مواضيع اليوم

القرآن مقاربة أدبية

فارس ماجدي

2010-02-06 06:36:14

0


كان الشيخ الدكتور في جامعة الأزهر محمد خلف الله قد أمتلك الجرأة على مقاربة دراسية للقرآن من الزاوية الأدبية وذلك عندما درس الفن القصصي في القرآن ، لكن حرصه على مراعاة الموقف الإسلامي الإيماني ونقص معلوماته فيما يخص البحوث الجارية اليوم في مجال التحليل الأدبي والألسني وعلم اللغة، قد اضطره الى تقديم تنازلات مهمة وخطيرة فيما يخص عقيدة الإعجاز ، هكذا نرى أنه ثمة مهمة صعبة ينبغي إنجازها ضمن منظور المساهمة في بلورة نظرية لتفسير الحكاية الأسطورية تلك، وهنا نرى أنه بالإضافة الى الصعوبات المتعلقة بتفسير الحكاية الشعبية القصصية التي أضفت عجائبية ساحرة وخلابة على البنية العامة للنص، فإننا نعاني من نقص مرعبا فيما يخص القرآن من غياب علم دلالات خاص باللغة الدينية.ذلك أن العلوم التراثية القديمة والمعاصرة على السواء لم تعرف هذا العلم الى غاية هذه اللحظة ، هذا إذا استثنينا المحاولات الجيدة للمستشرقين نيلنو ماي و استيفان شاخ وتظل بها الخصوص محاولات لم تطور ولم يجر عليها أي تعديل يذكر ـ ولم نسمع أنها أحدثت صدا يذكر في تغيير زاوية الرؤية أو حرفها عن مجالها وفضائها الذي تتحرك فيه أو من خلاله.
على أية حال يمكننا أن نحدد نمط وجود العجيب ذلك وظيفته بشكل دقيق الى حد ما في الحكايات العديدة وأحيانا الطويلة الموجودة في القرآن. أننا نفكر مثلا في سورة يوسف المشهورة . وفي قصة موسى التي وردة في أكثر من 400 آية موزعة على 27 سورة ، كما تذكر معاجم القرآن ، ثم بمختلف الحكايات المتعلقة بالأنبياء السابقين على محمد أو بالشعوب القديمة ، إن مجموع هذه النصوص يتطلب معاملة مزدوجة: فأولا ينبغي القيام بنقد تاريخي لتحديد أنواع الخلط والحذف والإضافة والمغالطات التاريخية التي أحدثتها الروايات القرآنية بالقياس الى معطيات التاريخ الواقعي المحسوس، وثانيا ينبغي القيام بتحليل بنيوي لبيان أن القرآن لم ينجز أو يبلور( بنفس طريقة الفكر الأسطوري ) شكلا ومعنى جديدا ، أي عملا متكاملا مجهزا بطريقة استخدام واسلوبية خاصة في اللغة العربية ، إن هاتين المقاربتين متكاملتان لأنه من المهم أن نعرف مدى تشظي الأساطير المعاد استخدامها إذا ما أردنا أن نطلق حكما أو أحكاما دقيقة على القرآن.
هنا أيضا نلاحظ حجم المهمة أنه كبير جدا لدرجة أنني مضطر لأن أشق سبلا وعرة وأعرف أنها وعرة وأتخلى عنها على الفور دون أن أصل الى نهايتها ، لأن المهمة شاقة وعسيرة لفرد واحد أو عدة أفراد أن يقموا بها .
تحتاج فصص الأنبياء من أجل أن يتم تمثلها بشكل تام من قبل وعي المؤمن الى علاقة إدراك مشابهة لتلك العلاقة التي تتطلبها كل الحكايات الأسطورية من أجل التصديق بها . إن المسألة هنا لاتخص تتبع ومراقبة حلقات حكاية زمنية متسلسلة على طريقة كتابة التاريخ الحديثة. ذلك أن سامع القصة ليس مجرد مشاهد لأحداث تسليه وتمتعه دون أن ينخرط بوعيه في كل ذلك. على العكس أن جزء لا يتجزأ من بنية تمثيلية ثابتة، يمثل الله في آن واحد المؤلف المرسل للأحداث ـ المدن المدمرة ، الشعوب المعاقبة...الخ ، وللغة الذي يمثل الحدث الأكبر ـ الوحي المتتالي ـ اللذين يحددلن تاريخ النجاة ، ونجد فرعون يمثل النموذج المطلق للشر والكفر بالميثاق فهو يمثل المعارض ، أما البشر فهم الذين ترسل إليهم نعم الله وعنايته وهم يرسلون بدورهم الطاعة والشكر ، إن هذه البنية التمثيلية القصصية تشكل اللحمة الحقيقية والعميقة والمستمرة و الدائمة لكل الأحداث التي تحل بالعوالم المخلوقة وتاريخ البشر ، إنها توجه الإدراك والإحساس بهذه الأحداث وذلك بدعمها لحيوية الأمة المختارة لكي تشهد على الحضور الفعال للكائن المطلق أي الله ، وتمنع من انحطاط التاريخ الإلهي وتحوله الى مجرد تاريخ دنيوي ، إن مفهوم الشهادة هنا ذو أهمية قصوى من أجل فهم كيفية التشكل المستمرة لرابطة الإدراك ـ الوعي ذات الرابط الأسطوري :
(وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا).
من أجل تأبيد هذه الشهادة الروحية على التاريخ واستمراريتها يأتي نبي جديد أو مرسل لكي ينشط ويحرك التاريخ الروحي بعد مدة من انقطاع النبوة . إن ظهور النبي أو تدخله في التاريخ يسرع من جريان أو تسلسل دراما الخلاص الأخير ذلك أن القصص تعبر دائما عن توتر بين تاريخ نموذجي وتاريخ مثالي موجه نحو مستقبل أخروي أي العودة الى الأبدية وبين تاريخ دنيوي فارغ من أي منظور بعيد المدى ومطبوع بطابع القوى المؤقتة للفرعون.
( كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكر ) .
إن التذكير بنضال الأنبياء وانتصاراتهم ومقاومة الشعوب العاصية وفشلها ليس إلا نوعا من إعادة تنشيط الحالات النموذجية القصوى لزمن مطلق تأسيسي ، لكن من أجل إدراك هذه القيمة النموذجية فإنه يلزم على الوعي أن يخترق رمزية الحياة والموت ، والخلاص واللعنة والفرح والحزن ، والأمل واليأس ، أن يخترق كل المفاهييم التي تتجاوز تفريقنا المعروف بين الواقعي والخيالي ، الصحيح والخطأ ، التاريخي والأسطوري ، الطبيعي والخارق للطبيعة ....
وهذا بطبيعة الحال لا يتم إلا من خلال تعميق الرؤية وإنغماسها في المجاز المدهش الذي يتحرر من ضغط ما هو واقعي يخضع لضغطج العثلانية باستمرار.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !