تحليل هذا الزمن الأخروي وتحليل الوعي الذي يفترضه ويؤسسه، سوف نلح فقط على مسألة أن الأمر يتغير جذريا فيما إذا قرئ الخطاب القرآني من قبل هذا الوعي أو قرئ من قبل ما نسميه بالوعي التاريخي . في الحالة الأولى نلاحظ أن هناك تواصلية واستمرارية بين القول والفعل :بمعنى أن الإنسان يعيش ـ على الأقل في نيته ـ كل المعنى المدلول عليه في الوحي دون استبعاد أية حقيقة عجيبة مدهشة تتعلق بالحياة الأخرى. وأما في الحالة الثانية فهناك طلاق بين القول والفعل وأكثر ما يمكن التفكير به هو إمكانيات الحلم والتخيل ، يمكننا توضيح هذا التعارض عن طريق ذكر الإثارات الشعرية العديدة للجنة والنار والتي ضخمت فيما بعد عن طريق الخيال للصوفيين والفلسفة العرفانية خصوصا .
إن زحزحة المعتقد نحو تصور أكثر انسيابا لهذه الدراما الخلاصية لم تتأصل في هذه الصورة العرفانية ولا في غيرها ، وإن كنا نعرف تماما كيف راح القرآن في آيات كثيرة منه كانت قد مارست دورا مؤثرا في بداية الدعوة كيف أخذ يؤكد على النزعة الخلاصية ، أي المصير المحتوم ، والذي بدأ يأخذ منحنا مغاير تماما للأفكار الخلاصية القديمة أوماعرف منها على الأقل. ولتي اعتمدت فيما بعد كمرجع دون أدنى تفكير في تزامنيتها أو فيما تؤصله عبر مسارها التاريخي وقضية الوعي التي لا يمكن توثيقها أو القبض عليها في اللحظة الراهنة.
إن المسألة تتعلق بذات يعاد إليها الأعتبار ، بعد أن ظلت أسيرة طيلة قرون وقرون لفكرة الخلاص ، هذه الإمكانية ليست مؤكدة بشكل يقيني أو مسبق ولكن إذا ما كان الجواب ايجابيا ، فإنه ينبغي علينا أن نتحقق من صحة اومتانة الطرق المفتوحة أمامنا ونحن في بدايات هذه القرن الحادي والعشرين، أقصد الطرق الخاصة بتشكيل مثل هذه الذات المعاد إليها الاعتبار.
من الواضح أن المعتقد الديني بصيغته الإيمانية لاينجو من ثقل التاريخية ، ومختلف الإكراهات التي تشرط منشأ الذات الإنسانية ونموها ، وعلى أية حال وصلنا لأول مرة في تاريخ الفكر الى المرحل التالية : وهي أن الذات أصبحت قادرة على نزع الأسطرة والأدلجة والأقنعة عن كل مستويات المعتقد. وهي أشياء كانت تضعه تحت وصايات مراتبية هرمية بل واستلابية لحريته. وهذا ما يجعلنا نفهم معنى التحدث عن ذات معاد إليها الاعتبار أخيرا، وهذه ( الأخيرا) يجب أن لا تخدعنا ، فهي لا تعبر عن الابتهاج أو التهلل بأمل طالما تعلقت به قلوب البشر، وطالما خاب وكذب وتمزق ، ثم توصلنا نحن إليه أخيرا أو توهمنا أننا توصلنا وحققنا الأمنية التي عجزت القرون السابقة عن تحقيقها وهكذا نتوهم أننا توصلنا الى تحقيقه كليا أو نهائيا..... لا . إن العقل التفكيكي الذي نستخدمه لا يمكنه أن يسقط في مثل هذه الأحلام الساذجة. الوعي الأخروي ، ودراما الخلاص النهائي الجميل المبهج عند الله في جنات تجري من تحتها الأنهار .. ولا نزال في انتظار المسيح الذي يسقط على حين غرة من السماء. ولا أدري لماذا يأتي هذا المسيح وما هي المهمة التي سيقوم بها وما علاقة الفكر والثقافة الإسلامية به.....؟ ، أو مهدي منتظر تهفو له القلوب وتتعلق به الأرواح ،
( الفكر الأسطوري هو وحده الذي يعتقد بإمكانية ظهورمهدي جديد يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا ... وهذا الفكر اخترق كل الثقافات وكل الأديان، فالناس يعزون أنفسهم به عن واقعهم المزري الحالي والإنسان على هذه الشاكلة لا يعيش بدون أمل بالخلاص .... )
وبذلك يتوقف الأمل في أو يكاد في إحداث رؤية خلاصية من نوع آخر، رؤية واقعية لا فوق واقعية. هنا ندرك أو نستطيع قياس حجم الضياع الطويل لأمة خرجت من سياق التاريخ الموضوعي ، ندرك حجم التعريجات العديدة والخديعات ، والاحباطات ،ثم المصابرة والمثابرة والنجاحات المؤقتة العابرة، والحلول الوهمية التي شهدها العقل أو العقلانية في هذا السياق والتي ما لبثت أن انهارت أمام وبفعل ضغط الخرافة المستمر.


 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !